نبيل فهمي يكتب: حرب أكتوبر 1973.. ملحمة تاريخية غيرت الواقع وشكلت المستقبل - بوابة الشروق
السبت 9 نوفمبر 2024 4:07 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نبيل فهمي يكتب: حرب أكتوبر 1973.. ملحمة تاريخية غيرت الواقع وشكلت المستقبل

نبيل فهمي
نبيل فهمي

نشر في: الإثنين 2 أكتوبر 2023 - 6:29 م | آخر تحديث: الإثنين 2 أكتوبر 2023 - 6:29 م

لقد مر نصف قرن على حرب أكتوبر المجيدة، وأتذكر جيدا اللحظة التى علمت فيها باندلاع المعارك، وشعورى حينذاك، وردود الفعل التلقائية بين المواطنين، لذلك أعتبر أن حرب أكتوبر كانت لحظة فارقة فى الشرق الأوسط، نتيجة ملحمة لإعادة بناء القوات المسلحة المصرية، وتطوير أداء مصر السياسى، واستعادة الشعب المصرى لثقته فى النفس، وعودة مصر إلى وضعها الطبيعى ومكانتها المتميزة فى الشرق الأوسط.
لا يخفى على أحد أن نكسة 1967 القاسية هزت الشعبين المصرى والعربى، ورسخت شعورا عربيا وإسرائيليا زائفا بأن الدولة المعتدية قوة لا تقهر.
وكان الرئيس المصرى أنور السادات قد سعى من دون جدوى لتحريك عملية سلمية عربية ــ إسرائيلية قبل الحرب، وطرح مبادرات مختلفة من ضمنها، فتح قناة السويس لمرور السفن المدنية فى حال انسحاب القوات الإسرائيلية 50 كيلومترا شرقا، وأوفد مستشاره للأمن القومى حافظ اسماعيل لمقابلة هنرى كيسنجر سرا فى باريس ونيويورك عام 1973، إلا أن الجانبين الإسرائيلى والأمريكى لم يأخذا المبادرة بجدية شكلهما فى قدرة مصر والعالم العربى على تحريك الأمور، بخاصة بعد أن طلب السادات من الخبراء الروس مغادرة البلاد قبل ذلك بعام، مما خلق توترا بينه وبين القيادات الروسية المورد الرئيس للسلاح المصرى. وتقتضى الأمانة الاعتراف أيضا بأن الشك فى إمكان تحريك الجبهة لم يكن شعورا بعيدا منى وأنا فى السنة النهائية من دراستى الجامعية، أو من غالبية الشعب المصرى بمختلف فئاته، الذى كان لا يزال متأثرا بتداعيات شعبية ومعنوية قاسية لحرب 1967، على رغم الجهود الذى بذلت والتضحيات فى حرب الاستنزاف، بل إنه كان شعورا سائدا ومنتشرا إقليميا ودوليا.
فى ظل هذه الظروف الصعبة، أخذ أنور السادات القرار الشجاع والصائب ببدء حرب 1973، وخطط بحكمة لشن حرب محددة الأهداف العسكرية بالتنسيق مع سوريا، من أجل غربلة المعادلة السياسية، وتهيئة المناخ لإجراء مفاوضات عربية ــ إسرائيلية، متطلعا أن تنتهى حتما بإعادة الأراضى المصرية المحتلة، وبسلام عربى ــ إسرائيلى شامل، وبتلبية الطموحات الوطنية للشعب الفلسطينى.
قرار الحرب يحسب لأنور السادات بشجاعته وحكمته على رغم أنف كل المضللين.
وعلى الرغم من القلق الأولى مع اندلاع المعارك، أعادت الحرب الثقة للشعبين المصرى والعربى، نتيجة الدور البطولى للقوات المسلحة المصرية الباسلة، تحت قيادة المشير أحمد إسماعيل، وجهد وتضحيات لا تنسى لضباطها وجنودها، من أعلاهم رتبة إلى أصغر جندى. قوات قهرت حائط بارليف المنيع، وكسرت شوكة الغرور الإسرائيلى، بأداء عسكرى رفيع فاق كل التوقعات. قوات انطلقت حبا للوطن، مضحية من أجل ترابها، على رغم علمها بالتحديات والصعوبات والقلق الذى كان سائدا عن تأمين السلاح الكافى والملائم للعمليات العسكرية.
وفاق الأداء العسكرى المصرى كل التوقعات الدولية والإسرائيلية، كما كشفته المحاضر والمستندات الإسرائيلية التى تم الإفراج عنها حديثا بمناسبة مرور 50 عاما على الحرب، التى أوضحت أن إسرائيل كانت تتابع وملمة بالتحركات العسكرية المصرية، وإنما خلصت الأغلبية من قياداتها إلى أن المصريين لن يقدموا على الحرب لعدم ثقتهم فى النتائج المرتقبة، فى ظل الشعور المصرى الجارف بالتفوق العسكرى الإسرائيلى.
وأعاد قرار الحرب والأداء العسكرى المصرى البطولى إلى مصر مكانتها فى الساحتين الإقليمية والدولية، ومع قرب نهاية الحرب استقبل الرئيس الأمريكى نيكسون، اسماعيل فهمى مبعوثا عن السادات ووزير الخارجية بالإنابة حينذاك، وأبلغه نيكسون أن مصر أثبتت أنها محرك رئيس واستراتيجى فى المنطقة، وأن الولايات المتحدة ستعاملها على هذا الأساس. بل خرق نيكسون كل القواعد البروتوكولية وصاحب الوزير المصرى إلى سيارته تقديرا لمصر وشخصه، وكلها دلالات على أن الحرب المجيدة غيرت الواقع فى الشرق الأوسط والمنظور الوطنى والدولى لمصر والعالم العربى.
حرب أكتوبر كانت عملا عسكريا مبدعا بغرض بدء عملية سلام تفاوضية، وأول خطوة فى عملية السلام كانت أول طلقة نيران عسكرية، وأول قفزة لجندى مصرى لعبور قناة السويس، وذلك ليس كلاما مرسلا أو عاطفيا، لأن بدء المفاوضات المجدية يتطلب إقناع الطرف الآخر بأن مغبة عدم التفاوض أصعب وأكثر بكثير من الشروع فى هذا الجهد، وهو ما نجحت فيه القوات المسلحة المصرية.
ومن أهم أهداف وإنجازات حرب أكتوبر كان إنهاء الغرور الإسرائيلى السياسى، بأنها قادرة على استمرار الاحتلال وتجاهل حقوق مطالب الدول العربية، وإدراك الولايات المتحدة أن استمرار النزاع العربى ــ الإسرائيلى سيكون له تداعيات مباشرة على الساحة الدولية، وفرضت الحرب محور المفاوضات خيارا وسبيلا.
اشتعلت المعارك والصدامات الدبلوماسية بعد اندلاع العمليات العسكرية مباشرة، لاختيار الموعد المناسب لقبول وقف إطلاق النار، وتعديل بعض التجاوزات الإسرائيلية عقب وقف إطلاق النار بغية الإضرار بالمواقع والقوات المصرية إلى تبادل الأسرى، وفك الاشتباك بين القوات على مراحل. وبدأ مؤتمر جنيف الأول فى ظل مناخ دولى متغير بين القطبين السوفيتى والأمريكى، ورغبة وزير الخارجية الأمريكى هنرى كيسنجر تجنب عملية سلام حقيقية، واهتمامه وتفضيله ضبط الإيقاع والاستقرار فقط، بما يمكن الولايات المتحدة من التركيز على العلاقات مع الاتحاد السوفياتى، هذا فضلا عن انحيازه لإسرائيل، وهو ما تطلب حنكة دبلوماسية مصرية وتوازنات دقيقة مع كل منهما، حفاظا على استقلالية القرار المصرى، وتأمينا للمصالح المصرية، وهى معارك أديت بكفاءة عالية، تحسب للدبلوماسية المصرية بقيادة اسماعيل فهمى وزير الخارجية من 1973 – 1977، والدبلوماسيين فى مؤسسة وزارة الخارجية العريقة، الأمينة دائما على المصلحة المصرية والمخلصة فى المحافظة على سيادتها.
سمحت لى الظروف بمتابعة تلك المرحلة من قرب وبشكل مباشر، وشكلت لحمة العمل الاستراتيجى المصرى المشترك والتعاون العملياتى والتنفيذى، والاحترام المتبادل بين قيادات ومؤسسات الدولة المختلفة، كل من زاويته وخبراته، ومناقشات عدة وآراء مختلفة حول أفضل سبل التحرك العسكرى والسياسى والدبلوماسى لتحرير الأراضى المصرية وهو ما تحقق، وجهودا مضنية للتوصل إلى سلام شامل، تتعثر للأسف نتيجة التزمت الإسرائيلى، وظل الاحترام والتقدير قائمين بين القيادات المصرية حتى بعد استقالة وزير الخارجية المصرى، لقناعته أن إسرائيل تحاول التفرقة بين العرب بما يسمح لها تجنب استحقاقات السلام العربى – الإسرائيلى.
تحية لأبطال مصر سياسيين وعسكريين ودبلوماسيين، ورحم الله من فقدناهم أثناء المعارك أو عبر السنين.
وتحية للشعب المصرى النبيل فى هذه الذكرى الخالدة لحرب مجيدة غيرت الواقع وشكلت المستقبل.

نقلا عن إندبندنت عربية



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك