رسالة السادات التى لم تستوعبها إسرائيل.. - حازم خيرت - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 4:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رسالة السادات التى لم تستوعبها إسرائيل..

نشر فى : السبت 30 مارس 2019 - 10:30 م | آخر تحديث : السبت 30 مارس 2019 - 10:30 م

فى كل مناسبة يتحدث فيها رئيس الحكومة الإسرائيلية علنًا عن السلام يقول إن العقبة الكبرى ليست قادة الدول وإنما الرأى العام السائد لدى الشارع العربي!. وهذه المقولة قد يخالطها يقينا التشكك، بل وتدحضها التجربة المصرية الإسرائيلية – التى مر عليها أربعة عقود – ثم تلتها التجربة الأردنية، والتجربتان تثبتان أن الشعوب تقبل السلام القائم على العدل والحق والقانون الدولى، وليس ما قد يتوارد فى ذهن البعض بشأن السلام المنقوص أو المفروض بالقوة، فهذا بالفعل وحده ما لن يكون عقبة أمام القيادات ولا حتى الرأى العام.
الحكومة الإسرائيلية ورئيسها سعداء لأنهم حققوا إنجازا يتصوران أنه انتصار لإسرائيل وشعبها بإعلان الرئيس ترامب سيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورى المحتل، وقبلها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، وحتى لو كان القراران يمثلان انتهاكا صارخا للقانون الدولى وقرارات الشرعية الدولية، وتحديا لإرادة المجتمع الدولى والرأى العام العالمى.
والحقيقة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية قد حقق بالفعل إنجازا لشخصه ولكن ليس لشعب إسرائيل الذى عانى وسيعانى من العزلة والخوف وعدم الأمن والأمان مهما وصلت إسرائيل من قوة، ومهما أثرت على قرارات الإدارة الأمريكية اليمينية القريبة منها والمبنية على منطق ضيق وقصير المدى مرتبط بانتخابات ودعم مرشح دون التفكير فى تداعياته وقيمه الأخلاقية وتجاهله للمجتمع الدولى والرأى العام العالمى الذى يرفض الظلم، ويتطلع إلى العيش، ونحن فى القرن الواحد والعشرين، فى مناخ تسوده العدالة وحقوق الشعوب وكرامة الإنسان وطى صفحة عهود الظلام وقانون الغاب والاستبداد والغزو والاحتلال وحصار وطرد وتهجير الشعوب من ديارها.
***
تحتاج الحكومة الإسرائيلية ورئيسها إلى أن يعيدا قراءة خطاب الرئيس السادات منذ 42 عاما فى عقر دارهما.. هذا الرجل الشجاع الذى ضحى بحياته فى سبيل السلام العادل والشامل، والذى تقر وتعترف إسرائيل أنه رجل السلام الذى سبق عصره، وتمتدحه بالأقوال فقط دون أن تستوعب رسالته السامية والإنسانية التى تضمنها خطابه التاريخي!.
فلقد قال لهم السادات إنه لا معنى لأى حديث عن السلام الدائم والعادل، ولا معنى لأى خطوة لضمان حياتنا معا فى هذه المنطقة من العالم فى أمن وأمان، وأنتم تحتلون أرضًا عربية بالقوة المسلحة. فليس هناك سلام يستقيم أو يُبنى مع احتلال أرض الغير.
لقد دعاهم السادات إلى أن نعمل معا من أجل تحقيق السلام الدائم والعادل القائم على احترام قرارات الأمم المتحدة وإرادة المجتمع الدولى والرأى العام العالمى الشعبى، وحتى لا تُراق نقطة دم واحدة من جسد عربى أو إسرائيلى، فالسلام لن يكون اسما على مسمّى ما لم يكن قائما على العدالة وليس على احتلال أرض الغير. وقال لهم «لا يَسُوغ أن تطلبوا لأنفسكم ما تنكرونه على غيركم. وأن أرضنا لا تقبل المساومة وليست عُرضة للجدل، وأن عليكم أن تتخلّوا نهائيًا عن أحلام الغزو، وأن تتخلّوا أيضًا عن الاعتقاد بأن القوة هى خير وسيلة للتعامل مع العرب».
السادات، وهو كان زعيم أكبر دولة عربية وأقواها، أكد للإسرائيليين على أن السلام بالنسبة لهم هو أن يتعايشوا فى المنطقة مع جيرانهم العرب فى سلام وأمن واطمئنان، وفى حدود آمنة من أى عدوان، وأن يحصلوا على كل أنواع الضمانات التى تؤمِّن لهم ذلك، ولكنهم فى نفس الوقت يجب أن يدركوا أن هناك أرضا عربية احتلتها إسرائيل ولا تزال تحتلها بالقوة المسلحة، ونحن نصرّ على تحقيق الانسحاب الكامل منها، بما فيها القدس العربى (الشرقية)، وأن الانسحاب الكامل من الأرض المحتلة فى ‎1967 أمر بديهى لا يُقبل فيه الجدل ولا رجاء فيه لأحد أو من أحد.
رفضت إسرائيل دعوات السادات، ورفضت بعدها مبادرة السلام العربية بحجج وذرائع مختلفة، لا لشيء إلا لمجرد أنها تشعر أنها الأقوى ــ وتحظى برعاية القطب الأعظم وضمانه لأمنها، وتحاول تبرير احتلالها لأرض الغير بأنه للحفاظ على أمن إسرائيل وهو مبرر ربما كانت تنجح فى ترويجه وإقناع نسبة كبيرة من المجتمع الغربى به إلى أن تغير الوضع وبات المجتمع الغربى يعى تماما أنها غايات تبرر بها إسرائيل الوسيلة القائمة على العقلية التوسعية واحتلال أراضى الغير.

هضبة الجولان تحت السيطرة الإسرائيلية
الوثيقة الرسمية الأمريكية التى وقعها ترامب أثناء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو للبيت الأبيض مؤخرا، والتى رفضها المجتمع الدولى، تتجاوز حتى الأهداف الصهيونية، فتعريف الصهيونية أنها «حركة سياسية أو أيديولوجية يهودية تدعو اليهود للهجرة إلى أرض فلسطين التاريخية بدعوى أنها أرض الآباء والأجداد». ورغم أن هناك بعض الاجتهادات من قبل البعض بأن الصهيونية تسعى إلى سيطرة اليهود على أكبر مساحة من الأرض وأن شعارها هو من النيل إلى الفرات، إلا أن الإسرائيليين والصهاينة ذاتهم ينفون ذلك ويتحدون إذا كان قد ورد فى أى من الوثائق الخاصة بهم أطماع إسرائيل للسيطرة على الأرض من النيل إلى الفرات، وتدلل على ذلك بأنها انسحبت من سيناء لأنها ليست لها أطماع فيها باعتبارها أرضا ليست لليهود، ومن ثم فإن الأمر ليس استيلاء الإسرائيليين على أرض فلسطين فقط، لأن الجولان سورية بامتياز وباعتراف الإسرائيليين ذاتهم، بل أن الاسم العبرى للجولان قبل 1967 كان «الهضية السورية»، وفى أول بيان صادر من وزارة الدفاع الإسرائيلية بعد احتلال الجولان عام 1967 ذكر «أن الهضبة السورية فى أيدينا»!.
والسؤال هنا، هل ترامب وفريقه تجاوزوا حتى المبادئ الصهيونية، وهل المبررات التى يروجها نتنياهو أنه لولا الوجود الإسرائيلى فى الجولان لكانت إيران اليوم فى طبرية وحزب الله فى الجولان؟ وحتى مع التسليم بالوجود الإسرائيلى فى الجولان المحتل سواء للمبررات التى يروجها نتنياهو، أو حتى إذا تم التسليم بما يسوقه الإسرائيليون لتبرير احتلالهم بالحجج الأمنية باعتبار أن هضبة الجولان توفر عازلا ومانعا طبيعيا ضد أى هجوم سورى، بل وتتيح مراقبة التحركات السورية والتى يمكن رصدها حتى العاصمة دمشق، فلماذا اتخذ ترامب هذا القرار الاستفزازى متحديا الشرعية الدولية وإرادة المجتمع الدولي؟ وماذا قد يترتب عليه من تداعيات على المنطقة وغليان الرأى العام العربى ومزيد من الإحباط واليأس قد يولد مزيدا من العنف؟ أم أن ترامب يدرك أن القرار سيكون له رد فعل لحظى وسيمر مرور الكرام، والمهم هو إرضاء إسرائيل ودعم نتنياهو فى معركته الانتخابية، ودعمه هو شخصيا ــ أى ترامب ــ من قبل ناخبيه؟!.
ويمكن القول إن إسرائيل عازمة على ألا تتخلى عن الجولان، فالغريزة التوسعية راسخة فى عقليتها، وأطماعها فى الجولان ليست أمنية فحسب، فإسرائيل ترى فى الجولان كنزا من الموارد الطبيعية وأبرزها المياه والأراضى للزراعة والثروة الحيوانية، والتنقيب عن الغاز والنفط.
ومما لا شك فيه أن إدارة ترامب عازمة على اتخاذ مزيد من القرارات على أمل أن تنقذ نتنياهو من القضايا المتورط فيها والتى قد تدفعه إلى الاستقالة حتى إذا فاز فى الانتخابات القادمة إذ لم ينجح فى إثبات براءته، ولا سيما أن عضو فريق ترامب ومهندس العلاقات بين البلدين «ديفيد فريدمان» السفير الأمريكى اليمينى لدى إسرائيل والذى يصفه الإسرائيليون ذاتهم بأنه «إسرائيلى أكثر من الإسرائيليين» لن يدخر وسعا فى هذا الاتجاه، لاسيما بعد أن طالب الإدارة الأمريكية بالكف عن وصف الضفة الغربية وقطاع غزة بالأراضى العربية المحتلة واستبدالها بالأراضى التى تسيطر عليها إسرائيل. فهل هذا سيكون تمهيدا لوثيقة جديدة يوقعها ترامب؟
***
خلاصة القول، إن إسرائيل تسلك طريقا يزيد من عزلتها دوليا وتخلق حالة من الكراهية المبررة من شعوب ودول العالم، وأن استمرارها على هذا النهج مهما كانت قوتها سيؤدى إلى مزيد من العنف ولن تنعم أبدا بالأمن والأمان أو قبول شعوب المنطقة بها. وهنا نقول إن قانون «الفعل ورد الفعل»، هو صالح فى السياسة بقدر صلاحيته فى العلوم الطبيعية، وهذا ما سوف يحدث طالما أن إسرائيل لم تستوعب جيدا خطاب السادات.

مساعد وزير خارجية سابق

حازم خيرت مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات