رئيس الأقلية فى مصر لا يمكن أن يكون «رئيس العرب» - طلال سلمان - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 3:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رئيس الأقلية فى مصر لا يمكن أن يكون «رئيس العرب»

نشر فى : الأربعاء 30 مايو 2012 - 8:25 ص | آخر تحديث : الأربعاء 30 مايو 2012 - 8:25 ص

لم ينجح الإخوة المصريون فى انتخاب «رئيس لكل العرب»، كما كان يتمنى إخوانهم فى مختلف الديار العربية، مشرقا ومغربا.

 

بل إنهم، فيما أعلن من نتائج الاقتراع، لم ينجحوا فى انتخاب رئيس لكل المصريين ولا حتى لأكثريتهم الساحقة... بل إنهم قد انقسموا فتوزعت أصواتهم على عدد من المرشحين مما يدلل على حالة انقسام جدية، وقد تكون خطيرة داخل مصر، فكيف سيكون الحال، إذن، من حولها؟.

 

ومع أنه ليس لعربى من خارج مصر، ابتدع النظام الطوائفى فى بلده الصغير والجميل لبنان أسطورة «الديمقراطية التوافقية»، بذريعة أنها تحمى «الوحدة الوطنية» ومن ثم «الكيان السياسى»، أن يعترض على إرادة الناخبين المصريين الذين مارسوا حقهم فى الاختيار، وللمرة الأولى، وأن يسائلهم لمن ولماذا أعطوا أصواتهم ليكون رئيسا للعهد الجديد.

 

لكن قد يكون من حق هذا العربى من خارج مصر أن يعبر عن قلقه من أن يتسلم أى من المرشحين اللذين حصلا على أعلى الأرقام وليس على الأكثرية المطلقة من أصوات الناخبين سدة الرئاسة فى هذه اللحظة السياسية الحرجة، وهى انتقالية بطبيعتها، ودقيقة فى دلالاتها، إذ هى تستبطن مخاطر مصيرية على الوطن العربى الكبير جميعا، من أدناه اليمنى إلى أقصاه المغربى.

 

فى واقع الأمر فان رئيس مصر الجديد سيكون، من حيث المبدأ، «رئيس العرب جميعا» ليس فقط لأن مصر هى أكبر دولة عربية، وليس لأنها الأسبق إلى الدستور فحسب، بل لأن «ميدانها» قد استولد قبل عام ونصف العام ثورة شعبية غير مسبوقة ضد طغيان الحاكم وتغييب الشعب، فبشرت بمستقبل زاهر يعوض ماضى العسف والقمع والفساد مدمر الدولة، وكل ذلك تسبب فى أن يلحق بها الهوان فى مواجهة عدوها الإسرائيلى، كما أدى إلى النهب المنظم لخيراتها بما أفقرها وأضعف مكانتها، وبالتالى أضاعها عن دورها وهويتها الأصلية فضاع معها المستقبل العربى جميعا.

 

إذن فقد انتخبت مصر ما بعد الميدان، وحيث تعتمد الديمقراطية أساسا للحياة السياسية، لأول مرة فى تاريخها، الرئيس الجديد للجمهورية الثانية، بل الرابعة إذا ما توخينا الدقة.. فليست جمهورية السادات هى جمهورية عبدالناصر، أما جمهورية مبارك فخارج أى تصنيف!

 

وبرغم أن نتائج هذه الانتخابات لم تعكس إرادة الغالبية الساحقة من المصريين، إذ إن المرشحين الفائزين حصلا معا وبالكاد على ربع أصوات الناخبين، إلا أن على الجميع أن يسلم بهذا الأمر.. ديمقراطيا!

 

وقد يتساءل بعض «الفضوليين» عن مصير أصوات «الأكثرية» التى ذهبت إلى المرشحين الآخرين، وبالدرجة الأولى إلى حمدين صباحى الذى حل ثالثا، برغم ضعف إمكاناته المادية وتلاقى سيوف النظام القديم والإسلاميين بمختلف فصائلهم عليه، لكن اللعبة الديمقراطية قد حسمت الأمر، فخرج من السباق، وان ظل يمثل قوة مؤثرة سيكون لها دورها فى المستقبل.

 

●●●

 

على أن الأسئلة الأخطر تتركز حول طبيعة الحكم الذى سيقوم فى مصر، سواء انتهت الدورة الثانية بفوز الإخوانى الدكتور محمد مرسى أو أمين سر النظام السابق الفريق أحمد شفيق، مع احتمال أن يعقد الرجلان صفقة التقاسم بين ما يمثله كل منهما، فيتجدد «التواطؤ» الذى اشتبه المصريون بقيامه بين الرجلين وما يمثلانه: أى الإسلام السياسى ونظام مبارك، الذى أسقطه الميدان ثم تعثر شبابه عند عتبة استكمال التغيير الذى كانوا ينشدونه.

 

أبسط هذه الأسئلة هى: لمن سوف يعطى المصريون غدا أصواتهم، لممثل الإسلام السياسى أم لممثل النظام الذى خلعته الثورة؟

 

إذا كان التصويت فى الدورة الأولى هو المعيار فإن الخيار المطروح أمام الناخب المصرى غدا محدد تماما: هل ستعطى صوتك لمن تراه الأقل سوءا، والذى قد ترى انك لم تجربه حاكما من قبل ولم يحظ بالفرصة التى تساعدك على الحكم عليه، أم ستنتخب رجل النظام القديم، والذى أسقطه الميدان بتهم عديدة هى هى الموجهة إلى حسنى مبارك وبطانته، وبينها الفساد والإفساد وإهدار المال العام وإضعاف مكانة الدولة وإفقار الشعب والالتحاق بالمشروع الأمريكى للمنطقة الذى يقضى بتهميش الدور المصرى وإشغال مصر بهمومها الثقيلة وإذلالها بشروط المساعدات، عسكرية واقتصادية؟!

 

وبديهى أن يحترق شباب الميدان بوجع الخيبة، وإحساسهم الثقيل بأن ثورتهم قد سرقت منهم، ولكنهم لا بد أن يقرروا ولو من باب دفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر..

 

لا يريد المصريون، بطبيعة الحال، الرجوع إلى الخلف.. لكن التقدم إلى الأمام مستحيل، بمعايير اللعبة الانتخابية التى حوصرت بالتواطؤ المبكر بين الإسلاميين والمجلس العسكرى، كما أعلنت النخب المصرية.. وهم يعترفون أنهم لم يواجهوا مسئوليتهم بالتوحد خلف برنامج واحد، وهكذا وصلوا إلى صناديق الاقتراع مختلفين، فضاعت «أكثريتهم» عبر تشتتها على بضعة مرشحين، خصوصا أنهم لم ينجحوا فى نسج تحالف أو جبهة مع الأقرب فالأقرب إلى مطالبهم وشعاراتهم وأحلامهم فى الدولة الجديدة.

 

ولأن مرارة الخيبة ثقيلة الوطأة، يرفض أى طرف أن يتحمل مسئوليتها، فالخطر أن يسود الشقاق بين القوى التى جمعها الميدان وأن تعجز عن «عقد صفقة» مع «الأقل خطرا» من المرشحين المتنافسين على الرئاسة، فتضيع أصواتها هباء، إذ ينضم الشباب إلى «حزب الكنبة» موفرين فرصة عريضة للنظام القديم أن ينتصر فيجدد لنفسه، ولو باسم آخر، بينما «مؤسسة» ينتظر الحكم عليه بإفساد الحياة السياسية وتدمير الدولة وتعريض أمن الوطن للخطر.

 

والأمر مربك حتى لعربى من خارج مصر، فالخيار موجع، لان أيا من المرشحين لا يمثل الميدان حقيقة.. وإذا كان «الإخوان» يعتبرون أنهم لم يتأخروا كثيرا فى النزول إلى الميدان، فإن من يرون أنفسهم «الثوار» يتهمون الإخوان بأنهم نزلوا نتيجة صفقة مع المجلس العسكرى بأن لا تمس الثورة امتيازات مؤسسة الجيش، قيادات وضباطا، وأن يبقى له النصيب الوافر من ميزانية الدولة على حساب احتياجات المواطنين.. علما بأنه قد «تقاعد» مبكرا، فلم يعد له أى دور فى مواجهة «العدو» وهو كان وسيبقى دائما إسرائيل، وربطته المعاهدات والاتفاقات مع الحليف الأمريكى فصار أقرب ما يكون إلى قوة إسناد له فى منطقتنا مشرعة الأبواب أمام كل قادر على أخذها.

 

لقد أظهرت الانتخابات الرئاسية ما كان يمكن قراءته قبل إجرائها:

 

الأفضل تنظيما وتماسكا، والأغنى بقدراته المادية، هو من سيربح المعركة. ولم تكن مصادفة أن تنحصر المنافسة بين أهل النظام القديم ورموزه من قوى الماضى، وأبرزهم الإخوان، بقدراتهم المؤثرة، ومن خلفهم التنظيم الهائل عديده والغنى بقدراته وشبكة التواصل مع الناس جميعا فى المدن كما فى الأرياف وفى العاصمة كما فى المغتربات..

 

ولم يكن حمدين صباحى آتيا من المجهول، بل كان صوت وجدان مصر... وربما لهذا اجتمعت عليه السيوف، وكاد المتحدرون من الماضى يأتلفون لمواجهته وإخراجه من دائرة المنافسة. ومع ذلك فهو قد حقق اختراقا فاق جميع التوقعات، مؤكدا أن ثمة قوة شعبية وازنة تملك مشروعا لنهضة مصر لا تعادى الدين ولكنها لا تقبل بالشعار الدينى دليلا إلى المستقبل.

 

من هنا فقد قرر حوالى خمسة ملايين مقترع مصرى أن يعطوا أصواتهم لحامدين، مع تقديرهم بأنه سوف يخسر «فلا يمكننى أن أعطى صوتى لرئيس موقعة الجمل، ولا لخط الإخوان الذى يكفرنى»، كما قال بعض شباب مصر.

 

●●●

 

إن أى عربى من خارج مصر قد أسعده أن تنتج «المحروسة» هذا الإنجاز الديمقراطى الباهر، الذى يؤكد أن «الشعب» ليس بحاجة إلى وصى لكى يقرر ما يرى فيه مستقبله الأفضل.

 

ومع أن الكل يعيش حالة قلق على مستقبل مصر فى ظل حكم أى من المرشحين الباقيين فى الساحة، إلا أنهم يعتبرون أن هذا النجاح الطيب فى ممارسة الديمقراطية، وبهذا الرقى، هو ضمانه للمستقبل، ولا بأس أن يتم امتحان «الإخوان» بالسلطة التى طالما طلبوها ولم يمكنوا منها.

 

إنها المرة الأولى التى يذهب فيها المواطن إلى صندوق الاقتراع فيختار.. وبرغم عمليات الرشوة واستخدام الدين والتخويف من النظام القديم، فإن التجربة قد نجحت فى فصلها الأول.. حتى لو ظل الخوف على اكتمالها قائما بامتداد هذه المرحلة الانتقالية.

 

والصراع مفتوح على المستقبل، وقد باتت له قواه واضحة الهوية. وانتخابات الرئاسة ليست آخر الطريق بل هى أوله، والآتى أعظم.

 

المهم أن يظل الصراع فى إطاره الديمقراطى ولا تسبب قوى الماضى فى إخراجه من هذا الإطار بما يفتح الأبواب أمام مخاطر انقسام المجتمع بما يعرض الدولة للانهيار فى أتون الحرب الأهلية.

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات