لنتمعّن فى المشهد السّريالى العربى المفجع فى الزمن الرّدىء الأخير.
منذ بضعة أيام، فى احتفال دينى لليهود الأمريكيين، تفاخر الرئيس الأمريكى ترامب أمام يهود أمريكا وكل أنصار الكيان الصهيونى فى ذلك البلد، بأنه أكثر رئيس أمريكى عبر تاريخ ذلك البلد، أعطى من الدعم والمنح والمواقف لذلك الكيان وساكنيه. وأشار على الأخص إلى قراره باعطاء أرض الجولان السورى ومسجد الأقصى الإسلامى فى القدس العربية هدية أمريكية لليمين الصهيونى المتطرف.
والسؤال: هل أثر هذا التصريح المستفز لمشاعر كل العرب والمسلمين والمسيحيين، وعلى الأخص المفجوعين الفلسطينيين، على أى من العلاقات والالتزامات المالية الهائلة من قبل سبع وخمسين دولة عربية وإسلامية تجاه هذا الرئيس ونظام حكمه؟
والجواب المحزن المأساوى هو كلمة «لا». لكأن الالتزامات العروبية والإسلامية والمسيحية فى هذه الدول لم يعد لها وجود.
ولكأن الضمير الأخلاقى الأخوى قد مات فى كل مسئول من هذه الدول وعند مؤسسات مجتمعاتهم المدنية أيضا.
منذ بضعة أيام أصبحت مياه دجلة والفرات فى العراق ملكا لنظام الحكم فى تركيا. ما عاد حصول العراق على ما كان يحصل عليه من المياه حقا طبيعيا للعراق الذى يجرى عبر طوله من الشمال إلى الجنوب النهران المذكوران. أصبح سلعة يجب أن تتبادل بكمية من بترول العراق.
فهل تحركت الأحزاب والنقابات وكل الهيئات المدنية العراقية والعربية احتجاجاً على إنهاء حق تاريخى طويل الأمد للعراق وشعبه؟ والجواب مرة أخرى هو «كلاّ».
منذ بضعة أيام أخرى استطاعت الميليشيات المدفوعة الأجر فى السودان أن تنهى الاستيلاء على الغرب السودانى برمّته وعلى أغنى الآبار البترولية فى جنوبه، وأن يجد الجيش السودانى الشرعى وأتباعه من ملايين الأفراد أنهم أمام مؤامرة لتمزيق ذلك البلد تقودها أمريكا بالتعاون مع الكيان الصهيونى، ومرة أخرى، هل اجتمعت الجامعة العربية أو منظمة التعاون الإسلامى، أو تحركت قوى المجتمعات العربية المدنية الشعبية، للنظر فى هذا الموضوع الكارثى الخطير؟ والجواب هو مرة أخرى كلاّ، وألف كلاّ.
ومنذ بضعة أيام أخرى نجحت قوى الانفصال والتمزيق فى الجنوب اليمنى فى اتخاذ الخطوات الأولى لفصل الجنوب اليمنى عن باقى أجزاء اليمن. لكأن اليمن لا تنقصه المآسى والأحزان ليضاف إليها تلك الكارثة القومية. فهل تحركت الجامعة العربية للنظر فى هذا الموضوع، وهو من أهم مسئولياتها عندما يواجه أى قطر عربى مؤامرة تمزيقه؟ والجواب مرة رابعة هو «كلاّ».
وهل نضيف إلى كل ذلك المؤامرة الأمريكية على لبنان ومقاومته وموضوع خروج جيش الكيان الصهيونى من الأراضى التى يحتلها وقتله اليومى لكل من يقاوم هذا الكيان؟ ومرة أخرى تبقى الحكومات العربية والإسلامية والقوى المدنية العربية فى صمتها الأبدى، لكأن لبنان هو بلد الواق واق وخارج هذا الكوكب.
ولا نحتاج أن نضيف المؤامرة الأمريكية والصهيونية على سوريا العروبة وانتقال سلطة الحكم فى الواقع إلى أياد أمريكية وصهيونية، والاحتلال المتصاعد لأراضى سورية فى جنوبها وفى المناطق المحيطة بالجولان من قبل الجيش الصهيونى. وهذا موضوع لا يمكن اختصاره فى مقال بعد أن أصبحت سوريا تواجه كل أنواع الأهوال والمصاعب والمؤامرات من الخارج الاستعمارى ومن الداخل الإرهابى ومن الجار المسلم.
ولا نحتاج إلى أن نضيف مواضيع السّدود على نهر النيل وما سيأتى به ذلك مستقبلاً على مصر العزيزة وشعبها، ولا عما يجرى فى ليبيا من تمزيق لوطن إلى دويلات عشائرية وإلى إفقار بلد من خلال تكالب الأطماع الخارجية والداخلية، ولا للأوضاع المعقدة المحزنة التى تهدد تونس الخضراء العزيزة.
يا حكام بلاد العرب وبلاد الإسلام، ويا مؤسسات مجتمعات العرب والمسلمين المدنية، ويا شعوب هذه الأرض العربية والإسلامية، إلى متى ستظلون فى صمت القبور تجاه كل مصدر من مصادر الموت؟