يُعدّ تقليل استخدام الوقود الأحفورى، الذى يشمل الفحم والبترول والغاز الطبيعى، هدفًا رئيسيًا فى مجال النقل المستقبلى لتجنّب التلوث البيئى والحد من الاحتباس الحرارى. هناك أساليب مختلفة لتحقيق هذا الهدف، مثل استخدام الهيدروجين الأخضر كبديل للبترول فى مركبات النقل الثقيلة مثل الشاحنات والحافلات والقطارات والسفن. النهج الآخر هو التوسع فى استخدام السيارات الكهربائية، ولكن شحن بطارياتها لا يزال يعتمد على الوقود الأحفورى، وهو المصدر الرئيسى للكهرباء.
يُستخدم الوقود فى المركبات للتغلب على مقاومة الحركة الناتجة عن احتكاك العجلات بالطريق ومقاومة الهواء لجسم المركبة. تتغلب السيارات التى تعمل بتقنية الرفع المغناطيسى على الاحتكاك بين العجلات والطريق، لكن ذلك يتطلب طرقًا مجهزة بمجال مغناطيسى قوى، وهو أمر مكلف للغاية. يمكن التغلب على مقاومة الهواء بواسطة نظام «هايبرلوب»، الذى يتكون من مركبات خاصة تتسع لـ 25 إلى 40 راكبًا، وأنبوب محكم الإغلاق يبلغ قطره حوالى خمسة أمتار، بالإضافة إلى معدات التسريع والكبح، وأنظمة تشغيل وإدارة طوارئ معقدة. ومع ذلك، يواجه نظام هايبرلوب تحديات، لأنه يتطلب بنية تحتية مكلفة، وهناك أيضًا احتمال ألا يحظى بقبول الجمهور.
تشمل وسائل النقل المستقبلية سيارات ذكية ذاتية القيادة تعتمد على الذكاء الاصطناعى وتقنية الرادار والكاميرات لاستشعار الظروف المحيطة، بما فى ذلك حركة المرور والمشاة والعوائق المادية. تستطيع هذه السيارات تعديل مسارها وسرعتها والتواصل فيما بينها، مما يؤدى إلى تحسين انسيابية حركة المرور والوقاية من الحوادث.
• • •
سيظهر استخدام السيارات الطائرة التى تعمل بالكهرباء أو الوقود السائل. هناك عقبات تكنولوجية وتنظيمية كبيرة يجب التغلب عليها قبل أن تصبح حقيقة واقعة وشائعة. وتشمل هذه العقبات تنظيم المجال الجوى، وضمان وجود المطارات ومحطات الشحن ومراكز الصيانة اللازمة.
استخدام طائرات الإقلاع والهبوط العمودى التى تعمل بالطاقة الكهربائية يلغى الحاجة إلى مدارج خاصة، مما يجعلها مثالية للبيئات الحضرية. تقوم هذه الطائرات بالإقلاع والهبوط عموديًا ثم تنتقل إلى الطيران الأفقى مثل المروحيات.
هناك أيضًا سيارات طائرة هجينة تستطيع السير على الطرق والانتقال إلى وضع الطيران باستخدام أجنحة قابلة للطى. تهدف هذه التصميمات إلى حل مشكلة الازدحام المرورى فى المدن وتقليل أوقات السفر بشكل كبير.
يجب أن تكون السيارة الطائرة آمنة للتشغيل، وصديقة للبيئة، وقادرة على الطيران دون الحاجة إلى طيار مؤهل، وأن تكون تكاليف شرائها وتشغيلها معقولة. ولتحقيق انتشار واسع النطاق، لن يكون من العملى أن يكون كل سائق مؤهلاً كطيار، لذا سيكون المستقبل للسيارات الطائرة ذاتية القيادة، مع أنظمة توجيه آلية لتجنب الاصطدامات. ولمواجهة الأعطال الدورية الحتمية والهبوط الاضطرارى، ستكون هناك حاجة إلى مواقع هبوط مخصصة وكافية فى المناطق الحضرية. بالإضافة إلى ذلك، قد تجعل الظروف الجوية السيئة تحليق هذه الطائرات غير آمن.
• • •
يشهد قطاع الطيران المدنى تحولاً جذريًا، ومن أهم الجهود المبذولة فى هذا الصدد الحدّ من التلوث المناخى من خلال الاستثمار فى «وقود الطيران المستدام»، وهو وقود يقلل بشكل كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى. يُستخدم هذا الوقود مواد خام مثل زيت الطهى المستعمل أو النفايات الزراعية، ويمكن مزجه مع وقود الطائرات التقليدى دون الحاجة إلى أى تعديلات على المحركات.
يمكن استخدام الهيدروجين أيضًا كوقود، إما عن طريق حرقه فى محرك الطائرة للدفع المباشر، أو عن طريق تحويله إلى كهرباء عبر خلية وقود لتشغيل المحركات الكهربائية. ويكمن التحدى الرئيسى فى تطوير تقنيات تخزين متطورة تجعل استخدام الهيدروجين عمليًا فى الطائرات.
تتضمن الحلول الأخرى استخدام طائرات بمحركات كهربائية تعمل بالبطاريات، مما يوفر مزايا انعدام الانبعاثات الضارة وانخفاض مستوى الضوضاء. ومع ذلك، يشكل المدى المحدود للبطاريات عقبة كبيرة، ولا يمكن تلبية متطلبات الطاقة الهائلة بسهولة باستخدام البطاريات. علاوة على ذلك، يقلل الوزن الثقيل للبطاريات من كفاءة الطيران.
هناك مشاريع لإنتاج طائرات ركاب كهربائية هجينة قصيرة المدى خلال العقود القادمة. هذه الطائرات مزودة بمحركات هجينة تجمع بين الكهرباء والوقود التقليدى. وعادةً ما تقلع وتهبط باستخدام الطاقة الكهربائية النظيفة والهادئة، ثم تحلق باستخدام محرك نفاث تقليدى.
• • •
يلعب الذكاء الاصطناعى دورًا مهمًا فى مجالات متعددة من الطيران المدنى، وأبرزها الكشف عن الأخطاء الميكانيكية أو البشرية، وتقديم المشورة للطيارين فى المواقف الروتينية وحالات الطوارئ، والتنبؤ باحتمالية حدوث أعطال من خلال تحليل البيانات المستخرجة من أجهزة الاستشعار الذكية والسجلات التاريخية.
يساعد تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعى مراقبى الحركة الجوية على اتخاذ قرارات أسرع وأكثر دقة، والتنبؤ بالازدحام المحتمل، واقتراح مسارات بديلة قبل ظهور المشاكل، وتعزيز التنسيق بين أنظمة الطيران المدنى والعسكرى. كما سيساهم فى تحسين إدارة المطارات والتعامل مع الأمتعة بشكل أسرع وأكثر دقة، فضلًا عن تعزيز أمن المطارات من خلال أنظمة التعرف على الوجوه وكشف المواد المحظورة والسلوكيات المشبوهة.
من المتوقع أن تصبح السياحة الفضائية متاحة فى المستقبل، حيث ستقدم «رحلات شبه مدارية» تصل إلى ارتفاعات تزيد على 300 ألف قدم، وهى النقطة التى يبدأ عندها الفضاء الخارجى، بالإضافة إلى «رحلات مدارية» تدور حول الأرض لعدة أيام على ارتفاعات تتجاوز 1.3 مليون قدم. ستتيح هذه الرحلات للركاب مشاهدة جمال كوكب الأرض وتجربة انعدام الوزن. مع ذلك، ستشكل التكلفة الباهظة عقبة رئيسية أمام انتشار السياحة الفضائية، كما يجب أن يكون السياح الفضائيون فى حالة بدنية ممتازة ويخضعوا لتدريب خاص على انعدام الوزن والتسارع السريع فى أجهزة الطرد المركزى.
من بين الأهداف المستقبلية السفر إلى المريخ، وهى رحلة قد تستغرق من 6 إلى 9 أشهر. تواجه هذه المهمة العديد من التحديات، بما فى ذلك الحاجة إلى توفير الأكسجين من خلال أجهزة تستخلص ثانى أكسيد الكربون من الغلاف الجوى للمريخ وتحوله إلى أكسجين صالح للتنفس، بالإضافة إلى تصميم نظام غذائى متكامل لرواد الفضاء، وتوفير الماء والكهرباء، وبناء مساكن توفر الحماية من الإشعاع. ومع ذلك، يمتلك كوكب المريخ خصائص تجعله خيارًا عمليًا للاستيطان البشرى، فاليوم المريخى يشبه إلى حد كبير اليوم الأرضى، وتشير الأدلة إلى وجود الماء على سطحه. كما أن جاذبيته تبلغ حوالى 38% من جاذبية الأرض، مما يقلل من المخاطر الصحية المرتبطة بانعدام الجاذبية. علاوة على ذلك، يحتوى المريخ على موارد قيّمة من المعادن والعناصر النادرة.
على الرغم من أن استعمار المريخ يمثل تحديًا هائلًا، فقد أصبح من الواضح أن السؤال لم يعد: «هل سنصل إلى هناك؟» بل: «متى سنصل إلى هناك؟». ومع استمرار التقدم التكنولوجى، يقترب حلم العيش على المريخ من أن يصبح حقيقة واقعة.
فى الختام، تهدف التطورات المستقبلية فى مجال المواصلات إلى الاعتماد على الطاقة النظيفة لحماية الغلاف الجوى من التلوث، والحد من الاحتباس الحرارى، وتوفير وسائل نقل سريعة وآمنة عبر مختلف وسائل النقل.
أستاذ الأشعة التشخيصية سابقا بجامعة شفيلد ــ إنجلترا