ازدياد الحاجة إلى دور الدولة - العالم يفكر - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 6:08 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ازدياد الحاجة إلى دور الدولة

نشر فى : السبت 30 يوليه 2016 - 11:20 ص | آخر تحديث : السبت 30 يوليه 2016 - 11:20 ص
نشر موقع «أفق» مقالا ل «ناصر زيدان» ــ أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية فى الجامعة اللبنانية»، يتحدث فيه عن دور الدولة وكيف يجب أن يتطور وفقا لمقتضيات العصر. فيوضح كيف يفرض نمط الحياة العصرية، الذى انتشر على شاكلة واسعة بين شعوب الأرض، دورا مركزيا متناميا للدولة، ويقول إن الترابط الاجتماعى والاقتصادى مع مستوجبات الأمن والسياسة، لا يمكن ضبطه، أو تحقيق التوازن بين خطوطه إلا من خلال وسيط قادر على أخذ القرار، وتنظيم المندرجات المتعددة لجوانب السيرورة البشرية. والوسيط القادر ــ أو صاحب القرار ــ هو الدولة، لأن الابتكارات السوسيولوجية والتكنولوجية والبيوجينية، لم تقدم حتى الآن بديلا عن دور الدولة كناظم إلزامى لحياة الناس.

أثبتت التجارب المعاصرة للشعوب ــ أى فى حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية ــ أنه حيث يوجد دولة قوية، تسير عجلة الحياة برشاقة وانسياب، وعندما تكون الدولة ضعيفة ــ أو غير موجودة ــ ترتبك العجلات، وتنتشر الإخفاقات لدى الشعوب فى الجوانب المتعددة، بصرف النظر عن نوعية هذه الدولة، أو طبيعة الحكم فيها، بشرط أن تتوافر المقومات الموضوعية فى الدولة والتى تعنى كل الشعب، بمعنى أن لا تكون مطية شكلية يستخدمها شخص أو حزب أو جماعة من أجل تحقيق أهدافهم الخاصة.

ويضيف زيدان أن القوانين الدولية التى أنتجها الانتظام الدولى منذ تأسيس الأمم المتحدة فى العام 1945 تحتاج إلى أدوات تنفيذية لتجسيدها على أرض الواقع، ولتطبيق مضامينها المختلفة. وهذه القوانين عالجت عناوين الحياة العصرية وشروطها من جوانبها المختلفة، ولعل أهم هذه الجوانب، مبدأ المساواة بين البشر، والحقوق البديهية للإنسان فى العيش بكرامة وبسلام، ناهيك بالجوانب الأخرى التى تطال تأطير الحياة الدولية فى تنوعاتها المتعددة، الأمنية والصحية والغذائية والسياحية والقضائية والمدنية والاجتماعية، وفى سياقات الانتقال والتواصل وتبادل السلع والأموال. وكل هذا التنظيم لا يعنى شيئا، ولا يتجسد واقعا ملموسا، إلا من خلال أجهزة حكومية فاعلة، لا تنضوى تحت سلطان التأثيرات الفئوية أو العصبية أو الشخصانية.

أما عن المشكلات العصرية التى تواجه البشرية ــ ولاسيما حالات الفقر والمجاعة والعوز وعدم الاستقرار والشعور بالدونية وقمع الحريات ــ فيؤكد الكاتب أنها تحتاج إلى دور فاعل للدولة. ونكاد نقول إن تفاقم هذه المشكلات ناتج عن غياب دور الدولة، وخصوصا فى مجال الرعاية الشاملة، وإن مصدر بعض هذه الإخفاقات هو خلل فى بنية بعض الدول، أو عجز بعضها الآخر، أو تخلف عدد منها عن القيام بواجباتها، أو عدم قدرة هذه الدول على معالجة تلك المعضلات.

ثم إن ترابط الحياة الدولية العصرية فى مختلف جوانب الأنشطة، وخصوصا فى الاقتصاد والصحة والأمن والأحوال الشخصية، وفى تحديد مندرجات الجودة النوعية المتخصصة فى تقديم الخدمات والسلع، كل ذلك يعزز الحاجة إلى دور الدولة.

***
ويوضح زيدان كيف أن المنظومة المالية الرقمية المتطورة التى يتعامل بموجبها عالم اليومــ عنيت البنوك ــ تفرض أكثر من غيرها الحاجة إلى دور الدولة، وذلك من خلال وجهيْن مختلفيْن:

الوجه الأول هو فى حماية المواطنين من شراهة هذه المنظومة المالية التى لا تتوانى عن السعى لامتلاك كل شىء، وبالتالى سيكون البشر بالنسبة إلى هذه المؤسسات المالية الكبرى نوعا من السلع المقيمة البدل. فى المقابل فإن تحرر هذه البنوك من الضوابط القانونية ــ المؤسساتية، سيترك لها فرصة استباحة كل شىء، وبالتالى الاستحواذ على الثروات الطائلة، والاستخفاف بالحياة البشرية برمتها، على طريقة «معك ليرة بتسوى ليرة».

الوجه الثانى هو فى عجز هذه المنظومة المالية عن حماية نفسها بنفسها، لأنها معرضة على الدوام لخطر إنفلات الجماعة من القيود، عندما يصل الأمر بهذه الجماعة إلى الحاجة الماسة. وبالتالى فإن الاعتراضات الشعبية ضد مؤسسات الاحتكار ــ ومنها البنوك ــ تشكل خطرا محدقا على هذه المنظومة، ولدينا نماذج متعددة عن هذه المقاربة. ناهيك بحاجة المنظومة المالية إلى تشريعات لا يمكن القفز فوقها، ولا يمكن الوصول إلى ثقة المواطنين بهذه المؤسسات المالية إلا من خلال الأرضية التشريعية، والثقة هى المصدر الأساسى الذى ترتكز عليه استمرارية عمل البنوك المالية.

الشخصية المجتمعية ــ أو ما يمكن تسميته الموروثات السوسيولوجية للشعوب ــ لها تأثيرات كبرى على الدولة. ويتراوح مدى الفهم المجتمعى للدولة وفقا للمزاج العام للشخصية المجتمعية، بين شعوب تعتبرها رمزا للكرامة الوطنية أو للشوفينية العرقية أو للاعتداد القومى، وبين شعوب تعتبرها سلطانا جائرا، وسيفا مسلطا على حياة المواطنين، قدم مع الاحتلالات الإمبراطورية ومع الاستعمار، أو أنها أداة للتسلط ولسلب الحرية ولسرقة الثروات.

كيف ينظر المزاج الشعبى العربى لدور الدولة، وما هى أهمية هذا الدور فى الزمن الراهن؟

وهنا ينتقل زيدان للتطبيق على الحالة العربية معتبرا أن المزاج العربى العام لا ينفر من دور الدولة، وفى ذهنية الأغلبية المطلقة من الشعوب العربية صور ناصعة عن تجربة دولة الخلافة الأولى، أو عن التجارب الأموية والعباسية وغيرها. ومع خضوع الواقع العربى للهيمنة العثمانية، ومن ثم للاستعمار الغربى، وفيما بعد للتدخلات الخارجية الإمبريالية، حصل تشويش هائل فى ثقافة المواطن العربى، وصل إلى حد اعتبار الدولة أداة لتغيير واقع الانتماء القومى العربى (تجربة الجزائر وبعض المغرب العربى إبان الاستعمار الفرنسي) ، أو أنها فى أحيان كثيرة وسيلة لفرض الأنماط الخارجية على الحياة العربية، أو الإسلامية. لكن هذه الرؤية وتلك لا تنفى كون الشعور العربى العام يتفهم ضرورة وجود الدولة، بصرف النظر عن الواقع القبلى الذى يتحكم بالسوسيوبوليتيك فى عدد من المناطق العربية.

لا يمكن التماشى مع مندرجات التطور العام للحياة العصرية فى جوانبها المختلفة بمعزل عن السياق العام لتطور مفاهيم الدولة، وتنوع أدوارها وتعدد مهامها. وأنواع الدول لا يخفف من مكانة دورها. فالدولة إذا كانت برلمانية أو رئاسية، ملكية أو جمهورية، ديمقراطية أو ديكتاتورية، يبقى لها دور أساسى فى تنظيم الحياة العامة فى الإقليم المحدد لها، من خلال احتكارها الطبيعى للتشريع والتنظيم وحصرية امتلاك السلاح (أو حصرية بناء القوى العسكرية النظامية) .

تلك المهام التوحيدية الجامعة للدولة، تبقى ضرورة إلزامية للحياة العصرية، لا يمكن القفز فوقها، والانفلاشات الفوضوية المخيفة التى يتطلع إليها البعض ــ من الأفراد أو الجماعات ــ توصل إلى هاوية حتمية لا يمكن أن تنتظم حياة الناس فيها إطلاقا. إن الرغبة بتغيير أنماط أدوات الحكم، أو التطلع إلى تطوير أداء السلطة شىء، وتدمير فكرة الدولة شىء آخر. فالنزعة الإنسانية الفطرية نحو الرؤية الأولى مشروعة، أما التطلع إلى الرؤية الثانية على خلفية الانتقام ــ أو أحيانا على خلفية الهلوسة السياسية والعقائدية ــ فهو تدمير للذات، وتشويه للإسلام الراقى، ودخول فى مجهول معتم، والحياة العصرية تحتاج إلى ضوء منفتح الأفق.

ويختتم الكاتب مقاله قائلا إن تقنيات التواصل الجديدة، وتطور علم الأداء الإدارى، والتغيير الهائل فى نمطية الإنتاج على اختلافه، الصناعى والخدماتى والزراعى والسياحى والمالى، كلها بحاجة إلى ناظم قادر، أى إلى دولة قادرة؛ ومن دونها لا يمكن بلوغ العصرنة، ويغدو العيش خارج العصر موتا محتما.

التعاضد الشعبى العربى من أجل بناء دول وطنية قادرة ــ من دون استعادة تجربة الديكتاتورية المدمرة لبعض القيادات العسكرية ــ واجب قومى، علينا العمل فى سبيله قبل فوات الأوان.
التعليقات