اللعب بالنار - امال قرامى - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 8:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اللعب بالنار

نشر فى : الإثنين 29 فبراير 2016 - 10:30 م | آخر تحديث : الإثنين 29 فبراير 2016 - 10:30 م
لم يكن من السهل على التونسيين إعادة بناء ثقتهم فى المؤسسة الأمنية، وهى التى كانت أداة قمع وبطش وقد استطاع بن على على امتداد عقود، تطويعها من أجل الهيمنة على الشعب وتأديب المعارضين ولذا خضعت علاقة التونسيين بالأمنيين خلال سنوات التحول الديمقراطى للمد والجزر. وقد عاش التونسيون حالات توتر وصراع وصدام مع الجهاز الأمنى، خاصة عند الاحتجاجات التى عرفتها البلاد فى مناسبات عديدة كما أنهم عرفوا نوعا من المصالحة مع مؤسسة حاول بعض المشرفين عليها إصلاح منظومتها وإعادة هيكلة المؤسسة وفق متطلبات السياق الجديد.

وبالرغم من وجود الانتهاكات والتجاوزات والفساد فإن علاقة التونسيين بالأمنيين عرفت نوعا من الاستقرار النسبى خاصة بعد انتشار العمليات الإرهابية وارتفاع نسبة الجريمة المنظمة وعاد خطاب مقايضة الأمن والأمان بالعدول عن مطلب الحريات واحترام حقوق الإنسان. والجدير بالملاحظة أن تمثل التونسيين للأمنى تشكل وفق الرهانات والتحديات الجديدة فصار الأمنى فى نظر أغلبهم، «الحامى» ورمز السلطة وعنوان الاستقرار الذى يبحثون عنه وصانع البطولات لاسيما بعد تفكيكه للشبكات الإرهابية. ولكن صورة الأمنى صيغت أيضا من خلال مختلف وسائل الإعلام فما إن انطلقت مرحلة التحول الديمقراطى حتى تفاجأ التونسيون برؤية عدد من الأمنيين فى برامج إعلامية متعددة ولم يعد الأمنى الحاضر على أرض الميدان والغائب فى وسائل الإعلام بل صار متمتعا ومستمتعا وباحثا عن المرئية والشهرة ومنساقا لخطط الإثارة والجدل وتحقيق السبق الإعلامى.

وانطلاقا من مشاركة الأمنى فى مختلف البرامج الإعلامية بات من اليسير على الجمهور التفطن إلى لعبة السلطة، وخطاب المراوغة، وموازين القوى بين مختلف القيادات الأمنية واللاعبين الجدد ونعنى بذلك من أضحوا ممثلى مختلف النقابات الأمنية فضلا عن تعقد نمط العلاقات بين مختلف الأسلاك الأمنية والقضاة والمحامين والسياسيين وغيرهم ليصل الأمر إلى حد الاصطدام برئاسة الحكومة خلال هذا الأسبوع.

***
من حق الأمنى باعتباره مواطنا، أن يحتج على تردى أوضاعه المادية وفقدانه لوسائل العمل الضرورية، ومن حقه أن ينخرط فى نقابة تدافع عن مصالحه وتضغط من أجل نيل حقوق الجميع ولكن ما بدا صادما للرأى العام أن يتماهى سلوك ممثل الدولة مع المحتجين الذين تقودهم «القوى الغضبية» وتهيمن عليهم انفعالاتهم فتجعلهم «خارجين عن حالات ضبط النفس» فيتفوهون بكلام لا يتلاءم مع ثقافة المواطنة. إن ما صدر عن الأمنيين المحتجين أمام رئاسة الحكومة والمقتحمين لمقرها مثير للقلق لعدة أسباب منها أن هذا المشهد «الثورى» قائم على استعراض القوة ولا معنى له سوى التهديد والترهيب فهل تكون علاقة الأمنيين بالدولة مرتكزة على مفهوم توزيع السلطة مناصفة لاسيما بعد أن تبينت علامات هشاشة الدولة؟ ثم إن هذه الهتافات المطالبة بإسقاط الحكومة و«رحيل» رئيسها والتى يلتبس فيها المهنى بالسياسى تطرح إشكالا على مستوى هوية الأمنيين ووظيفتهم إذ اختلطت الأوراق وتشوش المشهد فما عاد المرء يعرف هل أنه أمام أمنيين أم محتجين من عموم الناس يخرقون الآداب ويتطاولون على رموز السلطة ويعبثون بالقوانين ولهم مطالب اجتماعية وأخرى سياسية؟

أما ما تغافل عنه قياديو النقابات الأمنية وهو أن الرأى العام له ذاكرة لازالت حية يكفى أن تجد أحداثا حتى تتم عملية الاسترجاع: استرجاع الماضى بكل تفاصيله حيث الفساد والتسلط والقمع وإهانة الناس والعبث بكرامتهم... فكيف يمكن استعادة علاقة الثقة من جديد بين المواطنين والأمنيين والحال أنها لا تزال علاقة فتية؟ وكيف يمكن ضبط المحتجين المتجاوزين للقوانين والحال أن الأمنيين أبانوا عن قدرتهم على تجاوز الخطوط الحمر ورغبتهم فى «تركيع» أصحاب القرار السياسى؟

***
لهذه الحادثة أبعاد مختلفة لعل أهمها البعد الرمزى فكيف سيتم تجاوز هذا التلاعب بالرموز والصراع حول السلطة وإعادة ترتيب نسق التمثلات؟


أستاذة بالجامعة التونسية
التعليقات