«رام الله».. ملهمة المبدعين وحاضنة الثقافة الفلسطينية - بوابة الشروق
الأحد 16 يونيو 2024 6:20 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«رام الله».. ملهمة المبدعين وحاضنة الثقافة الفلسطينية

أ ش أ
نشر في: الأربعاء 4 سبتمبر 2019 - 10:23 ص | آخر تحديث: الأربعاء 4 سبتمبر 2019 - 10:23 ص

إذا كان الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، الذي قضي في التاسع من شهر أغسطس عام 2008 قد طلب قبل رحيله أن يدفن في مدينة رام الله وتكتب على قبره عبارته الشعرية:"على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، فإن هذه المدينة تبقى حاضنة للثقافة الفلسطينية وملهمة للمبدعين مثل المبدع الفلسطيني رجا شحادة، الذي أصدر كتابا جديدا بالإنجليزية أثار اهتمام الصحافة الثقافية في الغرب.

وفي كتابه الجديد حول مدينة رام الله "ذاهب للبيت"، تنبض الصفحات بمشاعر ثرية مفعمة بالشجن والأمل، فيما اعتبر نقاد في الصحافة الثقافية الغربية كالبريطاني الكس برستون، أن رجا شحادة أحد أعظم الكُتَّاب الفلسطينيين المعاصرين الذين يكتبون باللإنجليزية بشأن فلسطين.

ورجا شحادة الذي ولد عام 1951 يتحدث في هذا الكتاب عن مدينته رام الله وهى مدينة منفتحة، وهذه المدينة التي تعد بمثابة العاصمة الثقافية الفلسطينية تقع في قلب الضفة الغربية وتبعد بأميال قليلة عن شمال القدس، ويقدر عدد سكانها بنحو 30 ألف نسمة، فيما تتميز ببساتينها وحدائقها الجميلة وتحتضن مقر السلطة الوطنية الفلسطينية والعديد من المكتبات، كما برع سكانها في تطريز الأزياء الشعبية الفلسطينية.

ودرس الكاتب والمحامي الفلسطيني رجا شحادة القانون في لندن، وله عدة كتب في القانون الدولي، فضلا عن أعماله الأدبية والسياسية التي كرسها لفلسطين، ومن بينها "غرباء في المنزل" وعندما توقف البلبل عن الغناء" و"يوميات الاحتلال" و"لغة الحرب ولغة السلام" و"الحياة خلف نقاط التفتيش الإسرائيلية".

ووقائع كتابه بعنوانه الكامل "ذاهب للبيت: مسيرة عبر 50 عاما من الاحتلال"، تدور بسرد نثري رفيع المستوى في يوم واحد هو الخامس من يونيو عام 2017 الذي وافق الذكرى الـ50 لحرب الخامس من يونيو، واكتمال الاحتلال الإسرائيلي لكل فلسطين ومن بينها مدينة رام الله التي قضى فيها أغلب سنوات عمره منذ أن استقبلته طفلا صغيرا مع أسرته بعد خروجهم من يافا في رحلة أليمة من رحلات نكبة 1948.

وتتميز رام الله التي تلاصق "مدينة البيرة" بثراء حياتها الثقافية، وتحوي العديد من المراكز الثقافية فيما ذكرت كتابات تاريخية أن تلك المنطقة عبرتها قوات صلاح الدين الأيوبي عام 1187 الميلادي في طريقها لتحرير القدس من الغزاة الفرنجة.

ومن الأحياء الشهيرة في رام الله "المنارة" و"عين مصباح" و"القسطل" و"المصيف" و"المغتربين" وبور سعيد" و"الجبل" و"السرية" و"البيدر" و"دار عواد" و"دار إبراهيم" و"الحساسنة" و"المنطقة الصناعية" ومن شوارعها المعروفة "شارع الارسال" و"شارع فلسطين" و"شارع القدس" و"شارع يافا" و"شارع شيلي" و"شارع راشيل كوري" و"شارع الطيرة" و"شارع النهضة"و"شارع الصناعة" و"شارع الأندلس" و"شارع المبعدين".

وعبر وقائع اليوم الواحد التي بدأت بخروجه من بيته قاصدا مكتبه القانوني في رام الله"مدينة الحكايات والكفاح"، فإن ذهابه عائدا للبيت الذي يستغرق عادة 45 دقيقة طال لـ4 ساعات ليتمشى الهوينا في جولة طاف فيها بتاريخ المدينة، ويستدعي ذكرياته الحميمة والأليمة، ومن بينها اغتيال والده على يد أحد المتعاونين مع سلطات الاحتلال التي فرضت حصارا قاسيا على رام الله في عام 2002.

وإذا كان رجا شحادة قد ولد في يافا فإنه عاش في رام الله وهو من أبرز "كتاب الذاكرة الفلسطينية"، كما يتجلى في كتابيه "غرباء في المنزل" و"عندما توقف البلبل عن الغناء"، وقد صدرا في بدايات القرن الـ21 عندما بدت آمال السلام تتبدد غير أن الأمل لم يخمد في المقاومة بصورها المتعددة ضد الاحتلال.

وكتابه الجديد "ذاهب للبيت" أقرب لرحلة مع الذكريات المصورة بالكلمات ومرثية للمدينة التي أحبها وهو يراها تواجه خطر الزوال، مع اتجاه الكثير من أبنائها للرحيل الى أوروبا والولايات المتحدة.

وفي مواجهة هذا الخطر يستدعي رجا شحادة رام الله القديمة، ويتشبث بذاكرة المدينة بقدر ما يتغنى بملامحها المميزة ومناخها وأجوائها الفريدة وحدائقها وبساتينها الغَنَّاء، وكأنه رغم الألم والخطر يتمسك بالأمل في ثنايا تاريخ مدينة أثبتت من قبل قدرتها على مواجهة كثير من المحن والأهوال، فيما يتلاحم سكانها بمختلف مكوناتهم ساعة الخطر لتتجلى "روح رام الله الجامعة لكل أبنائها".

ومنذ احتلالها في عام 1967 صادرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مساحات كبيرة من أراضي رام الله "التي تتوسط فلسطين التاريخية" لإقامة مستوطنات اغتصابية، كما تعرضت الكثير من مبانيها لدمار جراء هجمات ألة الحرب الإسرائيلية.

وإن كانت "الكتب تتشكل وفقا لسياقات كتابتها" كما يقول الناقد الثقافي البريطاني الكس برستون، في معرض تناوله لهذا الكتاب الجديد لرجا شحادة، الذي "يستولد معاني جديدة من تاريخ رام الله" فإنها لمأساة للإنسانية أن "يتحول القانون لمجرد رطانة عاجزة عن استرداد حقوق من سلبت حقوقهم لتتفاقم مشاعر المرارة والإحباط بكل مايعنيه ذلك من خطر".

ورغم ثقل السنين ووجع النكبة وتداعياتها فإن الثقافة الفلسطينية تبدو مدركة لأهمية أسئلة المستقبل، كما أن المثقفين الفلسطينيين مثل رجا شحادة لم يتخلوا عن تفاؤلهم التاريخي وهو ما يتبدى في كتابه الجديد وهو الذي أصدر من قبل في كتاب صدر بالانجليزية بعنوان :"يوميات الاحتلال"، ليطرح رؤيته الغاضبة والآسيانة والمتفائلة معا لحال وطنه فى مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، حيث المستعمرات اليهودية تتخلل ثنايا المشهد فى الضفة الغربية والطرق الالتفافية تفصل الفلسطينيين عن أراضيهم.

وقدم رجا شحادة في هذا الكتاب الذي يغطى بيومياته الفترة من عام 2009 وحتى عام 2011 رؤية تجمع مابين الغضب والجمال، ليحق وصف هذا الكاتب بأنه "رجل غاضب، ومع ذلك فهو تأملي النزعة يكتب ببساطة وجمال رائعين".

وحول ثقافة الإبادة وفكرة "احتلال أرض الغير واستبدال شعب بشعب وثقافة بثقافة وتاريخ بتاريخ" ليصبح صاحب الأرض غريبا في أرضه تحدث رجا شحادة في كتاب بالإنجليزية منذ أكثر من عقد كامل عنوانه "غرباء فى البيت".

وإذا كان الكاتب والمحامى الفلسطيني رجا شحادة غاضبا حيال أحجام حلفاء إسرائيل ومانحيها عن التحرك لمنع التمييز ضد الفلسطينيين، فقد تناول في كتاب صدر بالإنجليزية أيضا بعنوان :"مشاوير فلسطينية"، وحصل به على جائزة "أورويل" البريطانية لأفضل كتاب سياسي في عام 2008 دور الغرب في مساعدة إسرائيل على تحدى قرارات الأمم المتحدة.

ويرى شحادة أن أحلام السلام والكرامة مازالت بعيدة عن الواقع، بل إنها قد تتحول لكابوس أحيانا، غير أنه يقول بصوت الأمل "إن كل مايقيمه الاحتلال إلى زوال يوما ما، كما زال كل احتلال من قبل في التاريخ"، فيما لم يكن وحده من كتب عن "رام الله" التي تشكل بحق مصدر إلهام لمبدعين.

وفي كتاب صدر عام 1997 بعنوان "رأيت رام الله" وفاز بجائزة "نجيب محفوظ للإبداع الأدبي" يتحدث الشاعر الفلسطيني والكاتب الفلسطيني مريد البرغوثي، عن مدينته ورحلة العودة لوطنه، وفي هذا الكتاب بلغته الشاعرية مضات مشرقة بكل ماهو إنساني ونبيل عن علاقته بزميلته في الجامعة رضوى عاشور، والتي توجت بالزواج، فيما قضت هذه المثقفة الكبيرة والروائية والأكاديمية المصرية البارزة في الثلاثين من نوفمبر عام 2014.

ومريد البرغوثي ذاته أحد أبرز المثقفين الفلسطينيين الذين تأثروا وأثروا في الثقافة المصرية، وهو يقدم في كتابه "رأيت رام الله" لمحات عن هذه الحقيقة، وخاصة في شبابه الباكر كطالب بجامعة القاهرة يتطلع لنشر قصائده في مجلات ثقافية مصرية في ستينيات القرن العشرين، فيما قامت رضوى عاشور بترجمة مختارات لزوجها الشاعر والكاتب مريد البرغوثي، إلى الإنجليزية صدرت في عام 2008 بعنوان "منتصف الليل وقصائد أخرى" وهو العام ذاته الذي صدرت فيه روايتها "فرج".

وصاحبة "ثلاثية غرناطة" كانت مدافعة باسلة عن قضايا التحرر الوطني والإنساني وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، مع فضح ثقافة الاستعلاء الدموى والإبادة والإقتلاع الحاضرة بقوة ودموية في فلسطين، كما هى حاضرة في الغضب المقاوم والثقافة المناوئة للمظلومية التاريخية، كما تجلت في كتابات وإبداعات الدكتورة رضوى عاشور.

وإذ يقول مثقف فلسطيني كبير هو الكاتب والناقد الثقافي فيصل دراج، إن الشعب الفلسطيني "تمايز" عن غيره من الشعوب بمآساة كارثة حرمته أرضه، فيما استولدت المأساة ذاكرة جريحة توارثها الأحفاد عن الأجداد، وترجمت ذاتها كتابة بالشعر او برواية و"تتسلح بتفاؤل يستعجل عودة الوطن الذي كان" فهاهو رجا شحادة يتشبث بذاكرة رام الله في كتابه الجديد بمزيج بديع يراوح بين الألم والأمل..إنها رام الله ملهمة المبدعين وحاضنة الثقافة الفلسطينية.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك