خلف أبواب دور رعاية المسنين.. حكايات وأحلام - بوابة الشروق
الجمعة 5 سبتمبر 2025 4:50 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

خلف أبواب دور رعاية المسنين.. حكايات وأحلام

محررة الشروق مع أحد نزلاء دار الهنا- تصوير: رافي شاكر
محررة الشروق مع أحد نزلاء دار الهنا- تصوير: رافي شاكر
تحقيق- آية عامر: تصوير- رافى شاكر:
نشر في: الخميس 4 سبتمبر 2025 - 8:29 م | آخر تحديث: الخميس 4 سبتمبر 2025 - 8:45 م

• نادية: أتمنى الوقوف على قدمى من جديد.. فتحية: أنادى أولادى فلا يجيب أحد
• سعاد: أمنيتى الأخيرة حج بيت الله.. والحاج عطاء الله يتزوج فى الدار
• مسئول بـ«التضامن»: اللائحة التنفيذية لقانون حقوق المسنين أمام مجلس الوزراء تمهيدًا لإقرارها.. ونستهدف التوسع فى إنشاء دور جديدة
• مديرة دار «رفقاء النبى»: رعاية كبار السن فى حاجة ماسة لدعم المتبرعين

 

أصبحت دور رعاية المسنين فى مصر ملاذا آمنا لفئات متعددة من كبار السن، ما بين الدور الاقتصادية والمجانية التى تستقبل الحالات البسيطة، وصولًا إلى الدور الفندقية التى تقدم خدمات فاخرة ورعاية متكاملة.

وبرغم اختلاف طبيعة كل دار وما توفره من إمكانيات، يبقى الهدف واحدا وهو توفير الأمان والرعاية والراحة لتلك الفئة التى أفنت سنوات عمرها فى خدمة المجتمع.

وخلال جولة أجرتها «الشروق» فى عدد من دور المسنين، التقت خلالها ببعض النزلاء، ولكل منهم قصة وظروف مختلفة، فهناك من اختار الإقامة فى الدار بحثا عن الرفاهية والأنشطة الاجتماعية، وهناك من وجد نفسه بين جدرانها مضطرا، بعدما قسا عليه أبناؤه ولم يعودوا يسألون عنه أو يراعونه، وبين هذا وذاك، تتعدد الحكايات التى تعكس واقعًا إنسانيا متباينا يستحق التوقف أمامه.

• الحاجة نادية: رجائى من الرئيس السيسى أن يساعدنى فى العلاج

وسط جدران دار المسنين «رفقاء النبى» بالجيزة، جلست الحاجة نادية شعبان، سيدة ستينية العمر؛ وترتسم ملامح تعب السنين على وجهها، لكنها لا تزال تحاول أن ترسم ابتسامة صغيرة تقاوم بها وحدتها.

تروى نادية قصتها قائلة: «لم أرزق بأبناء. تزوجت مرة واحدة منذ ثلاثين عاما ثم انفصلت، ورحل جميع إخوتى عن الدنيا، ولم يعد لى أحد».

بدأت رحلة نادية إلى الدار عقب فترة طويلة قضتها داخل مستشفى، حيث مكثت نحو 14 شهرًا بين الحياة والموت بسبب إصابتها بجلطة فى الرئة، وفى كل مرة يطلب منها مغادرة المستشفى، لم يكن لديها مأوى أو بيت تعود إليه.

وتضيف بنبرة يغلبها الحزن: «كنت أعيش فى غرفة صغيرة بمنطقة بولاق الدكرور، أدفع إيجارها 250 جنيها، وعندما مرضت ولم أتمكن من سداد الإيجار، استولت صاحبة المنزل على الغرفة ومحتوياتها، فأصبحت بلا مأوى ولا سند».

وتابعت: «نجل أختى هو الشخص الوحيد الذى يزورنى بين الحين والآخر، يأتى مرة كل عشرين يوما، والعاملون فى الدار يساعدونى فى الطعام والشراب وحتى فى دخول الحمام، إذ لا أستطيع القيام بذلك بمفردى»، متمنية أن تقف على قدمها مجددا حتى تتمكن من خدمة نفسها دون أن تثقل على أحد.

وتقضى نادية وقتها فى متابعة التلفزيون، مؤكدة: «أحب مشاهدة المسلسلات والأفلام القديمة، فهى تملأ وحدتى».

وبعينين تتطلعان إلى السماء، اختتمت حديثها بقولها: «لو قابلت الرئيس عبد الفتاح السيسى سأطلب منه فقط أن تتكفل الدولة بتكاليف علاجى الطبيعى لأنه باهظ الثمن، ولا أريد شيئا من الدنيا سوى أن أخدم نفسى، وأدخل الحمام وحدى دون أن أثقل على أحد».

• الحاجة فتحية صاحبة الثمانين عاما.. تنادى فلا يجيبها أحد

جلست الحاجة فتحية، ثمانينية العمر؛ أنهكها المرض وأثقلها العمر، لا تفارق عينيها دمعة ولا يغادر صوتها اسم ابنها الأكبر الذى تناديه باستمرار: «يا طارق.. يا طارق». لكن لا يجيبها أحد.

تحكى فتحية قصتها بصوت ضعيف: «كنت أعيش فى الإسكندرية مع زوجى وولدين، لكن بعد الطلاق تركتهم مع والدهم، وكبروا بعيدا عنى، واليوم وقد بلغت الثمانين وأصابنى السرطان، لا أجد أى منهما بجوارى».

فى كل زيارة نادرة، يطل الابن الأكبر لبضع دقائق ثم يرحل مسرعا، بينما تظل الأم تردد: «أنا أمكم.. حرام عقوق الوالدين.. أريد فقط نظرة حنان».

بينما تجلس الحاجة فتحية على كرسيها وتقول: «لا أريد مالا.. أريد فقط أن أشعر أننى أم، أن يرانى أولادى قبل أن أغادر الدنيا».

• الحاجة سعاد: أمنيتى الأخيرة.. حج بيت الله

على بعد خطوات من الحاجة فتحية، جلست الحاجة سعاد عبد الرءوف، سيدة سبعينية ملامحها بسيطة وابتسامتها لا تفارق وجهها. تحكى الحاجة سعاد عن حياتها قائلة: «عندى ولد وبنتان، ابنى هو من جاء بى إلى الدار بعدما تقدم بى العمر وضعفت صحتي، هو يسكن فى نفس المنطقة، أما إحدى بناتى فمتزوجة فى محافظة أخرى، وكذلك الأخرى تعيش بعيدا، لذلك لا أراهم كثيرا، يزوروننى بين الحين والآخر، ربما كل شهر أو أكثر».

وعن أمنيتها تقول الحاجة سعاد وعيناها تلمعان: «لو أن الرئيس السيسى وقف أمامى الآن، فلن أطلب مالا ولا علاجا، كل ما أرجوه أن يكتب الله لى زيارة بيته الحرام، وأن أذهب إلى الحج قبل أن يأتينى الأجل».

• الحاجة ليلى.. قلب أم ينتظر لقاء أبنائه

وفى السرير المقابل لها، تجلس الحاجة ليلى مصطفى، سيدة تخطت السبعين من عمرها، تحمل على وجهها ابتسامة هادئة تخفى وراءها شوقا كبيرا لخمسة من الأبناء؛ ثلاث بنات وولدين.

تحكى الحاجة ليلى قصتها قائلة: «ابنى هو من أحضرنى إلى هنا منذ أكثر من ثلاث سنوات، لم يكن قادرًا على رعايتى طبيا بسبب ظروف عمله والتزاماته مع أسرته، فأدخلنى الدار».

ورغم ذلك، فإن الزيارات من أبنائها متباعدة: «يأتون إلى أحيانا، لكن يغيبون كثيرا، كل واحد يأتى بمفرده بعد فترات طويلة، وأحيانا لا أراهم إلا كل شهر أو أكثر، وبعضهم يكتفى بمكالمة هاتفية متقطعة».

أما عن أمنيتها، فتقول: «كل ما أرجوه من الله أن يرزقنى زيارة بيته الحرام، أن أحج قبل أن يأتينى الأجل، هذا حلمى الأكبر، وأن أرى الكعبة وأدعو لأبنائى جميعا».

• مديرة دار «رفقاء النبى»: نعتمد على التبرعات ونطالب بدعم مستلزمات أساسية لكبار السن

قالت رشا محمود، مديرة دار «رفقاء النبى» لرعاية المسنين، إن الدار ترعى حاليا 13 مسنا، وتعمل تحت إشراف جمعية رفقاء النبي، مشيرة إلى أن الجزء الأكبر من الموارد يعتمد على دعم الأهالى والمجتمع المحيط.

وأضافت رشا أن مؤسسة «دار الهنا» هى الأخرى توفر أحيانا جزءا من احتياجات العلاج أو الغذاء، بينما قامت وزارة التضامن الاجتماعى بفرش الدار وتجديدها، إذ يعتبر الأثاث عهدة تابعة للوزارة.

وأوضحت مديرة الدار أن أبرز التحديات التى تواجه الدار تتمثل فى الارتفاع الكبير فى أسعار مستلزمات الرعاية اليومية، وعلى رأسها الحفاضات التى يحتاجها معظم المسنين بشكل دائم، مطالبة بتوفير دعم أو تبرعات لهذه المستلزمات الحيوية.

وأشارت رشا إلى أن الوزارة تتابع بشكل دورى للتأكد من مستوى النظافة وجودة الطعام المقدم للنزلاء، مؤكدة أن الدار توقفت عن استقبال بعض الحالات من السيدات اللاتى لهن أبناء يحصلون على معاشهن، نظرا لعدم التزام الأبناء بالإنفاق عليهن.

وتابعت مديرة الدار أن بنك الطعام كان فى السابق يمد الدار بحصص غذائية من اللحوم والبروتينات والأرز والمكرونة، إلا أن هذه المساعدات تحولت لاحقا إلى أصناف أقل مثل الجبن والعسل الأبيض والأسود واللبن البودرة، لافتة إلى أن الرد الرسمى الذى وصل إلينا من بنك الطعام كان بأن هذه هى طبيعة التبرعات الواردة إلى البنك.

وفيما يخص العاملين، أكدت مديرة الدار أن مرتباتهم ضعيفة لعدم وجود مصدر دخل ثابت أو تأمين اجتماعى، وأحيانا يساهم أبناء بعض المسنين بمبالغ بسيطة لدعم احتياجات الدار.

• الحاج عطاء الله: لم أختر الوحدة.. اخترت أن أعيش بكرامة

وفى دار رعاية للمسنين «دار الهنا»، يجلس الحاج عطاء الله على محمد، سبعينى بملامح بشوشة وروح مرحة، يرفض أن ينظر إلى نفسه باعتباره «كبير سن»، ويصر على أن يعيش حياته كما يحب.

يحكى الحاج عطاء الله عن قصته قائلا: «كنت أعمل فى قطاع البترول لسنوات طويلة، وبعد التقاعد وجدت نفسى وحيدا، انفصلت عن زوجتى بعد المعاش، وكنت أقيم بمفردى، وشعرت أن الوحدة أقسى من أى مرض، وبحثت عن مكان يوفر لى رعاية وحياة كريمة، فاخترت أن أعيش هنا».

ويضيف مبتسمًا: «أولادى متزوجون ولدى أحفاد، ويأتون لزيارتى باستمرار، وأراهم فى النادى حيث أقضى أيامى بين الرياضة والأنشطة، ولم يعترضوا على وجودى فى الدار، بل رحبوا لأنهم يعلمون أننى هنا أكثر راحة وأمانا».

الحاج عطاء الله لم يكتف بالحياة داخل الدار، بل تزوج فيها أيضا، ويصف قراره بأنه «غير تقليدى لكنه صائب».

ويستكمل الحاج عطاء الله حديثه، قائلا: «الرعاية داخل الدار جيدة جدا، لكن ما نتمناه أن يتم ضبط الزيادات فى الأسعار والإيجارات، حتى يستطيع أصحاب المعاشات المتوسطة أن يعيشوا بكرامة، خاصة وأن كبار السن لا يريدون الكثير، فقط الاستقرار».

• «دار الهنا» لرعاية المسنين: النظرة المجتمعية لدور رعاية المسنين تغيرت كثيرا

قال محسن أنور، مدير دار «الهنا» لدار المسنين، إن النظرة المجتمعية لدور رعاية المسنين بدأت تتغير تدريجيا، فبعد أن كانت تعتبر فى الماضى رمزا للإهمال و«مكانًا لترك الكبار»، أصبحت اليوم أكثر ارتباطا بمفهوم الرعاية والاهتمام، بفضل حملات التوعية وجهود المجتمع المدنى، مطالبًا بضرورة تضافر الجهود بين الوزارات، مثل تخصيص وزارة الرياضة أيامًا للمسنين فى الأندية.

ومن بين المواقف المؤثرة أيضا، قصة مسن أوصى أبناءه قبيل وفاته بالاعتناء بأحد الممرضين الذين ارتبط بهم إنسانيًا، وبالفعل تكفل أبناؤه بإقامته داخل الدار بعد رحيله، تعبيرا عن وفائهم لوصيته، وكذلك تكفل متبرعون بمصاريف جنازة الممرض بعد الوفاة الذى لم يكن له أقارب.

ولفت محسن إلى أن العلاقة مع أبناء النزلاء قد تكون معقدة فى بعض الحالات، إذ ينشغل البعض عن زيارة ذويهم لفترات طويلة، مما يترك أثرا نفسيا سلبيا على المسنين.

وأوضح أن إدارة الدار تتواصل مع الأهالى لتذكيرهم بضرورة الزيارة، مؤكدًا أن ساعة واحدة من اللقاء كفيلة بإحداث فارق نفسى ومعنوى كبير.

• مدير رعاية المسنين بـ«التضامن»: نستهدف التوسع فى إنشاء دور جديدة

قال مدير عام الإدارة العامة لرعاية المسنين بوزارة التضامن الاجتماعى، محمود شعبان، إن الدور الرئيسى للإدارة يتمثل فى وضع السياسات والخطط الخاصة بملف كبار السن، استنادا إلى الأطر التشريعية واللوائح المنظمة للعمل، مشيرا إلى أن الوزارة تسعى لتوفير مظلة رعاية شاملة تحقق الأمن الاجتماعى لهذه الفئة من خلال حزمة متكاملة من الخدمات.

وكشف شعبان، فى تصريحات لـ«الشروق» عن أن الوزارة تقدم خدمات صحية واجتماعية ونفسية داخل دور الرعاية، فضلا عن تنفيذ برامج للتمكين والدمج المجتمعى عبر مبادرات ولقاءات على مستوى الجمهورية.

وأضاف أن الوزارة تنظم أنشطة ثقافية وترفيهية ورحلات تساهم فى إدماجهم بالمجتمع، مؤكدا أن الوزارة تولى اهتماما خاصا بالمسنين الذين لا يملكون سندا أسريا.

وأشار مدير عام الإدارة العامة لرعاية المسنين إلى أن عدد دور المسنين على مستوى الجمهورية يبلغ نحو 176 دارًا، مؤكدا أن الوزارة تستهدف التوسع فى إنشاء دور جديدة وتطوير الأنشطة والخدمات بما يضمن حياة كريمة للمسنين.

وشدد على أن الوزارة تعمل على تشجيع مؤسسات المجتمع المدنى والقطاع الخاص للمساهمة فى تطوير الخدمات ولإنشاء دور رعاية مسنين، تنفيذا لما نص عليه قانون حقوق المسنين.

وعن اللائحة التنفيذية لقانون حقوق المسنين، كشف شعبان أن وزارة التضامن انتهت بالفعل من إعداد المقترح وأحالته إلى مجلس الوزراء وجار مناقشته بشأنه مع هيئة مستشارى مجلس الوزراء، مؤكدًا أن القانون يمثل خطوة مهمة لضمان حقوق كبار السن وتعزيز حمايتهم.

وأوضح أن كبار السن المستحقين يحصلون على الدعم المقدم من الوزارة وفق الشروط والضوابط المحددة بقانون الضمان الاجتماعى، منوها إلى برامج الدعم النقدى مثل «كرامة»، وشهادة «رد الجميل» من بنك ناصر الاجتماعى، بجانب الإعفاءات المقررة على وسائل النقل العام بنسبة 50 % لمن هم فوق 65 عامًا، و100 % لمن تجاوزوا السبعين.

وشدد شعبان على أن الوزارة تهتم بتأهيل وتدريب العاملين بدور الرعاية عبر برامج متخصصة لرفع كفاءتهم وتحسين مستوى الخدمات المقدمة، موضحًا أن من أبرز التحديات التى تواجه الملف استمرار النظرة التقليدية لكبار السن باعتبارهم عبئا بدلا من كونهم مصدر خبرة وقيمة، إلى جانب ضعف الوعى المجتمعى بحقوقهم رغم الجهود المبذولة لتغيير هذه الصورة.

وتابع أن الوزارة توفر الدعم الفنى والمالى للعاملين بالدور وتسعى بشكل دائم لبناء قدراتهم المهنية، فضلا عن تقديم الرعاية المجانية أو شبه المجانية للمسنين غير القادرين أو الذين لا يملكون سندًا عائليًا.

واختتم شعبان بتأكيد أن الوزارة تتابع بشكل دورى أداء دور المسنين من خلال مديريات التضامن بالمحافظات، إلى جانب الزيارات الميدانية وفريق التدخل السريع، بما يضمن رصد أى مخالفات واتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية العاجلة حيالها، موضحا أنه فى الوقت نفسه تم رصد ملاحظات ليست جسيمة وسرعان ما تتخذ الإجراءات اللازمة لتلافيها ومتابعتها بشكل مستمر لعدم تكرارها.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك