رباعيات الخيام بين الأسطورة وما يقارب الحقيقة - بوابة الشروق
الأحد 7 ديسمبر 2025 12:31 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

كمشجع زملكاوي.. برأيك في الأنسب للإدارة الفنية للفريق؟

رباعيات الخيام بين الأسطورة وما يقارب الحقيقة

محمود عماد
نشر في: السبت 6 ديسمبر 2025 - 11:24 ص | آخر تحديث: السبت 6 ديسمبر 2025 - 11:24 ص

تمر هذه الأيام ذكرى رحيل الشاعر الفارسي ذائع الصيت عمر الخيام، الذي وُلد في 18 مايو عام 1048، ورحل في 4 ديسمبر عام 1131، إذ يحظى بشهرة وتأثير عالمي يمتد عبر القارات، ويتخطى حدود الثقافات؛ ليصنع تجربة فريدة في التواصل بين اللغات.

يُعد "الخيام" متعدد المواهب؛ فقد برع في الجبر والهندسة والرياضيات، وكان من النابغين في علوم الفلك، حيث اهتم بالتفاصيل الدقيقة للتقويم وحركات الكواكب والنجوم، كما أنه قرأ كثيرا واطّلع على العلوم المختلفة، ويمكن اعتباره فيلسوفا كبيرا، وعالما في الدين، وله مؤلفات عديدة خطها بقلمه.

هذه المواهب والنبوغ جعلته مقدرا في حياته، مقربا من الملوك، وضيفا شبه دائم في البلاط الملكي، خاصة في الدولة السلجوقية، لكن هذا ليس ما صنع عظمة عمر الخيام، فقد كان يمكن لغيره أن يفعل الشيء نفسه، بل ربما حدث بالفعل في عصره، إذ كان التفوق في العلوم والمعارف من سمات ذلك الزمن.

شهرة الخيام و"الرباعيات"
شهرة الخيام التي كسرت الحدود وتجاوزت اللغات هي عمله الأبقى "الرباعيات"، أو ما صار يُعرف بـ "رباعيات الخيام"؛ إذ تشير كلمة "رباعيات" إلى أي مجموعة من المقطوعات الشعرية المكونة من أربعة أبيات، وقد نُسب إلى الخيام أكثر من ألفي رباعية، في حين أن المؤكد أنه نظم أقل من مائتي رباعية.

الرباعيات الصحيحة والسقيمة
ينظر دارسو حياة الخيام وآثاره إلى الرباعيات المنسوبة إليه من زاويتين: الأولى تعتمد المستندات والمخطوطات، والثانية تستند إلى فكره وفلسفته وأسلوبه، فيما تتوزع الرباعيات المنسوبة للخيام إلى ثلاثة أنواع:

أولا: رباعيات تتحدث عن الفقر
كان الخيام ذا مكانة اجتماعية وثقافية مرموقة، يعيش حياة مرفهة، ويتقاضى -كما يذكر الخاقاني- عشرة آلاف دينار سنويا، وهو مبلغ خيالي في عصره؛ لذا فالرباعيات التي تشكو الفقر والحرمان ليست له قطعا، أما القناعة التي تظهر في بعض رباعياته الصحيحة فهي موضوع آخر لا علاقة له بالفقر.

ثانيا: رباعيات تتناول الفساد والفضائح
بعض الرباعيات تتحدث عن الاستخفاف بالقدر، واللجوء إلى الحانات، والتورط في الفضائح، وهي لا تتناسب مع شخصية عالم كبير لُقب بـ "حجة الحق" و"الإمام"، ألقاب تدل على مكانته العلمي، لكن كيف لمن كان إماما وحجة للحق نهارا أن يكون متسكعا في الحانات ليلا؟، لذا هذه النصوص ليست من شيم الخيام ولا من تراثه.

ثالثا: الرباعيات الصحيحة
الرباعيات التي يعتبرها النقاد صحيحة لا تتجاوز مائتي رباعية، وهي تتناول أسئلة الوجود والقدر والمصير والجبر والاختيار، والتمييز بين الزهد الحقيقي والزهد المزيف، والدعوة إلى الصدق والعدل وخدمة الناس.

ويطرح الخيام أسئلته لا لإنكار، بل لتحريض الأذهان على الحركة ومحاولة الوصول إلى المعرفة، فهو فيلسوف يقف بين الحزن والقلق أحيانا، والغضب والحيرة أحيانا أخرى.

أسلوب الرباعيات
تتميز الرباعيات بلغة سلسة بلا تكلف، تمس حياة البشر دون تمييز طبقي. وتستخدم مفردات قابلة للتأويل مثل القدح والإناء والكأس، وهي مستمدة من بيئة نيسابور المشهورة بصناعة الفخار.

وقد تأثر الخيام بفلسفة ابن سينا، التي ترى الذرة أصلا لكل شيء، وأن الجسد يتحول بعد الموت إلى تراب، ومنها تُصنع الأواني، فيحضر هذا المعنى في صورة الروح داخل الجسد كما الخمر في الإناء.

الحكايات المبالغ فيها حول الخيام
من الحكايات المنتشرة -وإن كانت أقرب للمبالغة- أنه نصب مائدة للخمر وأنشد رباعيات احتجاجا على القدر، ومع ذلك يشكك المحققون في صحة نسبة هذه الرباعيات إليه، نظرا لشخصيته ومنزلته.

الترجمات العربية للرباعيات
اهتم العديد من الشعراء العرب بترجمة الرباعيات، مثل وديع البستاني ومحمد السباعي وأحمد زكي أبو شادي وإبراهيم المازني وعلي محمود طه والعقاد وغنيمي هلال.

ومنهم من ترجم عددا محدودا، ومنهم من ترجم مئات الرباعيات، مثل الزهاوي، بينما ترجم عبدالحق فاضل 381 رباعية، لكن الترجمة الأبرز عربيا هي ترجمة أحمد رامي، الذي درس الفارسية خصيصا لنقل الروح الأصلية للنص، وقد ازدادت شهرتها بعد أن غنت أم كلثوم بعضها.

شهرة الرباعيات في الغرب
من المدهش أن تنال الرباعيات -بنصوصها ذات الطابع الشرقي- شهرة واسعة في بريطانيا الفيكتورية، وقد ترجمها إدوارد فيتزجيرالد عام 1859، العام الذي صدر فيه "أصل الأنواع".

ولم يُلتفت إلى الترجمة في البداية، ثم اكتشفها الشاعر دانتي غابرييل روزيتي، فسعى إلى نشرها، لتصبح بعدها واحدة من أشهر القصائد المترجمة في الغرب.

إرث الخيام بين الأسطورة والحقيقة
تتأرجح صورة الخيام بين أسطورة قائمة على المجون والخمر والعبث، وهي صورة تناسب المخيلة الغربية عن الشرق، وبين حقيقة عالم وفيلسوف متدين متسائل، قد يكون جرب الخمر أو عاش لحظات مجون، لكن بدافع البحث عن الحقيقة لا العبث.

عدد الرباعيات الصحيحة أقل بكثير مما نُسب إليه، لكن ذلك لا يؤثر في أسطورته، التي تظل رمزا لفلسفة وجودية عميقة وإبداع أدبي عابر للحدود.

لقد أصبح عمر الخيام -الشاعر المتشكك الذي قد لا نعرف يوما إن كان ماجنا أم زاهدا- جسرا بين الثقافات، وخالدا في ذاكرة الشرق والغرب على السواء.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك