عرفنى على هذا الإنسان المتميز محمد أبو الغار، صديقى الأستاذ محمود سالم، الكاتب والصحفى المعروف. ومنذ أن جلست معه مرة واحدة أدركت أن هذا رجل من طراز غير عادى. كنت قد سمعت الكثير عن نبوغه وشهرته العلمية الواسعة، ولما تحدثت معه وجدت إنسانًا متواضعًا دمثًا وودودًا، يخفى تحت بساطته الظاهرة وابتسامته الحية، علما غزيرا، وعقلًا حاد الذكاء، وتجربة حياتية كبيرة.
ثم التقيت به فى داره الجميلة رغم بساطتها، فرأيت مكتبته العامرة بالكتب فى شتى العلوم والفنون بعدة لغات، ورأيت الجدران مزينة بلوحات فنية، منتقاة بعناية، وكلها تعكس ذوقًا رفيعًا ومعرفة عميقة بالرسم.
وتأكد لى بعد ذلك من لقاءاتنا المتعددة، خلال زياراتى المتكررة للقاهرة، أن هذا الرجل العالم الأديب المستنير، هو من طراز العلماء العرب المسلمين الأوائل أيام كانت الحضارة العربية الإسلامية فى أوج ازدهارها. أولئك العلماء أمثال ابن سينا وابن رشد الذين كانت عقولهم تتسع لشتى أنواع المعرفة، وأريحيتهم الذهنية وتسامحهم الروحى يستطيعان أن يجمعا شمل الأفكار المتناقضة والمؤثرات المتضاربة.
ولا أبالغ إن قلت إن محمد أبو الغار، فيه سمات كثيرة من سمات رجال عصر التنوير الأوروبى، الذى يوصف الواحد منهم بأنه Renaissance man رجل من عصر التنوير، هذا رجل مضىء، فمن أين له كل هذا الضوء؟
ويضيف الأديب الكبير الطيب صالح فى مقدمته لكتاب «على هامش الرحلة»، أنه يعتبر سيرة الدكتور محمد أبو الغار نفسه، مثلًا واضحًا على أن العقل العربى المسلم، قادر على استيعاب أكثر أنواع العلوم والتكنولوجيا تعقيدًا وهضمها على قدم المساواة مع النابغين والعبقريين فى أى بقعة فى العالم. وهذا العقل العربى قادر على استيعاب أحداث الـ Synthesis، المطلوب لإنشاء حضارة جديدة، تركز على موروثنا الحضارى العميق الجذور وحكمتنا البعيدة الغور ويستفيد من الأفكار الحديثة الوافدة علينا.
وفى الختام أقول دون تردد أو مجاملة: إن كتاب (على هامش الرحلة) للدكتور محمد أبو الغار، كتاب بديع يجد فيه القارئ متعة وفائدة عظيمين، ولعله لا يزال فى صدر محمد أبو الغار كتاب آخر، يتحدث فيه عن مغامراته الفكرية والروحية بإسهاب أكثر بأسلوبه السهل العميق، وعقله الرصين المبدع.
من مقدمة كتاب «على هامش الرحلة»