قبل مناقشة مشروع المجلس الصحى المصرى وهل هو مماثل للمجلس الطبى العام فى إنجلترا يجب الإشارة إلى لبس منتشر بين «المجلس الأعلى للصحة» «والمجلس الطبى العام» بسبب تشابه الاسمين. إذ بينما يشرف المجلس الأعلى للصحة على إدارة الخدمات الصحية، يهدف المجلس الطبى العام إلى تنظيم ممارسة مهنة الطب لحماية صحة وسلامة المواطنين والمواطنات، وتحديد معايير جودة الخدمات الطبية، وقيم مهنة الطب، والسلوك المهنى المناسب للأطباء، والإشراف على التعليم الطبى والتدريب التخصصى فى جميع المراحل من دخول كلية الطب حتى التقاعد، ومنح تراخيص مزاولة مهنة الطب، ومحاسبة الأطباء المخطئين.
تم إصدار قانون رقم 12 لسنة 2022 بإنشاء المجلس الصحى المصرى ليتبع رئيس الجمهورية، ويحل محل الهيئة المصرية للتدريب الإلزامى للأطباء المنشأة بقرار من رئيس مجلس الوزراء عام 2016، والتى حلت محل اللجنة العليا للتخصصات الطبية التى تم إنشاؤها بقرار من رئيس مجلس الوزراء عام 1998. صدرت هذه القوانين دون توضيح كاف لأسباب التغيير، ولكن بخصوص إنشاء المجلس الصحى المصرى وحسب تقرير فى صحيفة اليوم السابع فى الثانى مايو 2020، دعا بعض أعضاء لجنة الشئون الصحية بالبرلمان إلى إنشاء مجلس مماثل للمجلس الطبى العام فى إنجلترا، كما أشارت المذكرة التفسيرية لقانون المجلس الصحى المصرى إلى أن المجلس المقترح سيسير على نهج المجلس الطبى العام.
وفى هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن كاتب هذا المقال دعا إلى إنشاء المجلس الطبى العام فى مصر منذ عام 2012، وعرضت التفاصيل على أعضاء لجنة الصحة بالبرلمان، وقيادات نقابة الأطباء، وفى ورشة عمل نظمها حزب المصريين الأحرار فى شهر مارس عام 2016 تحت عنوان «نحو استراتيجية جديدة لمنظومة ﺍلصحة فى مصر» ولاحقا فى ورشة عمل «الاصلاح الشامل لمنظومة الصحة بمصر» تحت رعاية دولة رئيس مجلس الوزراء السابق المهندس/ شريف اسماعيل فى شهر أبريل 2017 بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لرئاسة الوزراء، وتم نشر مقال بعنوان «المجلس الطبى العام المصرى، الحارس للخدمات الطبية»، فى جريدة الشروق بتاريخ 29 يناير 2019.
على الرغم من الادعاء بإنشاء مجلس مماثل للمجلس الطبى العام فى إنجلترا، فإن تفاصيل المجلس الصحى المصرى لا علاقة لها بهيكل وأهداف المجلس الطبى العام، ويرجع ذلك إلى عدم الالتزام بالدقة فى نقل تفاصيل المجلس الطبى العام، وعدم الاستفادة من خبراء لديهم معرفة مباشرة بعمل هذا المجلس الطبى، وهذا إخفاق كبير من جانب المسئولين عن إصدار قانون إنشاء المجلس الصحى المصرى.
من أجل تحقيق إصلاح جذرى فى مستوى الخدمات الصحية فى مصر، يجب الإشارة إلى أن هناك العديد من النواقص فى قانون إنشاء مجلس الصحة المصرى، من أهمها عدم التعرض لإصلاح التعليم الطبى وتحديد معاييره، كما أن قرار الإشراف على مجموعة كبيرة من التخصصات الصحية، بما فى ذلك الطب البيطرى، سيعيق نجاح المجلس، إنها مسئولية ضخمة لا مثيل لها فى العالم المتقدم ولا يمكن لمجلس واحد أن يتولى هذه المسئولية بنجاح. من الأفضل أن يتم تشكيل مجالس مستقلة للطب البشرى، وطب الأسنان، والتمريض، والصيدلة، ومجلس للمهن الصحية تشمل العلاج الطبيعى، فنيى المعامل وأقسام الأشعة، المسعفين، التحليل النفسى، معالجى النطق، أخصائى التغذية، وغيرهم. أما الطب البيطرى، يجب أن يكون تحت إشراف مجلس مستقل لتنظيم ممارسة المهنة للأطباء والممرضين البيطريين.
تشمل أوجه القصور الأخرى؛ تمثيلا قويا للحكومة فى إدارة المجلس، ولا يوجد نص واضح بخصوص تمثيل نقابة الأطباء مع إعطاء تمثيل خاص لكليات القطاع الصحى بجامعة الأزهر، ولم يتناول القانون ضرورة التعاون الوثيق بين المستشفيات الجامعية ومستشفيات وزارة الصحة، والالتزام بتطبيق الحوكمة الإكلينيكية فى كل المستشفيات ومراكز الخدمات الصحية، ولم يناقش القانون كيفية محاسبة الأطباء المخالفين لقيم وقوانين مهنة الطب، ويجب ألا يتحمل المجلس الجديد مسئولية إنشاء سجلات قومية للأمراض المختلفة، هذا الدور يجب أن تقوم به وزارة الصحة.
فى الختام، كان إنشاء المجلس الصحى المصرى فرصة محورية لإحداث تغيير فعال فى الإشراف على الخدمات الصحية، وإصلاح تدريب مهنة الطب والمهن الصحية الأخرى.
حتى الآن لم يتم تنفيذ قانون مجلس الصحة المصرى، وقد تكون هناك فرصة ذهبية للمسئولين لمراجعة هذا القانون ومعالجة أوجه القصور فيه، وإنشاء مجالس مستقلة عن الحكومة للإشراف على المهن الصحية المختلفة وأهمها المجلس الطبى العام، إذا أردنا تحسين جودة الخدمات الصحية وحماية المريض أو المريضة من أى ممارسات تنتهك حقهما المشروع فى الحصول على أفضل رعاية أثناء محنة المرض.