3 حكايات للأطفال هى «العصفور والإنسان» و«المؤمن والشيطان» و«الله وسؤال الحيران»
الحكايات تتميز بالحوار البسيط القوى المتقن والعبارة السهلة السلسة والكلمات المناسبة لسمع الأطفال
ريشة حلمى التونى تألقت فى تصوير وتجسيد أبطال الحكايات ورصدت بعذوبة وانسيابية لحظات خاصة فى الحكايات برزت عبر الخطوط الهادئة والتدرجات اللونية المريحة التى تناسب الأطفال فى هذه السن فضلا على إثارة خيالهم وشغفهم بالرسومات
أصدرت دار الشروق، يوم الأحد الماضى، الطبعة الثالثة من (حكايات توفيق الحكيم للصبيان والبنات) بالتزامن مع إصدار الكتاب الصوتى لـ«حكايات توفيق الحكيم للصبيان والبنات»، بصوت توفيق الحكيم نفسه.
الكتاب الورقى ذو طبيعة خاصة ومختلفة فى كتابات ومؤلفات الكاتب المبدع الكبير توفيق الحكيم (1898 ــ 1987)؛ إنه الكتاب الذى أعادت دار الشروق إصدار طبعة جديدة منه فى سياق مشروعها الثقافى الرائد بإتاحة طبعات جديدة من أعمال الرواد وأعلام الفكر والأدب والثقافة.
الطبعة الجديدة الثالثة عن دار الشروق صمم غلافها وأخرجها فنيا ورسم لوحاتها الفنان القدير حلمى التونى، علما بأن هناك طبعة مبكرة من هذه الحكايات صدرت عن الهيئة العامة للكتاب عام 1987 أخرجها وقام برسم حكاياتها الفنان الراحل الكبير مصطفى حسين.
يضم الكتاب ثلاث حكايات كتبت خصيصا للأطفال، وكعادته، يحاول فيها الحكيم أن يكتب عن طبيعة البشر وأسئلتهم الحائرة والوجودية بأسلوب أدبى سلس وعذب، وجاء فى كلمة الدار المحررة لطبعة الكتاب الجديدة «إن الذين عرفوا توفيق الحكيم (1898 ــ 1987) فى حياته يتذكرون أنه كان شبيها بشخصية «شهر زاد» فى ألف ليلة وليلة، فقد كان حديثه ممتعا وخياله واسعا وحكاياته اللطيفة العذبة لا تنتهى، وكان الحكيم دائما يروى قصصه بطريقة تمثيلية غاية فى الجاذبية».
توفيق الحكيم بالنسبة لأجيال عديدة هو البوابة السحرية للتعرف على جمال وبهجة الفن، وروعة القص، وعذوبة الكلمة إذا وضعت موضعها، الحكيم هو الذى يروى عنه أحد كبار النقاد: «بفضل توفيق الحكيم أدركت أن الفن الجيد لا بد أن تكون له مستويات فى المعالجة، لدى إحساس أن ما يكتبه هذا الرجل فيه أشياء لا أعرفها، ولكنى أحس بوجودها، إنه شىء أقرب إلى أن تشعر بأن هذه الوردة جميلة جمالا طاغيا، ولكنك عاجز عن وصف ذلك بالكلمات، لا تمتلك بعد أدوات التعبير عنه، رغم أنك تشعر به، بل إنه يمتلك عليك كل عقلك ووجدانك..».
وهذا ما فعله الحكيم بالضبط فى حكاياته التى كتبها للأطفال خصيصا؛ ثلاث حكايات قصيرة كتبت بسلاسة مدهشة وانتقاء دقيق جدا لكل كلمة ومفردة، بحيث يصل المعنى للسن التى يتوجه إليها الحكيم بقصصه؛ المتعة أولا، الحكاية التى تخلب الألباب وتثير الفضول؛ ثم المغزى الإنسانى الذى يدعم قيمة أخلاقية مما يستحب أن يتوجه به للأطفال فى تلك السن المبكرة.
الحكاية الأولى (العصفور والإنسان) نسجها الحكيم على غرار حكايات (كليلة ودمنة)؛ مما يدور على ألسن الحيوان والطير؛ وببراعته الحوارية المذهلة ينشئ الحكيم حوارا بسيطا لكنه عميق وممتع بين عصفور صغير وأبيه يسأله فيه عن أفضل المخلوقات وهل هى أفضلها فعلا؟ ويسأله عن السعادة؟ من خلال الحوار الذى يسوقنا إلى نهاية القصة ذات المغزى الأخلاقى نعرف أن آفة الإنسان الكبرى هى الطمع؛ وأن التواضع والرضا والقناعة هى غاية الفضائل.
لا يقول الحكيم ذلك صراحة ولا يعلو صوته أبدا؛ إنما يتركنا نستمتع بالحكاية ونتابع الحوار بين العصفور الابن والعصفور الأب ونعجب بذكاء العصفور الأب الذى يتحايل على الإنسان الذى يقع فريسة لطمعه ونعجب أكثر بالدرس الذى يلقنه العصفور إلى الإنسان!.
أما الحكاية الثانية (المؤمن والشيطان)، وهى تدور حول صراع بين مؤمن بالله وشيطان رجيم؛ نتابع الحوار الذى يبدأ من رغبة المؤمن بإزالة شجرة يعبدها الناس من دون الله، ويواجهه إبليس اللعين ليصرفه عن هذه الغاية، ويحاول إغواءه. سينتصر المؤمن فى البداية على الشيطان حينما يكون قلبه معلقا بالله خالصا له؛ وحينما ينسى هذا ويتخلى عن غايته؛ ينجح الشيطان فى الانتصار عليه ويغلبه!.
ولا تنفصل الغاية الأخلاقية الوعظية فى هذه الحكاية عن سابقتها، وإن كانت تتوسل هذه المرة بالأمثلة المباشرة فى الصراع الدائر بين المؤمن والشيطان.
وأخيرا تأتى الحكاية الثالثة بعنوان (الله وسؤال الحيران)، وهى مستلهمة من قصة شهيرة كتبها توفيق الحكيم للكبار بعنوان «أرنى الله»؛ إنها تدور حول السؤال الشهير الذى يتوجه به طفل صغير برىء إلى والده الكبير؛ يقول له إنه يريد أن يرى الله.. ويحاول الأب أن يبحث عن طريقة يحقق بها رغبة طفله الصغير، فيخوض رحلة بحث مثيرة، تكشف فى النهاية عن أن الله سبحانه وتعالى يدرك أثره ونعرفه من وعينا بخلقه ومخلوقاته، لكنه لا يرى بأعيننا لأننا أعجز من أن نراه بقدراتنا المحدودة.
يميز الحكايات الثلاث كعادة الحكيم؛ الحوار البسيط القوى المتقن، والعبارة السهلة السلسة، والكلمات المناسبة لسمع أطفال يتلقون الحكايات سماعا قبل القراءة، ولا ننسى أبدا أن ريشة الفنان المبدع الكبير حلمى التونى تألقت فى تصوير وتجسيد أبطال الحكايات ورصدت بعذوبة وبساطة وانسيابية لحظات خاصة فى الحكايات؛ برزت عبر الخطوط الهادئة والتدرجات اللونية المريحة التى تناسب الأطفال فى هذه السن فضلا على إثارة خيال الأطفال وشغفهم برسومات تنتقى نقاطا مفصلية فى الحكايات بقدر ما تصور وتجسد بقدر ما توحى وتلهم وتشعل المخيلة وحفظها.
إنها «تجربة فريدة وغير مسبوقة»، كما وصفها المرحوم عبدالتواب يوسف فيما نشره عن الحكايات فى كتاب أصدره المجلس الأعلى للثقافة، يوسف استرعاه الكتاب بمادته الحكائية، وقيمته الفنية، وقيمة كاتبه، خصوصا أن تجربة الحكيم فى الكتابة للأطفال من النواحى شبه المجهولة فى تجربته الإبداعية ككل، بالإضافة إلى أن توفيق الحكيم لم يقتحم مجال أدب الأطفال، لا كاتبا فحسب، بل وراويا أيضا لما كتب (فى إشارة إلى التسجيل الصوتى المصاحب للنسخة الورقية من الكتاب فى طبعته الأولى).
كانت دار الشروق، قد أصدرت يوم الأحد الماضى، الكتاب الصوتى لـ«حكايات توفيق الحكيم للصبيان والبنات»، بصوت توفيق الحكيم نفسه، على منصة «اقرأ لى» للكتب الصوتية، وقريبا على منصات صوتية أخرى، وذلك تزامنا مع إصدار الدار للطبعة الثالثة الورقية من الكتاب يوم الأحد الماضى.
ويضم الكتاب، الذى صدرت طبعته الأولى من دار الشروق فى 2005، والواقع فى 32 صفحة، 3 حكايات بعنوان: «العصفور والإنسان ــ المؤمن والشيطان ــ الله وسؤال الحيران»، ويمكن الاطلاع على صفحة الكتاب بموقع دار الشروق عبر الرابط التالى: www.shorouk.com/HekayatElhakim.

لوحة حلمي التوني

غلاف ورسوم مصطفي حسين علي طبعة هيئة الكتاب الصادرة عام 1987

المؤمن والشيطان ٣

الله وسؤال الحيران ٢

العصفور الانسان ٣
