مستقبل تونس فى المشاريع لا فى الأشخاص - صحافة عربية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مستقبل تونس فى المشاريع لا فى الأشخاص

نشر فى : الثلاثاء 30 أبريل 2019 - 9:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 30 أبريل 2019 - 9:55 م

نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة «آمال قرامى» وجاء فيه؛

إنّ ما يسترعى الانتباه فى الحملات الانتخابيّة التونسيّة تمحورها حول الأشخاص وكأنّ ذاكرة أصحابها تعجّ بصور السياسى الذى «لا شريك له»... وكأنّ هؤلاء ما استطاعوا القطع مع تاريخ من التمركز على الذات... تاريخ أدّى إلى «تأليه الزعيم»... وكأنّهم لم يتعلّموا من الدروس المستخلصة من مسار تعاقبت عليه حكومات مختلفة سمتها التعثّر. وسيّان من طلع علينا كالبدر المنير أو من دخل مستأسدا فى عرض فرجوى أريد له أن يكون مُبهرا أو من ركبت الفرس تشبّها بالرجال مكرّسة قاعدة التماهى مع السلطة الذكوريّة.

ومن الثابت أنّ من يتمركز على ذاته/ها لا يجد غضاضة فى توظيف الآخرين إذ إنّه يَتمثّل نفسه على أساس أنّه المفكّر العبقرى والسياسى «الداهية» والوطنى والحكيم... وليس الآخر، فى مثل هذه الحالة، سوى أداة فى خدمة مشروعه السلطوى. وبعد الاستثمار فى النساء، وخاصّة المنتميات إلى الطبقة المعوزة، ودغدغة مشاعرهنّ بقطع الوعود بتحسين المقدرة الشرائية والتوجّه إلى الأخريات بخطاب فيه تأكيد على تأمين الحريات الفرديّة وضمان مزيد من الحقوق للنساء... جاءت فرصة الاستثمار فى الشباب، فصاروا علامة دالة على «تشبيب» الحزب، وبثّ رسائل الأمل فكانوا «يؤثثون» الاجتماعات: يصفّقون ويعزفون الموسيقى، ويضفون شيئا من «الإبهار» على المشهد.. وفى السياق نفسه مثّل «الدساترة ــ التجمّعيون» رصيدا آخر تُوجّه إليه رسائل تلتزم بإحياء الماضى التليد واسترجاع السلطة التى تشظّت وصارت فى أيدى «الخوانجية» ومن والاهم.

وبما أنّ كلّ خطاب يتأسّس على السلطة فإنّ لغة السياسى صارت وسيلة لرصد أشكال تضخّم الأنوات التى تتناسى فى لحظة شعارات الديمقراطية التشاركية لتعود إلى «أصلها» فتصوغ خطابا معبّرا عن الفرد / السياسى: «أنا نقوللكم»، «عهد على نرجع أولادنا يبنيو البلاد»... وأحيانا يُستعاض عن الأنا بالنحن فيصبح الحديث عن «إحنا المسئولين»، «إحنا نحبو نفرهدو التوانسه»، «إحنا باش نخلصوكم من الأعداء»... وبما أنّ الأنا لا تجد وسيلة لفرض ذاتها إلاّ من خلال هدم الآخر فإنّها تؤسّس خطابها على صناعة الأعداء وبثّ رسائل الترهيب والوعد والوعيد أو رسائل التشكيك والفضح و«التقزيم». وهكذا يصبح السياسى متورّطا فى إنتاج خطاب الكراهيّة متناسيا قواعد العمل السياسى الذى يفرض التنافس النزيه بين الخصوم متجاهلا ما ورد فى الاتفاقيات والمعاهدات من تحذير من مخاطر الانحراف بالفعل السياسى نحو فضاء إنتاج العنف.

ولسائل أن يسأل لِمَ لَمْ يتخلّص أهل السياسة وأتباعهم من شخصنة العمل السياسى؟ لم عجزوا عن تركيز الحملات الانتخابية على قاعدة البرامج التى تعرض الحلول والبدائل وتقطع مع نشر الوعود الزائفة؟

لا يبنى «الزعيم الأكبر» تاريخ التعدّد الحزبى، ولا يستطيع «الجنرال بن على» أن يؤسس لتجارب العمل السياسى التشاركى ومن ثمّة فعل هذا الموروث فعله فإذا بأحزاب المعارضة تعيد إنتاج نفس الأنموذج حتى وإن حاولت فى بعض الحالات، الخروج عن القاعدة. ثمّ جاءت «الثورة» ووجد الأفراد أنفسهم أمام فضاء يسمح للجميع بأن يعبّروا عن طموحاتهم فلا غرابة أن يبلغ عدد الأحزاب الحدّ غير المتوقّع ولا عجب أن يعكس الخطاب السياسى رؤية الذات لمشروعها القائم على الاستحواذ على السلطة. وحاول «قائد السبسى» أن يكون الأب المجمّع الذى يضمّ إلى حضنه من هم فى الشتات ولكنّه فشل فى لجم الطموحات وفى توحيد الأصوات وفى صهر الأنوات فى مشروع يؤسس للعمل الجماعى. وشذّت النهضة عن القاعدة لأنّ بنيتها ترتكز على ضوابط حكمت «التنظيم» وجعلته قادرا على تحقيق الاستمرارية وليس الغنوشى إلاّ المسئول عن تحويل السلطة إلى مشروع شمولى.

ولم يستوعب أهل السياسة الدرس بعد تشظّى النداء بل وجدنا «العائدين» و«الجدد» يتموقعون بنفس الطريقة، أى باعتبارهم زعماء المرحلة. وهكذا ظلّ المشروع الوحيد المعروض على الناخبين: التعويل على وعود الشخص ــ الفرد ــ المخلّص ــ المنقذ.

فأنّى السبيل إلى الخروج من مرحلة «تمركز الأحزاب على الأشخاص» إلى مرحلة «تمركز الأحزاب على المشاريع»؟ ومتى يصبح بإمكاننا أن ننتقل من مرحلة «الخطابة» إلى مرحلة الفعل فى الواقع؟

التعليقات