الخليج ــ الإمارات: طبول الحرب وصندوق باندورا - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 3:22 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخليج ــ الإمارات: طبول الحرب وصندوق باندورا

نشر فى : الجمعة 30 أبريل 2021 - 8:45 م | آخر تحديث : الجمعة 30 أبريل 2021 - 8:45 م

نشرت جريدة الخليج الإماراتية مقالا للكاتب يوسف الحسن، يدعو فيه إلى ترجيح سياسة العقلانية لا قرع طبول الحرب قائلا: إن الكل ينظر إلى وقت وقوع الحرب لا تداعياتها وويلاتها، مستشهدا بالغزو الأمريكى للعراق.. جاء فيه ما يلى.

حينما تسكت الدبلوماسية فى اللحظات الحرجة والحاسمة، ويصير الحديث عن الحرب فى حوض الخليج منصبا على مواعيد اندلاعها، لا عن دوافعها وويلاتها، وكيفية درئها، يتذكر المرء فورا المشهد العراقى فى مثل هذه الأيام قبل 18 عاما، وما تلاه من احتلال وتدمير وتفتيت وفوضى عارمة، وتناحر فئات المجتمع وهدر الثروات.

وما زالت، حتى اليوم، ألسنة الحرائق مشتعلة، فى داخله وحوله، وما كانت مسوغات تلك الحرب، إلا محشوة بالتلفيق ومغشوشة بشكل ساطع، وتمت بمعزل عن الشرعية والقانون الدوليين.

ثلاث حروب عبثية سحقت سياطها الإنسان فى حوض الخليج العربى، وخلخلت أمنه الإقليمى والوطنى، وفتحت الأبواب أمام سلالات جديدة من النزاعات الطويلة والممتدة، وعبث فى الخرائط والأقوام، وإرضاع وتغذية لمشاريع طائفية وعرقية لم يسلم منها حتى من يتصور نفسه أنه خارجها.

فى الشهور الماضية، علت أصوات طبول الحرب، ومازالت عالية، وكثرت شياطينها وغربانها وتجارها فى الإعلام التقليدى والجديد، وبدت معالجات عالم اليوم مقلوبة على رأسها، حيث يتم تغليف الحروب بورق أخضر.

إن الحروب، وكلها مجنونة، تعزز الكراهية، وتولّد العنف المضاد، ولا تحل أية قضية، وإنما تحلها الحكمة والحوار والعقل والدبلوماسية والعدالة، وتحضرنى فى مثل هذا الحديث عن الحرب محاضرة ألقاها فى الدوحة المرحوم أحمد زكى اليمانى، الذى رحل إلى دار البقاء قبل شهرين، وكان وقتها وزيرا سابقا للنفط السعودى، قال فيها: «إن كارثة عالمية إنسانية ستقع لو تم احتلال العراق». وكان يتحدث قبل قيام الحرب بثلاثة أشهر، وتكهَّن بوقوع اضطراب كبير يدوم سنوات وسنوات، وتدفع منطقة الخليج، وبخاصة مجلس التعاون، «القطفة» الأولى والرئيسية من أثمانه وشظاياه وتداعياته.

وأذكر أن السيناريو «اليمانى» توقع أيضا أن يرتفع سعر برميل النفط إلى حدود المائة دولار، وقال فى محاضرته: «إن هذا السعر لا يسعد أحدا، وإنما سيفتح «صندوق الدبابير»، ويفرض زيادة الإنتاج فى أوقات عصيبة على دول المنطقة وعلى غيرها، مما يفتح للفوضى فى سوق النفط أبوابا غير محسوبة ولا مقدرة، ويربك الاقتصاد العالمى، وحياة مئات الملايين من البشر».

ضاربو طبول الحرب العبثية وقتها، لم يعجبهم سيناريو «اليمانى»، رحمه الله، ونام الجميع وقتها على موعد مع كابوس الحرب والاحتلال.

كما أذكر وقتها أن صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبى، التقى بزائر أمريكى كبير فى دبى، وهو السياسى الاستراتيجى صاحب الفكر اليمينى المتطرف ريتشارد هيس، مدير التخطيط فى وزارة الخارجية الأمريكية، وأحد أبرز المنظرين لفكرة «إعادة تركيب الشرق الأوسط بالقوة» انطلاقا من البوابة العراقية، وأدلى سموّه بحديث أمام الضيف، عصارته تقول: «تحكيم قوة العقل لا قوة السلاح».

لكن العالم، حينذاك كان على وشك أن يتجرد من كل «رسولية» حضارية، ويفترق عن تراث وخبرات منظومة قيمية وأخلاقية، عانت من ويلات الحروب، لكنه، أى العالم، جثا على ركبتيه أمام غرور القوة وصعود اليمين المتطرف والرءوس «الحربجية» الساخنة (فى أمريكا وبريطانيا) والعرقُ يرشح من جبينه خجلا، وانتصرت وقتها «صناعة الموت» على «صناعة الحياة».

قارعو طبول الحروب، والمتحمسون لسياسات حافة الهاوية، يعمقون «المتاهة» العربية، ويغامرون بفتح صندوق (باندورا ــ الدبابير) على مصراعيه، وفى ملاعبنا، التى تعانى فائض الصراعات والإنهاك، واختلط فيها حابل التمنى بنابل الثرثرة والتيه.

المنطقة العربية، ومستقبل الأجيال فى الإقليم، بحاجة ماسة إلى سياسات عقلانية، لا «أحصنة» جامحة، أو عقول قابلة للاستفزاز السريع.

هل هناك أمل فى اختراع لقاح يعالج «فيروس الحرب» فى عقول ساسة وإعلاميين وكتّاب ورعاع وتجَّار حرب وعسكريين؟ لقد نجحت البشرية، فى مكافحة أمراض وفيروسات فتكت بحياة الملايين من البشر كالطاعون والكوليرا والملاريا والسل وشلل الأطفال وغيرها، فلماذا لا يفكر العلماء فى شتى علوم السياسة والاجتماع والأنثروبولوجى والفلسفة والبيئة والنفسية والطب والصيدلة... إلخ، بدراسة «فيروس الحرب»، والتوصل إلى فك طلاسمه، وإحداث خلل فى الإشارات الوراثية والدماغية المتصلة بهذا «الفيروس» المسبب لـ «نزلات الحرب» والعنف المسلح؟ إن مثل هذه الفيروسات لا تنمو إلا فى مناخات غرور القوة ونزعات الهيمنة والكراهية وحب الغلبة، وفى غياب الشغف بصناعة الحياة.

إن الإنسانية بحاجة إلى بلسم الأمل ليفك شيفرة «نزلات الحرب».

التعليقات