قلق الشارع.. كيف يؤثر انتشار الكلاب الضالة على إحساس المصريين بالأمان؟ - بوابة الشروق
الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 4:17 م القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

كمشجع زملكاوي.. برأيك في الأنسب للإدارة الفنية للفريق؟

قلق الشارع.. كيف يؤثر انتشار الكلاب الضالة على إحساس المصريين بالأمان؟

رنا عادل وسلمى محمد مراد
نشر في: الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 - 9:55 ص | آخر تحديث: الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 - 9:55 ص

لم يعد انتشار الكلاب الضالة في الشوارع المصرية مجرد مشهد اعتيادي أو مشكلة خدمية، بل تحول إلى قضية نفسية تؤثر مباشرة على إحساس المواطنين بالأمان.

وتتنوع الحالات بين الهجمات العشوائية، والحوادث أثناء الدفاع عن الأطفال، وصولاً إلى حالات مألوفة بالنسبة للناس الذين اعتادوا على وجود الكلاب في الشوارع.

وتحكي إحدى الفتيات من إحدى قرى أشمون عن عمتها المصابة التي كانت تحمي الأطفال الصغار من هجمة كلب، فعضها الأخير في ذراعها، توجهت المصابة إلى المستشفى لتلقي حقن العقر، لكن الزحام الشديد في المستشفى وتأخر الحصول على الجرعات زاد من معاناة المرضى، خاصة مع وجود الكثير من المصابين الآخرين في نفس الوقت.

وفي قرية بمركز الشهداء بالمنوفية، تعرضت سيدة كانت تسير في شارعها المعتاد لهجوم مفاجئ من كلب كان يجلس عادة في نفس المكان بهدوء، لم يتوقع أحد أن يهاجمها فجأة، ما أدى إلى إصابتها بجروح بالغة، وأكدت أنها شعرت بالرعب الشديد بسبب تغير سلوك الكلب المفاجئ.

كما روت شاهيناز محمد تجربتها الشخصية مع عضة كلب شارع، قائلة إنها من محبي الكلاب ومربية سابقًا، لكنها تعرضت لهجوم مجموعة من الكلاب أثناء نزولها لركوب سيارتها، وأضافت: "لولا تدخل شابين لم أكن أعلم ما الذي كان سيحدث لي، شعرت برعب غير طبيعي ولم أفهم لماذا هاجموني، خاصة وأنني معتادة على المنطقة منذ 3 سنوات"، وأوضحت أنها الآن تعيش حالة من الصراع الداخلي، بين حبها للكلاب ووعيها بالمخاطر التي تمثلها على الأطفال والكبار.

أما إستار محسن، فأكدت أن حبها للحيوانات الأليفة واحترامها لها لا يعني التغاضي عن الأخطار، وقالت: "أنا مؤمنة بأن الحيوانات شريكة الإنسان، لكن لا يمكنني قبول فكرة أن أحدهم يعتقد أن الكلب يعضني لأنني استفزته، فأنا كنت ماشية في طريقي وأفكر في أمور حياتي العادية"، وأشارت متهكمة إلى الصعوبة في التعامل مع كلاب مجروحة عاطفيًا يمكن أن تشكل خطرًا على البشر.

وفي حالة مختلفة، يروي مروان نادر تجربة عقر كلبه له، موضحًا أنه بالرغم أن الكلب عضه وأجبره على أخذ حقن العقر، إلا أنه لا يريد معاقبته، لأنه يكن له مشاعر كبيرة.

وتوضح هذه الحالات أن حوادث عقر الكلاب لا تقتصر على الإهمال أو استفزاز الحيوانات، بل تشمل مجموعة معقدة من العوامل، كما أن هذه الحوادث تترك أثرًا نفسيًا كبيرًا على المواطنين، خاصة الذين لديهم مشاعر مختلطة بين الحب والتعاطف مع الحيوانات والخوف من الأخطار.

وفي هذا الشأن يوضح الدكتور محمد فوزي عبدالعال، أستاذ الطب النفسي بكلية الطب جامعة أسيوط، في تصريحات خاصة لـ "الشروق"، أن المناطق التي تزداد فيها تجمعات الكلاب أو يتكرر فيها نباحها وحوادث المطاردة تصبح بيئات محفزة للقلق، خصوصًا لدى الأطفال والسيدات وكبار السن، ممن ترتفع لديهم حساسية الاستجابة للخطر.

 

لماذا يثير وجود الكلاب الضالة شعورًا بالتهديد؟

ويشير الدكتور عبدالعال إلى أن الشعور بالتهديد الذي تسببه الكلاب الضالة له جذور نفسية واضحة، فالجهاز العصبي مبرمج على تنشيط دائرة الخوف عند استشعار أي كائن قد يمثل تهديدًا جسديًا، وهو ما يجعل وجود الكلاب في الشارع عنصرًا محفزًا للخوف حتى لو لم يحدث احتكاك مباشر.

ويتابع أن الذاكرة الجمعية للمصريين تلعب دورًا مهمًا، فحوادث العقر المتكررة تخلق رصيدًا من القصص والخبرات السلبية التي تعزز الإحساس بأن الخطر حقيقي، بينما يزيد فقدان الإحساس بالسيطرة من حدة القلق لدى الكثيرين، خاصة عندما يشعر الشخص بعدم القدرة على حماية نفسه أو أطفاله.

 

الأثر النفسي لانتشار الكلاب الضالة.

ويؤكد الطبيب، أن هذه العوامل تنعكس على الحياة اليومية من خلال ارتفاع معدلات القلق المسبق، إذ يلجأ البعض لتغيير طرق سيرهم أو تجنب الخروج في أوقات معينة خوفًا من مواجهة كلب ضال.

كما يتراجع الإحساس بالأمان في المساحات العامة، فالأمهات يقللن من حركة أطفالهن في الشارع، وكبار السن يترددون في الخروج ليلًا أو فجرًا، لتتحول مساحات يفترض أن تكون مريحة وطبيعية إلى مناطق محفوفة باحتمالات الخطر.

ويضيف أن الأطفال أكثر عرضة للتأثر، إذ تظهر عليهم أعراض مثل الكوابيس ونوبات البكاء والتشبث بالأهل قبل الذهاب إلى المدرسة، خاصة عندما يرتبط طريقهم اليومي بوجود كلاب ضالة.

 

ماذا تقول الدراسات النفسية؟

وتدعم الدراسات النفسية الحديثة هذه الملاحظات، فالمخ يتعامل مع الحيوانات غير المتوقعة كمنبهات تهديد قوية، خصوصًا في الأماكن غير المنظمة أو المظلمة.

ويوضح، أن تقديرات عام 2024 تشير إلى أن نحو 38% من السكان يعانون درجات من القلق المرتبط بالحيوانات الضالة، بينما يربط 62% من الأطفال خوف الذهاب إلى المدرسة بوجود الكلاب في الطريق، كما ترتفع مستويات عدم الأمان بنسبة تصل إلى 70% في المناطق التي تتجمع فيها الكلاب ليلًا.

 

من الأكثر عرضة للتأثر؟

ويلفت الدكتور عبدالعال إلى أن أكثر الفئات تأثرًا بهذه الظاهرة تشمل الأطفال الذين لا يستطيعون التمييز بين الخطر الحقيقي والمتخيل، والسيدات اللاتي تتشكل لديهن مخاوف إضافية بسبب الخبرات السلبية المتداولة، فضلًا عن كبار السن الذين يجعلهم بطء الحركة أكثر شعورًا بالعجز أمام أي موقف مفاجئ، كما يتأثر مرضى القلق والوسواس القهري بشكل مضاعف، وقد يتعرضون لنوبات هلع أو أفكار قهرية مرتبطة بالخطر أو العدوى.

 

التداعيات طويلة المدى

أما على المدى البعيد، فيحذر الطبيب من تداعيات نفسية ومجتمعية قد تتسع مع الوقت، أبرزها تجنب الخروج من المنزل بما يؤدي إلى العزلة وضعف جودة الحياة، بالإضافة إلى نشوء مشاعر سلبية تجاه المنطقة السكنية قد تدفع البعض إلى الانتقال، فضلًا عن تراجع الثقة في الخدمات العامة عندما يشعر المواطن أن سلامته غير محمية بما يكفي.

 

كيف نواجه المشكلة نفسيًا ومجتمعيًا؟

ويرى الخبير أن التعامل مع المشكلة يجب أن يجمع بين البعد النفسي والاجتماعي، من خلال تقليل نقاط الخطر في الشارع مثل تنظيم المخلفات، وإغلاق الأماكن المهجورة، وتحسين الإضاءة الليلية.

كما يشدد على أهمية حملات التوعية التي تُعلم المواطنين سلوكيات التعامل الآمن دون خلق حالة ذعر مجتمعي، مع التركيز على تدريب الأطفال على استراتيجيات بسيطة مثل عدم الركض أمام الكلاب وتجنب الاقتراب منها والسير في مجموعات.

ويؤكد أن للإعلام دورًا محوريًا في نشر المعلومات الصحيحة وتهدئة القلق الجماعي بعيدًا عن التهويل.

ويختتم الدكتور محمد فوزي عبدالعال حديثه، موضحًا أن قضية الكلاب الضالة ليست مجرد ملف خدمي، بل مسألة نفسية تمس الإحساس الجمعي بالأمان داخل الشارع المصري، فالتعرض المستمر لمصادر الخوف يعزز مستويات القلق وينعكس على سلوكيات الحياة اليومية، ما يجعل الجمع بين الحلول التنظيمية والتوعية النفسية الطريق الأكثر فعالية لاستعادة الطمأنينة التي يحتاجها المواطن في محيطه العام.

 



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك