بعد 100 يوم من تنصيب بايدن.. الرياض وواشنطن ليستا جاهزتين للانفصال - من الفضاء الإلكتروني «مدونات» - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 9:24 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بعد 100 يوم من تنصيب بايدن.. الرياض وواشنطن ليستا جاهزتين للانفصال

نشر فى : الجمعة 30 أبريل 2021 - 8:25 م | آخر تحديث : الجمعة 30 أبريل 2021 - 8:25 م

نشرت مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى فى واشنطن مقالا للباحثة ياسمين فاروق تناولت فيه الصعوبات التى واجهتها إدارة بايدن بعد مائة يوم من عملها فى تحقيق ما أسمته إعادة ضبط علاقاتها مع السعودية، نظرا لما تمتلكه الأخيرة من مقومات ونفوذ تستفيد منها واشنطن... نعرض منه ما يلى:

خلال المائة يوم الأولى من رئاسة جو بايدن للولايات المتحدة، كانت العلاقات الأمريكية السعودية واحدة من قضايا الشرق الأوسط القليلة التى احتلت مكانا على قائمة أولويات الإدارة الجديدة. بعد القليل من الإثارة والتشويق، اتصل جو بايدن بالملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود فى 25 فبراير، وهو ما جعله الرئيس الرابع عشر، والثالث فى الشرق الأوسط، الذى يتواصل معه بايدن بعد تنصيبه رئيسا على الولايات المتحدة يوم 20 يناير.

جاءت المكالمة بعد إعلان الولايات المتحدة وقف دعمها للعمليات الهجومية التى تشنها السعودية على اليمن، والتجميد المؤقت لمبيعات الأسلحة الهجومية للسعودية، وتعيين مبعوث خاص لليمن بمهمة محددة وهى إنهاء الحرب. المكالمة الهاتفية جاءت أيضا عشية البيان الصحفى لوزارة الخارجية الأمريكية الذى أعلنت فيه تبنيها لسياسة «حظر خاشقجى»؛ وهو ما سيسمح للوزارة بحظر تأشيرات الأشخاص الذين يعملون بالنيابة عن حكوماتهم فى اضطهاد الصحافيين والمعارضين، إلى جانب فرض عقوبات على السعوديين المتورطين فى قتل خاشقجى.

ولكن، وبالرغم من كل هذا، لا تزال السعودية مهمة للولايات المتحدة، وهو ما يظهره التركيز الذى تحظى به الرياض من جانب إدارة بايدن. بايدن ذكر السعودية فى أول خطاب رئيسى له عن السياسية الخارجية، على الرغم من التقليل المقصود للأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط. القادة المعينون من قبل بايدن فى مجلس الأمن القومى، وكذلك فى وزارة الخارجية ووكالة المخابرات الأمريكية كانوا قد أشاروا فى الماضى إلى أن السعودية ستستمر كشريك، وحتى كصديق، بغض النظر عمن يحكمها... أو على الأقل هذا ما قيل حتى الآن.

***

فهمت السعودية الرسالة. وصرح وزير الخارجية السعودى فيصل بن فرحان آل سعود أن «العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية قوية، وأن إدارة بايدن تدرك أن العمل مع المملكة يعنى العمل مع القيادة السعودية»، بالإشارة إلى عدم فرض عقوبات على ولى العهد السعودى محمد بن سلمان فى قضية مقتل خاشقجى.

ومع ذلك، اتخذت الرياض خطوات لتتكيف مع سياسات إدارة بايدن فى «إعادة الضبط». بدأت الرياض، حتى قبل تنصيب بايدن، فى الاستجابة لعدد من مطالب الحزبين الأمريكيين تتعلق بحقوق الإنسان، وأطلقت سراح العديد من السجناء السياسيين البارزين، تصالحت مع قطر، ونسقت مع الولايات المتحدة والأمم المتحدة مبادرة وقف إطلاق النار فى اليمن، وسمحت بإرساء أربع سفن وقود بميناء الحديدة باليمن. وبالإضافة إلى ذلك، أظهرت السعودية أنها قد تتبنى نهجا أكثر واقعية تجاه المفاوضات النووية مع إيران، من خلال إعلانها المفاجئ قبول مفاوضات فيينا وإجراء جولتها الخاصة من المحادثات مع إيران. 

ولكن الإدارة الأمريكية تواجه ضغوطات من الكونجرس والإعلام والمجتمع المدنى بعد ما وعد به بايدن من التصدى للمملكة. بدأ الكونجرس بالفعل فى الموافقة على تشريعات لفرض عقوبات تخص انتهاكات حقوق الإنسان على القيادات العليا فى السعودية فى ظل ما يراه النواب تقاعسا من الإدارة الأمريكية فى اتخاذ إجراءات كافية، وبدأ أيضا فى مراجعة مشروع قانون يسعى لمنع السعودية من امتلاك أسلحة دمار شامل. إلى جانب وجود رسائل من المشرعين إلى الإدارة الأمريكية تطالبهم بتوضيح موقف الولايات المتحدة من الدفاع عن المملكة واتخاذ مزيد من الإجراءات لإحداث تعديلات جوهرية فى العلاقات الأمريكية السعودية.

الكونجرس محق فى مواصلة الضغط، وإدارة بايدن محقة أيضا، فهى تدرك حدود سلطتها على السعودية. عدم ثقة القيادة السعودية فى الولايات المتحدة زاد منذ انتخاب بايدن. هذا المناخ من عدم الثقة، عندما كان يحدث فى الماضى، كان يدفع السعودية لزيادة تسلحها وزيادة تدخلاتها الإقليمية وتحسين علاقاتها مع الصين وروسيا. يتودد بالفعل حلفاء وأعداء الولايات المتحدة للسعودية بهدف توسيع علاقاتهم الاقتصادية والاستراتيجية مع المملكة... على الولايات المتحدة أن تتخوف من الصين التى لا تكترث سواء لحقوق الإنسان أو الديمقراطية فى السعودية. وعلى الرغم من دعم الرئيس الأمريكى للقيم الأمريكية، إلا أن مصداقية أمريكا ما زالت تعانى من شرخ بسبب انتهاكات أمريكا فى حرب العراق، وهى حرب دعمها بايدن عندما كان عضوا بمجلس الشيوخ. قوة الولايات المتحدة مقيدة أيضا بحقيقة أن السعودية تتمتع بنفوذ ضخم فى المنطقة، وهو نفوذ هام فى تحقيق الأمن العالمى والاستقرار الاقتصادى العالمى، كما تمتلك الرياض أيضا نفوذا ماليا وسياسيا ودينيا على المستوى العالمى تستفيد منه أمريكا، ولا يمكن إغفال أهمية حقوق الوصول والتحليق فى أجواء المملكة الذى يعتبر هاما للجيش الأمريكى فى تحقيق الأهداف الاستراتيجية ومواجهة التحديات العالمية.

***

تواجه محاولات الإدارة الأمريكية فى إعادة ضبط العلاقات مع السعودية معضلة عسكرية ــ دبلوماسية. تريد الولايات المتحدة أن تقود بالدبلوماسية المدعومة من قبل التواجد العسكرى، وليس العكس وخاصة فى منطقة الشرق الأوسط. ولكن ما تراه الرياض أن الولايات المتحدة حامى يمتلك القوة الصلبة فى المقام الأول، وتأتى القوة الناعمة والدبلوماسية بعد ذلك. فى الواقع، يميل النظام السعودى إلى القوة الناعمة الصينية بدلا من القوة الناعمة الأمريكية؛ سواء فيما يخص التكنولوجيا، أو التنمية الاقتصادية التى تتحكم فيها الدولة، أو الدبلوماسية العالمية. فى وقت تواجه فيه الرياض هجمات متزايدة من قبل الحوثيين، وعودة الولايات المتحدة للانخراط مع إيران، العدو اللدود للسعودية، من شأن حملة الضغط على السعودية أن تؤتى ثمارها فقط إذا مُنحت الرياض جزءا من الحماية العسكرية التى تحتاجها. 

لا يجب على بايدن أن يقلل من واقع أن الولايات المتحدة هى الشريك السياسى والاستراتيجى الأكثر نفوذا وخيار السعودية المفضل... دفاعات السعودية البرية والإلكترونية والجوية والبحرية، إلى جانب تطورات البنية التحتية، والولوج إلى الأسواق المالية العالمية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقدراتها على تنويع علاقاتها الخارجية، كل هذا يعتمد على التعاون، أو على الأقل تجنب الاصطدام، مع الولايات المتحدة. وكل هذه المجالات جوهرية فى تحقيق رؤية المملكة لعام 2030، ودعم شرعية ولى العهد السعودى، وتحقيق التحول الاقتصادى المستدام. وسواء كان هذا صحيحا أم لا، هناك اقتناع فى الرياض أن الولايات المتحدة تمتلك القدرة على التدخل فى سياسات القصر وزعزعة استقرار النظام باستخدام أدوات حكومية وغير حكومية. هذا يجعل الرياض تأخذ تصريحات وأفعال واشنطن على محمل الجد.

بعد مرور مائة يوم على إدارة بايدن، أثبتت الحكومتان السعودية والأمريكية حتى الآن رغبتهما فى مواصلة شراكتهما الاستراتيجية. كلتاهما تستخدمان نفوذهما لتحديد ملامح ما تطلق عليه إدارة بايدن «إعادة ضبط» للعلاقة السعودية الأمريكية، وسط أولويات جديدة داخلية وخارجية للحكومتين. فى هذه الحال، مقولة «أمريكا قد عادت» قد تعنى ببساطة عودة إلى المعايير التقليدية التى حكمت الشراكة الأمريكية السعودية والتى استمرت لقرابة ثمانين عاما. يبقى أن نرى ما إذا كان ذلك سيحدث.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى

النص الأصلي

التعليقات