سؤال صعب عن البحث العلمى والتعليم الجامعى - محمد زهران - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:55 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سؤال صعب عن البحث العلمى والتعليم الجامعى

نشر فى : الأحد 29 أغسطس 2021 - 3:00 م | آخر تحديث : الأحد 29 أغسطس 2021 - 3:00 م

عندما عرض أوبنهايمر على الفيزيائى العظيم ريتشارد فاينمان الانضمام إلى معهد الأبحاث المتقدمة الملحق بجامعة برنستون رفض فاينمان العرض. كان ذلك غريبا جدا لأن هذا المعهد الذى كان يضم أسماء مثل ألبرت أينشتاين وكيرت جودل يعتبر جنة أى باحث حيث لا أعباء إدارية ولا تدريس ولا شىء إلا الجلوس والتفكير والبحث العلمى. كانت فلسفة فاينمان أن أى باحث قد يفشل فى بحثه أو فى عدة أبحاث أو قد تمر عليه أوقات لا يجد أفكارا بحثية، عندما يحدث ذلك لا يريد أن يجلس بدون عمل لكن يكون أمامه التدريس، لذلك فضل فاينمان أن يعمل أستاذا جامعيا حيث التدريس والاجتماعات وأيضا البحث العلمى. فاينمان حصل على جائزة نوبل فى الفيزياء عام 1965.
قصة فاينمان تقودنا إلى سؤال مهم له علاقة بالتدريس والبحث العلمى: ما الذى يجب أن نركز عليه أكثر فى جامعاتنا فى مصر فى الوقت الحالى؟ طبعا أول إجابة ستقفز إلى الذهن هى كلاهما وهذا صحيح لكن لكل شخص طاقة محدودة لا يتجاوزها، إذا ركزت كأستاذ جامعى على التدريس بشدة سيضعف إنتاجك البحثى، إذا ركزت على الأبحاث بشدة لن تتمكن من إعطاء الاهتمام الكافى للطلبة وستوكل أغلب المهام للمعيدين أو المدرسين المساعدين، أما إذا قسمت وقت بالتساوى قدر الإمكان بين التدريس والبحث العلمى ستصبح متوسط المستوى فى كليهما، فما الحل؟
التعليم رسالة سامية ويبنى القوة العاملة المستقبلية ويجهز علماء المستقبل، كى تكون معلما جيدا يجب أن تكون مطلعا على أحدث الأبحاث فى التخصص الذى تعلمه للطلبة كما أنك يجب أن تلم بطرق التدريس الحديثة وستقضى وقتا طويلا فى التعامل مع الطلبة خارج وقت المحاضرات عن طريق الإيميل أو الاجتماعات لحل المشاكل التى قد تقابل الطلاب فى طريقهم لتحصيل العلم طبعا دون أن تقع فى شراك شخصية «الأستاذ الطيب» الذى تحدثنا عنه فى مقال سابق، كلما زاد عدد المواد التى تقوم بتدريسها وكلما زاد عدد طلابك زاد الوقت الذى تقضيه خارج قاعة المحاضرات فى حل مشاكل الطلاب. إذا كنت ممن يحبون الحصول على الجوائز وأن تكون مشهورا إلخ فالتدريس لن يضمن لك ذلك، الجوائز المتعلقة بالتدريس أقل بكثير من تلك المتعلقة بالبحث العلمى وتصنيف الجامعات فى الأغلب الأعم يعتمد أساسا على البحث العلمى حتى وإن كان فى بعض التصنيفات يحاولون إدخال بعض المتغيرات المتعلقة بالتدريس مثل متوسط عدد الطلاب لكل أستاذ.
إذا من يتجه بكل طاقته للتدريس هو من يؤمن به دون انتظار شهرة أو تكريم.
أما البحث العلمى يقتضى قضاء وقت كبير فى القراءة والتفكير وعمل التجارب والإشراف على طلاب الدراسات العليا، للأسف دائما ما يُنظر للباحث نظرة أعلى من تلك التى ينظر بها للمدرس لأن الناس تظن أن التدريس مجرد «كلمتين تقراهم وتروح تقولهم» وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة.
فى بلد مثل أمريكا وفى الجامعات المتخصصة فى البحث العلمى (لأن هناك جامعات فى أمريكا تركيزها على التدريس فقط) يقوم الأستاذ بتدريس مادة واحدة أو اثنتين على الأكثر كل فصل دراسى حتى يتمكن من التركيز على البحث العلمى والحصول على تمويل لأبحاثه.
نأتى الآن إلى السؤال المهم: على ماذا نركز فى جامعاتنا فى الوقت الحاضر؟
يجب أن نعطى أهمية قصوى للتدريس حتى نبنى أجيالا ستقود البلاد فى عصر يسوده العلم والتكنولوجيا بخطى متسارعة ويقوده الاقتصاد، لا أعنى هنا أن نهمل البحث العلمى فهناك الكثير من المراكز البحثية فى مصر التى مهمتها الأساسية هى البحث العلمى مثل المركز القومى للبحوث وأكاديمية البحث العلمى ومركز بحوث الإلكترونيات إلخ. لكن الأستاذ الجامعى فى مصر يكون مطلوبا منه تدريس ثلاث مواد أو أكثر فى كثير من الجامعات والتعامل مع عشرات الطلاب فى كل عام دراسى مما يترك وقتا قليلا للبحث العلمى فنجد أبحاثا مستواها أقل من المتوسط. فلماذا لا يكون عندنا فى جامعاتنا أساتذة مهمتهم التدريس فقط وتكون ترقيتهم تبعا لإبداعهم فى العملية التعليمية؟ ويكون عندنا أساتذة آخرون مهمتهم الأساسية البحث العلمى والإشراف على طلاب الدراسات العليا وترقيتهم تكون تبعا لذلك؟
مجرد سؤال مطروح للنقاش، فما رأيك؟

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات