جولة في «المراسلات السرية بين سعد زغلول وعبدالرحمن فهمي» (3).. «ماء البصل» كحبر سري لكتابة المراسلات - بوابة الشروق
الإثنين 6 مايو 2024 11:39 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جولة في «المراسلات السرية بين سعد زغلول وعبدالرحمن فهمي» (3).. «ماء البصل» كحبر سري لكتابة المراسلات

حسام شورى
نشر في: الأحد 10 مارس 2019 - 12:10 م | آخر تحديث: الأحد 10 مارس 2019 - 7:21 م

تألفت سكرتارية فنية بشأن هذه الرسائل تعمل تحت إشراف عبدالرحمن فهمى
فهمي أخفى حقيبة الرسائل قبل اعتقاله والحكم عليه بالإعدام
وبعث مراسلاته عن طريق «عائلة إفرنجية» شغل أحد افرادها مركزا كبيرا بجيش الحلفاء


تواصل «الشروق» على مدار شهر مارس عرض مجموعة من الكتب، الحديثة والقديمة، التي تروي جوانب مختلفة لتأريخ وتوثيق أحداث ثورة 1919 من الأسباب إلى المآلات.

وثاني كتاب نتجول بين صفحاته هو «دراسات في وثائق ثورة 1919»..«المراسلات السرية بين سعد زغلول وعبدالرحمن فهمي»، الذي يزيح الستار عن جانب خفي من نضال الوفد، ومن شخصية الزعيم سعد زغلول، وسكرتير اللجنة المركزية للوفد عبدالرحمن فهمي، وهو الجانب الذي لم يكن معروفًا حتى عثر الأستاذ الدكتور محمد أنيس على هذه المراسلات التي مكَن نشرها الباحثين من تركيب صورة تاريخية لثورة 1919 كان من المستحيل التوصل إليها من دون الاستعانة بهذه الوثائق.

بلغ عدد المراسلات السرية (مكتوبة بالحبر السري) المرسلة من سعد زغلول إلى عبدالرحمن فهمي 30 رسالة، من 23 يونيو 1919 إلى 28 أبريل 1920، كما بلغ عدد التي أرسلها فهمي لسعد 29 تقريرًا بدأت من 23 يوليو 1919 وحتى مايو 1920.

تناولت تلك المراسلات قضايا مهمة مثل (خروج إسماعيل صدقي ومحمود أبو النصر من الوفد، ومقاطعة لجنة ملنر، وحركة الأمراء، ووحدة عنصر الأمة والتكتل الأرستقراطي)؛ فكل تقرير كان يشمل مسائل متعددة.

وتقارير عبدالرحمن فهمي تشمل عرضا لأهم الأحداث العلنية والسرية التي كانت تدور في مصر؛ وكان يعطي من خلالها للوفد في باريس صورة عن الموقف في مصر، بينما كان سعد يعطي لعبدالرحمن فهمي رأي الوفد في كثير من المسائل التي تجري في مصر لتسير اللجنة المركزية للوفد على هديها.

الكتاب صدرت طبعته الأولى في عام 1963 للدكتور محمد أنيس (1921-1986) أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، ومؤسس مركز وثائق وتاريخ مصر المعاصر (1967- 1975)، والرئيس الأول له، وهو المركز الذي قام تحت إشرافه بجمع شتات العديد من الوثائق المهمة، وأعادت دار الشروق نشر هذا الكتاب في 2019 ، ويقع في 242 صفحة، من القطع المتوسط.


•••••

 

ذكرنا في الحلقة السابقة قصة «التلغراف المشؤوم» التي دفعت عبدالرحمن فهمي إلى ضرورة إيجاد وسيلة للاتصال السري بين الوفد في باريس واللجنة المركزية في مصر، تفاديا للرقابة والسلطة العسكرية، ليطلع فهمي سعد من ناحية على الموقف في مصر بكل تفاصيله، ولتكون لدى اللجنة المركزية في مصر توجيهات سعد من ناحية أخرى.

ونركز في هذه الحلقة على الطريقة التي اعتمد عليها عبدالرحمن فهمي وسعد زغلول حتى تكون مراسلاتهم سرية.

 

- طريقة كتابة المراسلات السرية
طلب عبدالرحمن فهمي من محمد وجيه، وهو أحد الذين كانوا يعملون مع سعد وقت أن كان مديرا للجامعة المصرية أن يطلب إجازة ثلاثة أشهر ونصف من الجامعة وأن يعمل كسكرتير خاص لسعد زغلول في باريس، ويقول فهمى: قد فهمت من الأستاذ محمد صادق فهمى (محامي ومستشار ووكيل كلية الحقوق سابقا) ما يلى:

1- أن محمد وجيه سافر لهذه المهمة وانتدب محمد صادق فهمى للعمل مكانه كسكرتير للجامعة مدة غيابه وأنه مما سهل هذا كله أن سعد زغلول كان مديرا للجامعة وكان على بهجت، وكيل الجامعة، يسهل عمليه الندب هذه.

2- تألفت سكرتارية فنية بشأن هذه الرسائل تعمل تحت إشراف عبدالرحمن فهمى وكانت مؤلفة من أحمد ماهر ومحمد صادق فهمى، واستخدمت اللجنة «ماء البصل» كحبر سرى في المراسلات.

3- أن الأستاذ محمد وجيه كان يرسل الخطاب على صفحات مجلة فرنسية أو إنجليزية، دون أن يفك المجلة في أعلى الصفحات بل يفك الخيط الذي يربط ملازم المجلة بعضها البعض فيكتب الرسالة ثم يعيد ربطها بالخيط، كان يراعي أن تكون المجلة علمية ويرسلها إلى الجامعة حتى لا تثير الشكوك، ويتسلمها محمد صادق فهمي ويسلمها إلى عبدالرحمن فهمي الذي يتولى مع أحمد ماهر وصادق فهمي كي الصفحات فتتبين الكتابة وتقرأ الرسالة.

وكان عبدالرحمن فهمي يرسل رسائله السرية إلى سعد بنفس الطريقة، ويقول الدكتور محمد أنيس إنه، خلال بحثه، لم يعثر على خطابات عبدالرحمن فهمي بالحبر السري، وإنما وجد فقط أصول هذه الخطابات أي مسوداتها بخطة هو.

- ليست الطريقة الوحيدة!
هذه لم تكن الطريقة الوحيدة التي كان يرسل بها عبدالرحمن فهمي ما يريده إلى سعد، ذلك أنه في حالة وجود الكثير من الوثائق والمستندات والصور عن فظائع الإنجليز في مصر، كان فهمي يحتاج إلى شخص مسافر ليحملها إلى سعد في باريس.
ومن أمثلة ذلك، المستندات الأولى التي طلبها الوفد عن فظائع الإنجليز في نزلة الشوبك والعزيزية، فقد ذكر فهمي الطريقة التي أرسلها بها إلى سعد زغلول، وذلك عن طريق «عائلة إفرنجية» يشغل أحد أفرادها مركزا ساميا بجيش الحلفاء الذي كان محتلا فلسطين وسوريا، وكانت هذه العائلة قد قررت العودة إلى أوربا.

- الرسائل السرية مسؤولية شخص جديد
وفي سبتمبر 1919 كان لابد لمحمد وجيه أن يعود إلى مصر بعد انتهاء إجازته، وطلب سعد إرسال سكرتير آخر واشترط فيه أن يتقن الإنجليزية، واختار عبدالرحمن فهمي، محمد كامل سليم ليقوم بهذا العمل، وبالفعل سافر باريس ليعمل كسكرتير ومترجما للوفد، ويتولى أمر هذه المراسلات السرية.

وكان محمد كامل سليم حينها وكيلا لإحدى المدارس الثانوية، وبالرغم من أنه كان معروفا لبقية أعضاء الوفد ظلت مسألة الرسائل السرية غير معروفة لأعضاء الوفد أو لأحد من أعضاء اللجنة المركزية في مصر، وانحصرت فقط بين سعد زغلول وعبدالرحمن فهمي، ولكن محمد كامل سليم اكتسب في مهامه الجديدة مع الوفد وضع قانوني باعتباره المترجم الرسمي للوفد، بينما لم يكن لمحمد وجيه أي وضع قانوني في الوفد، وإنما كان يجتمع بسعد بعد انفضاض اجتماعات الوفد ليمليه الرسالة المرسلة إلى عبدالرحمن فهمي.

- مصير المراسلات
وقبل أن نمضي في عرض أهم القضايا التي تناولتها هذه المراسلات يجدر الإشارة إلى أن عبدالرحمن فهمي كان يحتفظ بهذه المراسلات في حقيبة سوداء، فلما أحس في صيف 1920 بأن ثمة شيء يدبر له من السلطات الحاكمة أخفى الحقيبة عند بعض أقاربه.
ولم يخب ظنه فقد اعتقل في أول يوليو كمتهم أول في قضية المؤامرة الكبرى، إلى جانب 27 آخرين بتهمة تأسيس (جميعة الانتقام) بغرض خلع السلكان أحمد فؤاد وقلب حكومته والتحريض على العصيان والقتل.

ويؤكد عبدالرحمن فهمي في مذكراته أن هذه القضية ملفقة، وانتهت بصدور حكم بإعدامه ثم تخفيفه إلى 15 سنة حتى خرج مع غيره من المسجونين السياسين خلال الاعفاءات السياسية التي صدرت في أوائل عهد وزراة سعد زغلول في 1924 .

وغدا حلقة جديدة.....



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك