إسرائيل «والإرهاب».. ما بين القانون، والسياسة.. والواقع - أيمن الصياد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إسرائيل «والإرهاب».. ما بين القانون، والسياسة.. والواقع

نشر فى : الأحد 28 أغسطس 2016 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 28 أغسطس 2016 - 8:50 ص

 حسنا فعل المتحدث الرسمي للخارجية المصرية، حين خرج ليوضح تصريحات وزير الخارجية عن «إسرائيل والإرهاب»، وهي التصريحات التي أتمنى أن نحرص على أن يكون فيها (دائما) من الوضوح ما لا يحتاج إلى «توضيح». خاصة في تلك اللحظة «المرتبكة» من تاريخ المنطقة، والتي تشهد انكفاءَ سياساتٍ، «وهرولةَ» تطبيعٍ، ومحاولة للبحث عن «العدو البديل».

*** 

تحت الاحتلال، فلسطيني يحمل حجرا، أمام مستوطن يحمل مدفعا رشاشا

«سنعامل قاذفي الحجارة كإرهاببين» بنيامين نتنياهو ـ سبتمبر ٢٠١٥

القصة التي ذكرتنا بتغريدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل أسابيع احتفاء «حميميا» بزيارة الوزير المصرى لبيته (في «أورشليم» القدس) بدأت بخبر طالعته (كما غيري) في الحادية عشرة صباحا يتصدر موقع الجيروزاليم بوست ورسائلها الإخبارية يقول نصه «Sameh Shoukry says Israel’s actions against Palestinians cannot be characterized as terror».  كان الخبر (في صيغته تلك) لافتا، وصادما. وما كانت إلا دقائق حتى صار الخبر الأكثر انتشارا على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان من الطبيعي، ككل خبر هذه الأيام أن يصبح موضوعا للانقسام الثنائي المعروف (السيسي / مرسي)، إلى درجة أن البعض انبرى للدفاع عن إسرائيل، لا لسبب إلا لأنه تصور أنه بذلك يدافع عن «الفريق الذي يرتدي فانلته». ولذلك كان مفيدا أن يخرج المتحدث الرسمي بمانشره على صفحته على الفيسبوك (في الساعة ٥:٢٠م)، إيضاحا مصحوبا بتسجيل حي لما قاله الوزير. ليصبح «الخبر» بعدها ليس تصريح الوزير، وإنما ذلك الاحتفاء المبالغ به من الصحافة الإسرائيلية.

ثم كان أن استدعت القصة (والتي من المفترض أنها انتهت بتوضيح المتحدث الرسمي) أسئلة يبدو أن إجاباتها «لم تنته» عند البعض بعد.

هل يمكن أن توصف إسرائيل (أو ممارساتها) بالإرهاب؟ أو أن في مثل ذلك «التوصيف» اجتراء على «تعريفات» القانون الدولي، كما قد يكون البعض قد فهم من تصريحات الوزير؟

هل تغيرت معايير وقواعد الأمن القومي «المصري» التي عرفنا لعقود (والتي قرأنا عنها تفصيلا في كتابات جمال حمدان، ومحمد حسنين هيكل، وطارق البشرى) لتنتقل بها إسرائيل من خانة العدو الفعلي (أو المحتمل) إلى خانة الصديق، أو ربما «الحليف الاستراتيجي» كما فهمنا مما كتبه في هذه الجريدة أحد الخبراء الاستراتيجيين(!).

ولماذا تحرص وسائل الإعلام الاسرائيلية على الحديث «المتكرر» عن تعاون «عسكري» مصري إسرائيلي في سيناء، بل عن «المشاركة» فيما يجري هناك.

ثم.. السؤال الأهم: أين يقع «التخلي» أيا كانت مسبباته، أو حيثياته عن «تيران وصنافير»، ومن ثم عن الوضع القانوني «والاستراتيجي» الخاص بمضيق تيران في هذا التوقيت بالذات؟

وأين يقع كل ذلك في ما بات واضحا (وكتبنا عنه هنا قبل عامين كاملين) من محاولات لصياغة «شرق أوسط جديد»، تتغير خرائط الصراع فيه. ويقبل عنصرية إسرائيل ككيان ديني، بعد أن بات يروج في تلك المنطقة للدين والطائفة «كهوية بديل» لدولة المواطنة.

 

***

قصة «هآرتس»

هل شاهدتم الفيلم «الإسرائيلي» الذي حكى كيف قتل الإسرائيليون الأسرى المصريين في سيناء ١٩٦٧ «رغم استسلامهم»

ربما لا تسمح مساحة هذا المقال بغير مناقشة السؤال الأول، والذي كان موضوعا لما احتفت به الصحف الإسرائيلية في تغطيتها «المجتزئة» لتصريحات وزير الخارجية «المصري»: هل يمكن أن توصف إسرائيل (أو ممارساتها) بالإرهاب؟

Censored Voices أو «أحاديث المقاتلين» كما ترجموه للعربية، هو اسم فيلم وثائقي من إخراج Mor Loushy وعرض بدايات ٢٠١٥ في مهرجان للسينما بتل أبيب، وعرفنا عنه من تحقيق لجريدة «هاآرتس» في فبراير ثم نوفمبر من العام الماضي. وفيه نجحت المخرجة «الإسرائيلية» أن تكشف النقاب عن ما يمكن «بالتعبير القانوني» أن يمثل جرائم حرب تورط فيها الجيش الإسرائيلي في حرب ١٩٦٧ حيال الجنود المصريين العزل، أو الذين كان قد تم أسرهم أو استسلموا في سيناء، وكذلك حيال مدنيين من فلسطينيي مدن وبلدات الضفة الغربية التي جرى اجتياحها في تلك الأيام الحزينة «المهينة» من صيف ١٩٦٧. يتضمن الفيلم «شهادات حية» لجنود إسرائيليين يعيدون فيها النظر فيما اقترفوه من أفعال، كما «يعيدون النظر» كما يقول مانشيت هاآرتس في «مرويات التمجيد الإسرائيلية» لحرب الأيام الستة.

أحدهم حكى كيف ساوى بين الجنود والمدنيين الأبرياء «الذين كانوا على سطح أحد المنازل فرماهم بالنار». وحكى آخر كيف أنه وزملاءه طلبوا من فلسطينيين عزل الاصطفاف إلى الحائط قبل أن يرموهم بالرصاص. وحكى ثالث كيف أنهم تلقوا تعليمات بتعرية الأسرى بغية إهانتهم، فكان أن طلبنا من الرجال تحت تهديد السلاح أن يسيروا في البلدة طابورا بالملابس الداخلية.

بعض «اعترافات تبرئة الضمير» بعد نصف قرن من الجريمة، تضمنت أحاديث عن «سرقة أمتعة» من داخل البيوت المغلقة. أحدهم تذكر شيخا فلسطينيا بالسبعين من عمره «أمرناه بمغادرة بيته فخرج بعدما أخذ بعض أغراضه داخل قطعة قماش وكان يسير مثقلا وقبل أن يغادر منزله انفجر بالبكاء»، والآخر تذكر كيف قتل مع زملائه ضابطا مصريا (أعزل) بهدف سلب ما في جيوبه. إلا أننا لم نجد في جيوبه غير صورة لطفلين مبتسمين على شاطئ البحر.. ساعتها «أدركت أننى قتلت والدهما».

الفيلم الذي عرض في مهرجانات سينمائية بتل أبيب وبرلين وجنيف ووارسو وزغرب وكندا والولايات المتحدة الأمريكية (لم يُعرض في مصر أو غيرها من الدول العربية) يُذكرنا بكتابات «المؤرخين الإسرائيليين الجدد» الذين أعادوا قراءة الأحداث «الحقيقية» التي رافقت قيام دولة إسرائيل عام ١٩٤٨، وخاصة كتاب إيلان بابيه عن التطهير العرقى لفلسطين The EthnicCleansing of Palestine الصادر في لندن (٢٠٠٦)

وكذلك يذكرنا بالفيلم الوثائقي Rush Shaked «روح شاكيد» الذي عرضه التلفزيون الإسرائيلى عام ٢٠٠٧ والذي يتحدث عن قتل الأسرى المصريين في سيناء «رغم استسلامهم» إبان حرب ١٩٦٧. يومها، وبعد أن وجد «الخبر» طريقه إلى صحافة القاهرة محدثا الضجة المتوقعة طالبت الخارجية المصرية السلطات الإسرائيلية بالتحقيق الفوري وتقديم تقرير شامل «لإظهار الحقيقة كاملة». مشددة على ضرورة أن تنظر الحكومة الإسرائيلية في القضية «وتتخذ الإجراءات المناسبة فيها»، حتى تحصل على ثقة الشعب المصري.. انتهي «البيان»، وانتهت سنوات عشر، فهل اتخذت الحكومة الإسرائيلية «الإجراءات المناسبة»؟ ربما تجدون في إجابة السؤال بعض الإجابة عن سؤال هذا المقال.

***

ربما لا يجد البعض فيما سبق من اعترافات «إسرائيلية» بما جرى في حق المصريين والفلسطينيين العزل في ١٩٦٧ أو ١٩٤٨ مسوغا «قانونيا» كافيا لإدانة إسرائيل / الدولة بالإرهاب، أو بارتكاب جرائم حرب، بحجة أن «تحقيقا دوليا» لم يجر في أى من تلك الوقائع. أو بأنها كانت محض «حوادث فردية» كما يقول التعبير الأثير الذي اعتدناه من المتهربين من مسؤولية جرائمهم «الممنهجة». ولكن، وبغض النظر عن أن مسؤولية عدم السعي وراء التحقيق في تلك الجرائم هي مسؤولية عربية بالأساس، فما القول مثلا (أكرر: على سبيل المثال لا الحصر) في ما جرى في «قانا» عام ١٩٩٦ من قصف إسرائيلي لمقر قوات الأمم المتحدة ليونيفل في البلدة اللبنانية الصغيرة بعد أن لجأ إليه مئات المدنيين هربا من الحرب. (أسفر القصف عن مقتل ما يزيد عن المائة وإصابة الباقين). يومها أجبرت منظمات دولية لحقوق الإنسان (من قبيل تلك التي لا يحبها مسؤولونا) الأمم المتحدة على إجراء تحقيق مستقل خلص إلى أن «القصف كان متعمدا»، وأن الإسرائيليين كانوا على علم بوجود المدنيين في المقر «الدولي»؛ المحمي أصلا بموجب الاتفاقات الدولية.

***

«الإرهاب» إذن، وبغض النظر عن كل «التفاصيل القانونية»  بات مصطلحا «سياسيا»، وإعلاميا بامتياز. وأظن أننا أول من يعرف ذلك

أتفق مع السيد سامح شكرى في أنه لا يوجد حتى الآن تعريف «متفق عليه دوليا» للإرهاب، (وهو الأمر الذي استند عليه في إجابته على سؤال الطالب الصغير حول «إسرائيل والإرهاب») ولكنى أعرف، كما يعرف غيري أن الخارجية المصرية، كغيرها من مؤسسات الدولة ومسؤوليها لم يترددوا أبدا في استخدام «اللفظة / المصطلح»، حتى كاد أن يكون الأكثر استخداما هذه الأيام. ففي العاصمة الموريتانية نواكشوط قال الوزير المصري أن «الإرهاب» واللاجئين من أكبر أزمات العالم («الشرق الأوسط» ـ٢٣ يوليو ٢٠١٦) وكان قد قال في إسرائيل قبل ذلك بأيام فقط: أن «الإرهاب» يعرقل عملية السلام في المنطقة. (كنت أظنه سيقول ما نعرفه جميعا من أن ممارسات إسرائيل، هي التي عرقلت لعقود عملية السلام). إذ مَن مِن المتابعين لعملية السلام تلك التي تدور لعقود في حلقة مفرغة لا يعرف كيف أن السياسات الاستيطانية كانت دائما عقبة كؤود أمام إيجاد حل واقعى على الأرض، أو كيف أجهضت المراوغات الإسرائيلية المفاوضات الماراثونية المبنية على حلم أوسلو بعيد المنال.

أكرر أننى أعرف أنه لا يوجد حتى الآن تعريف «متفق عليه دوليا» للإرهاب، ولكن هل منع ذلك «سياسيا» السيد نبيل العربي، الذي «أُخرج» من الخارجية المصرية في مايو ٢٠١١ من أن يقول تعليقا على ترشيح إسرائيل لرئاسة اللجنة القانونية المعنية بأنشطة الأمم المتحدة المتعلقة بالقانون الدولى (يونيو ٢٠١٦): أن «إسرائيل تمارس إرهاب الدولة، وهو أخطر أنواع الإرهاب…» ـ الشروق ١٤ يونيو ٢٠١٦

وهل منع ذلك سياسيا أن تصبح كلمة «الإرهاب» الأكثر شيوعا في كل ما سمعنا من كلمات في افتتاح الدورة السبعين للجمعية العامة قبل نحو العام (سبتمبر ٢٠١٥). يومها كان الاستخدام «السياسي» للكلمة هو العنوان. ولعل من شاهد الجلسة يومها يذكر كيف كان مثيرا أن نسمع من كل المختلفين أو «المتحاربين» أنهم يحاربون الإرهاب، أو على الأقل التأكيد على ضرورة محاربته. سمعناها يومها من بوتين وأوباما، ومن السيسى وتميم بن حمد، ومن روحانى وهادى ومن كل أو معظم من تحدث غيرهم. وكان طبيعيا أن يوجَد الإسرائيليون في «ورشة» صناعة المصطلحات الجديدة (كررها نتنياهو إحدى عشرة مرة في خطابه «المسرحي» المعتاد).

«الإرهاب» إذن، وبغض النظر عن كل «التفاصيل القانونية» بات مصطلحا «سياسيا»، وإعلاميا بامتياز. وأظن أننا أول من يعرف ذلك.

***

يبقى أنني قبل أن أكتب هذه السطور، كنت قد وضعت على طاولتي ما لم تتسع المساحة لمناقشة ما فيه، ومنه:

١ـ تقارير إسرائيلية تعددت (بلا تعليق أو نفي ضروري) عن التعاون العسكري في سيناء. وهي التقارير التي يصعب تصديق ما تخوض فيه من تفاصيل.

٢ـ مقالات وتقارير بحثية إسرائيلية تتحدث عن محور«سني» (تشارك فيه إسرائيل) أمام عدو «شيعى» مشترك.

٣ـ تقارير مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضب المحتلة B’TSELEM، ومعها تقارير مكتب تنسيق الشئون الإنسانية التابع للأمم المتحدة OCHA، والذي يعرض بالأرقام الأوضاع اللا إنسانية التي يعيش فيها الفلسطينيون في غزة. وفيه حديث عن «مهانة المعابر»، وهو الموضوع الذي لم يفت السيد سامح شكرى أن يشير إليه في حديثه إلى الطلاب.

٤ـ عدد من اكتب «المؤرخين الإسرائيليين الجدد» التي تعيد النظر في الروايات الإسرائيلية المتواترة.

٥ـ عدد هذا الأسبوع من «الأهرام العربي». وكان رئيس تحريرها الزميل علاء العطار قد تفضل فأرسله إلى مبكرا، وفيه ملف مهم أعده الباحث المتخصص عرفه عبده علي،. يتضمن قائمة بما عنونه التحقيق «بالمنظمات الإرهابية في الكيان الصهيوني». يعرض فيها إلى تاريخ تسع من تلك المنظمات، بما فيها «حركة كاخ» التي يعتبر برنامجها المعلن أن كل من جبل الشيخ وقناة السويس ونهر الأردن هي الحدود الآمنة لدولة إسرائيل. (بالمناسبة، إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي لم تحدد لها حدودا رسمية حتى الآن).

***

 وبعد..

تبقى ملاحظتان

فغني عن القول أن ماسبق هو حديث عن «دولة» إسرائيل الاستيطانية «الصهيونية / العنصرية» وليس بحال عن «اليهود» الذين لى بينهم أصدقاء، أعتز بهم وبإنسانيتهم. وأقرأ لهم، ما ربما يتجاوز حتى ما ورد في هذا المقال.

كما أنه غني عن القول أن المؤسسة الدبلوماسية المصرية مؤسسة عريقة ومحترفة وذات تاريخ. ولا أحسب أن شيئا مما ورد في هذا المقال بجديد على رجالها «المحترفين»، ولكنى قرأت، كغيري «طبائع الاستبداد»، كما أسماها الكواكبي، وأخشى «إرهاب» الثقافة الحاكمة. أو على الأقل أخشى تأثير ضباب «إقليمي» تراكم، وقد تتوه فيه معالم البوصلة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

لمتابعة الكاتب:

twitter: @a_sayyad

Facebook: AymanAlSayyad.Page

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

روابط ذات صلة:

ــ فيما نحن منكفئون

ــ حديث الجوار الاستراتيجي

ــ حماس ليست غزة .. وغزة ليست فلسطين

ــ في الدفاع عن «القضية»

ــ Who Censored the Six-Day War?

 

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات