فن التكفيت.. آل الحسين أعرق عائلة مصرية بالحرفة اليدوية لأكثر من 200 عام - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 5:37 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فن التكفيت.. آل الحسين أعرق عائلة مصرية بالحرفة اليدوية لأكثر من 200 عام

منال الوراقي وميار مختار
نشر في: الأربعاء 3 يوليه 2019 - 11:23 ص | آخر تحديث: الأربعاء 3 يوليه 2019 - 11:37 ص

-عمرو المنتمي لأسرة آل الحسين يصنع ويزخرف ويبيع بالمتحف المصري ويعمل بفن التكفيت منذ 25 عاماً

-«ابن الوز عوام».. والد عمرو صانع ضريح الأغاخان بأسوان عام 1963

 


تعد طريقة النقش على النحاس وتطعيمه بالفضة أو ما يطلق عليه فن «التكفيت»، من أفضل الطرق للحصول على تحفة فنية رائعة والتي تصل أسعارها لآلاف الجنيهات، ذلك الابتكار المصري الأصيل، الذي يعد فن من فنون زخرفة المعادن اليدوية دون الإعتماد على أي تدخل تكنولوجى، فجميع مراحل صناعة التحف النحاسية تتم يدويا باستخدام بعض الآلات البدائية البسيطة.

وتوارث المصريون حرفة التكفيت، العائدة للعصر المملوكي، من الجدود إلى الأبناء والأحفاد، إلا أن عدد الحرفيين والفنانين بدأ فى الانقراض بسبب الظروف المعيشية وهروب بعض المهرة من المهنة ومتاعبها لما تتطلبه من مهارة عالية بالخط والرسم الدقيق، ما جعل المهنة تفقد الكثير من أسرارها عبر مرور الزمن، وتصبح صنعة لا يعرف سرها سوى القليل.

وتعتبر عائلة أل الحسين، التي تعمل بالحرفة منذ أكثر من 200 عام، وتعد من أقدم وأعرق الحرفيين المصريين بفن "التكفيت"، ما جعل مصطفى كامل، مؤسس مبادرة «يالا على الورشة»، يستعين بهم في "معرض فنون النحاس" الذي نظمه بيت السناري الأثري بحي السيدة زينب بالقاهرة، التابع لمكتبة الإسكندرية، أكتوبر الماضي.

وعلى أحد جانبي مسار الخروج من المتحف المصري، وتحديدا الجزء المخصص لبيع الهدايا التذكارية، يجلس عمرو حسين عبد المقصود، المنتمي لعائلة آل الحسين، على طاولته وسط جزءه المخصص، يعرض قطعه المميزة من التماثيل والتحف المصنوعة من النحاس المطعم بالفضة، يعمل على إحدى قطعه الجديدة، ينحتها ويطعمها بالفضة، جاذباً كل من يراه من زوار المتحف، مبدون إعجابهم.

وتبدأ عملية الزخرفة والنقوش بالتماثيل والتحف النحاسية بعد اختيار شكل الآنية المطلوب صنعها، حيث ترسم النقوش بأقلام نقش فولاذية خاصة بها بمساعدة المطرقة، قبل أن يتم تركيب خيوط الفضة فى هذه الشقوق بواسطة أقلام أخرى، وذلك بالطرق الخفيف عليها لتأخذ مكانها الصحيح.

ويصنع "عمرو" أشكال مختلفة ومتنوعة من التماثيل العائدة للعديد من الحضارات منها الحضارة الفرعونية والحضارة الإيرانية والعصر الإسلامي والعصر القبطي، كتماثيل القطط والأسود والأحصنة والأطباق النحاس والمباخر وقناديل المساجد وغيرها.

ويعد القط الفرعوني الملقب بـ"الماو المصري" من أكثر الأشكال جذبا لزبائن عمرو، كونه أقوى قط في العالم، ومن أقدم الحيوانات التي ظهرت في الحضارات القديمة، بالرغم من سعره العالي الذي يبلغ 10 آلاف جنيه، إذ يستخدم في صناعته ربع كيلو فضة بتكلفة صافية 5000 جنيه، بالإضافة إلى 3 كيلو نحاس تقريبا، ويحتاج أسبوع من العمل عليه حتى يكتمل، "الأجنبي اللي بيقدرها ويشتريها مفيش حد مصري ولا عربي".

وخلال جولة دخل المتحف المصري، يتخللها تصوير بعض القطع الأثرية التي لاقت إعجابه، وأخرى للمتحف الإسلامي تتضمن تصوير أشكال المباخر والأباريق، أو تصفح بكتب التاريخ أو بحث علي الانترنت، تلك الأمثلة هي المرجع لعمرو في صنع قطعه المميزة: "علشان التاريخ هو الاساس، فالقطع اللي بتعجبني بصورها والكوبى بتاعها بالظبط بعمله".

ويعمل عمرو، البالغ من العمر 39 عاما، بتلك الحرفة منذ صغره وتحديدا منذ أن كان في الرابعة عشر من عمره، حينما بدأ والده في تعليمه إياها ضمن أولاده الذكور الأربعة العاملين بتلك الحرفة حتى اليوم، ليخلفوا أجدادهم في توارث المهنة: "بقالي ربع قرن في الشغلانة دي".

حرفة التكفيت هى حرفة يدوية من الألف للياء، إذ دوما ما يتساءل زبائن عمرو في إندهاش، كيف يمكن لسلك الفضة أن يدخل فى نقش قطعة النحاس، دون أن ينصهر ودون إستخدام أي آلات أو معدان؟؛ فجميع الحرف اليدوية دخلها التطور التكنولوجي كصناعة الخيامية والأرابسك والسبح، "ده السر اللي شادد العالم كله لحد دلوقتي".

زبائن عمرو معظمهم من السياح الأجانب والعرب، خاصة دول اوروبا والخليج العربي، "هم اللى بيفهموا فيه ويقدروا"، وبسؤاله كيف يتواصل مع الزبائن مختلفي الجنسيات؟ أيتحدث اللغات أم لا؟، وأجاب عمرو الحاصل على دبلوم تجارة: "بتكلم إنجليزى بس فى حدود الصنعة، الكلام اللي يخدم على مهنتي، فبعرف أتواصل مع السياح وأشرحلهم الفن اللي التحفة وخطوات تصنيعها".

ولأن معظم زبائنها من السائحين سواء الأجانب أو العرب، فترتبط حرفة التكفيت إرتباطا وثيقا بأحوال السياحة في البلاد، حيث يشير الشاب الثلاثيني إلى الأزمة التي أصابته في الـ6 سنوات الأخيرة، جراء تراجع أحوال السياحة بعد ثورتي يناير ويونيو، حتى بدأت تعود إلى طبيعتها مؤخراً إثر استقرار أحوال البلاد والسياحة، "مكنش فيه شغل، فاشتغلت على عربية كشرى واشتغلت أمن واتمرمطت أنا وإخواتي وكل الحرفيين"

تختلف أسعار القطع النحاسية المزخرفة، لكنها تتفق في كونها عالية، نسبة لغلاء الخامات فالفضة يصل سعر جرامها لـ15 جنيا، والكيلو 15 ألف جنيه، إذ تستخدم الفضة عيار ألف حتى تكون لينة يسهل تشكيلها ودقها، أما النحاس فيبلغ سعر الكليو الأصفر 300 جنيا، والأحمر 500 جنيا، لتتراوح أسعار القطع بين 150 و10 آلاف جنيا.

وبدأ عمرو الذي يملك من الأبناء حسين ورقية، في تعليم ابنه ذو الـ10أعوام، فنون الحرفة، "الصنعة دي لو مفضلناش نعلمها لأولادنا هتختفي، لأن حرفينها يتعدوا على الصوابع"، مشيرا إلى انحصار الحرفين المصريين بتلك الحرفة اليدوية الصعبة فى أعداد قليلة جدا، منهم 4 حرفيين بخان الخليلي، "هما أصلا إعمامي، يعني برضو بيصبوا في العيلة عندنا".

ويحكي عمرو كيف اشتهر والده الناحت حسين عبد المقصود، في حرفة التكفيت ووسعت شهرته حتى نادته الباروم أم حبيبة، زوجة الأغاخان الثالث، السلطان محمد شاه، عام 1963، ليصنع وينقش ويطعم باب ضريح الأغاخان، الذي يعد اليوم أحد المعالم الأثرية بأسوان، واستغرق العمل بالباب حوالى 4 أشهر، مستخدما في زخرفته 5 كيلو من الفضة، كان يباع الكيلو حينها بـ29 جنيها، الذي يبلغ اليوم 15 ألف جنيه.

وفي النهاية يوضح عمرو فضل الدولة ووزارتي الأثار والسياحة في توفير مكانا له لعرض أعماله بالمتحف المصري مجانا دون مقابل، تشجيعا للشباب وتقديرا لحرفته النادرة، "الدولة مقعداني من غير إيجار، ومن غير أي تكاليف، كل الناس اللي قاعدين هنا ببلاش، أحب أشكرهم على مجهودهم".



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك