فى مذكراته لرجاء النقاش.. نجيب محفوظ: الحكايات الشهيرة عن بخل توفيق الحكيم وعدائه للمرأة أقرب إلى الدعاية منها للحقيقة - بوابة الشروق
الأربعاء 3 سبتمبر 2025 5:03 ص القاهرة

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

برأيك.. من البديل الأنسب لـ ريبيرو في النادي الأهلي؟

فى مذكراته لرجاء النقاش.. نجيب محفوظ: الحكايات الشهيرة عن بخل توفيق الحكيم وعدائه للمرأة أقرب إلى الدعاية منها للحقيقة


نشر في: الجمعة 11 أغسطس 2023 - 8:51 م | آخر تحديث: الجمعة 11 أغسطس 2023 - 8:51 م

يتحدث الأديب الكبير نجيب محفوظ فى كتاب صفحات من مذكرات نجيب محفوظ لرجاء النقاش، الصادر عن دار الشروق عن شخصيات تأثر بهم وشكلوا وعيه، فقال إن توفيق الحكيم له مكانة خاصة فى قلبه: «وربما أكون تأثرت بطه حسين إلى حد بعيد، ولكن توفيق الحكيم هو الوحيد الذى ارتبطت به وجدانيا وروحيا وعشت معه سنوات طويلة كظله. وعلاقتى بالحكيم تعود إلى عام 1974. ففى ذلك العام صدرت روايتى «زقاق المدق»، وكان الحكيم من نجوم الأدب، وقد قرأ هذه الرواية بناء على نصيحة من مدير الأوبرا آنذاك محمد متولى. ثم طلب الحكيم مقابلتى، وذهبت إليه فى مقهى «اللواء» الذى كان يقع فى مواجهة البنك الأهلى المصرى.
ومنذ أن قابلت الحكيم لأول مرة لم تنقطع علاقتنا حتى آخر مرة زرته فى المستشفى، وكانت قبل وفاته بأيام. كانت حالة الحكيم الصحية متدهورة جدا، حتى أنه لا يكاد يتعرف على زواره. ويبدو أنه أصيب بضمور فى عروق رأسه أثرت على ذاكرته، وهى شبيهة بالحالة التى أصابت الأستاذ أحمد بهاء الدين رحمهما الله. وعندما خرجت من حجرة توفيق الحكيم بالمستشفى قلت لمرافقى خلال الزيارة، الدكتور محمد حسن عبدالله، إننى لم يحدث أن تمنيت الموت لأحد من قبل، ولكن حالة الحكيم جعلتنى لا أتمنى له الحياة بهذا الشكل. لقد أحزننى أن الحكيم يتوهم أشياء غريبة، ويشتكى لى من ممرضته وكيف أنها تريد دس السم له، وكانت الممرضة تنظر إلينا بإشفاق وهى تسمع ما يقوله الحكيم وهى صامتة لأنها تعرف مدى خطورة حالته.
كانت علاقتى بالحكيم حميمة للغاية، وكان يأتمننى على أسراره الشخصية والعائلية. فحكى لى بالتفصيل قصة فشل ابنته «زينب» فى زواجها الأول، وقال لى إننى السبب فى اكتشاف الأسباب الحقيقية لفشل زواجها، حيث إنها ذهبت مع أختيها من أمها لمشاهدة فيلم «السراب» المأخوذ عن رواية لى، وفوجئن ببكاء زينب الحار أثناء عرض الفيلم. وضغطن عليها لمعرفة أسباب هذا البكاء وعلمن بمشاكلها مع زوجها، وقصصن الأمر على الوالد، فأحضر الحكيم زوجها وأقنعه بالانفصال عنها.
على المستوى الإنسانى كنت أحب الحكيم إلى أقصى حد، فهو لطيف، وعلى خلق، وحلو الحديث، وخفيف الروح. أما الحكايات الشهيرة عن بخله وعدائه للمرأة، فهى أقرب إلى الدعاية منها إلى الحقيقة. فكيف يكون بخيلا من يزوج ثلاث بنات فى عام واحد وينفق على زواجهن 51 ألف جنيه، ومنهن اثنتان هما ابنتان لزوجته من زواج سابق، أى أنه أنفق خمسة آلاف على كل بنت فى وقت كان هذا المبلغ يشكل ثروة طائلة. ولو كان بخيلا حقا ما أنفق مليما واحدا.. ومما أعرفه أنه أعطى كل مدخراته لابنته عندما تزوجت، ووصل هذا المبلغ إلى ثلاثين ألف جنيه، أعطتها بدورها إلى زوجها الذى خسر تجارته وكاد يشهر إفلاسه وأنقذته مؤقتا، لأن زوجها خسر الثلاثين ألفا من الجنيهات بعد ذلك، ولو كان الحكيم بخيلا حقا لحدثت له صدمة عنيفة بسبب ضياع أمواله، وعندما حكى لى الحكيم تلك الواقعة ضرب كفا بكف ثم استغرق فى ضحك متواصل وانتهى الأمر.
ولكن للحكيم عيبا أعتبره عيبا ظريفا لابد أن نقبله. كنا ــ نحن أبناء الجيل القديم من الأدباء ــ معتادين فى أحاديثنا الخاصة أن نحيل أمورنا الشخصية إلى حالة عامة فتتسع المناقشة وتمتد، وكان الحكيم يفعل العكس، إذ يحوّل القضايا العامة إلى قضايا شخصية.
وقد سافر إلى أوروبا مرارا وتعرف على تيارات أدبية وفنية حديثة، وبدلا من أن يحدثنا عن هذه التيارات أحال الموضوع إلى حديث عن حياته الخاصة ومواقف له مع أسرته التى اعترضت على اشتغاله بالأدب وهكذا، وكانت جلساتنا كثيرا ما تستغرق ست ساعات كاملة يستولى خلالها توفيق الحكيم على هذه الجلسات ويظل يتحدث ونحن نستمع إليه. ولكننا لم نكن نمل منه. وكان هو وزكريا أحمد الوحيدين اللذين نقبل منهما الانفراد بالحديث. ومن المآخذ التى أخذتها على توفيق الحكيم عدم اعتنائه بالسؤال عن أصدقائه إن غابوا، وكنت أنا الذى أسأل عن بعض الأصدقاء الذين قدمهم هو لى، أما هو فلا يهتم. والحكيم من الشخصيات المنحصرة فى ذاتها، ولديه ساتر نفسى يحصنه ضد العالم الخارجى، وأظن أن هذه الصفات قد وفرت له الحماية من الإصابة بالانهيار العصبى أمام فواجع عديدة مر بها فى حياته مثل موت زوجته، وموت ابنه إسماعيل فى عز شبابه. لقد حزن الحكيم عليهما ما فى ذلك شك، ولو أن إنسانا آخر غيره ابتلى بما جرى له ما استطاع أن يتحمل ما تحمله الحكيم. وكثيرا ما حكى لى عن ابنه إسماعيل وعشقه للموسيقى وأنه شجعه على ذلك، وقد ذهبت مع الحكيم عدة مرات إلى حفلات يعزف فيها إسماعيل واستمعنا إليه ونحن فى غاية السرور والسعادة. كان إسماعيل الحكيم موهوبا حقا، ولمع نجمه باعتباره أول من أدخل موسيقى الجاز إلى مصر، ولكنه للأسف أدمن الخمر التى تسببت فى وفاته.
وبعد وفاة إسماعيل ووالدته عاش توفيق الحكيم وحيدا فى بيته باستثناء سيدة كانت تقوم بتجهيز طعامه ورعاية البيت. ولم أزر الحكيم فى بيته إلا فى مرات نادرة، مع إبراهيم باشا فرج، ومرة أخرى مع ثروت أباظة. فالحكيم لم يكن يحب أن يزوره أحد فى البيت، ويفضل أن تتم الزيارات فى مكتبه بجريدة الأهرام أو فى المقهى.
كان العمل الأول الذى قرأته للحكيم هو «أهل الكهف»، أما أكثر أعماله تأثيرا فى نفسى فهو رواية «عودة الروح». فلم أقرأ قبلها رواية بهذا الجمال وهذه الخفة والرشاقة. وعندما نضجت أدركت أن منزلة الحكيم الحقيقية هى فى الكتابة المسرحية وليست فى الرواية. وأن «عودة الروح» ما هى إلا مسرحية مكتوبة بأسلوب روائى، وأنها عبارة عن حوار ومناظر مسرحية. ولقد تأثرت بـ«عودة الروح» فى أعمالى الروائية مثلما تأثرت بأعمال المازنى وطه حسين. وكان تأثير «عودة الروح» علىّ يفوق تأثير رواية «زينب» للدكتور محمد حسين هيكل، والتى لم تترك فى نفسى أثرا يذكر وأظن أننى نسيتها بعد قراءتها.
توفيق الحكيم هو أول أديب مصرى يتفرغ للكتابة، ويعطى كل وقته للأدب الذى أصبح حرفته التى يعيش منها. وقبله كان أدباؤنا الكبار غير متفرغين للكتابة، ويعملون بها على هامش وظيفة أساسية أخرى. فالدكتور طه حسين كان أستاذا فى الجامعة وناقدا ومفكرا. وفى فصل الصيف يكتب رواية على الهامش. وأذكر أن العمل الوحيد الذى عرضه علىّ توفيق الحكيم لأقرأه قبل نشره هو كتاب «عودة الوعى»، كما عرضه على كثيرين غيرى.
يذكر أنه رغم أن الكاتب الكبير «نجيب محفوظ» رفض بإصرار أن يكتب سيرته الذاتية، فقد نجح الناقد الكبير «رجاء النقاش» فى إقناعه بأن يحكيها له بدلا من كتابتها. وعلى مرّ 18 شهرا من أغسطس 1991 روى محفوظ سيرة حياته للنقّاش مسلّطا الضوء على جوانب عديدة من شخصيته كان أغلبها بمثابة مفاجآت لقرائه ومحبيه.
هنا يدلى الكاتب الكبير برأيه فى كل صغيرة وكبيرة عن الأدب والسينما والسياسة فى مصر، فيصف مراحل طفولته وتجارب شبابه، ثم يتناول رواياته التى أثارت أزمات صحفية وسياسية، كما يدلى بآراء صريحة فى زعماء مصر منذ سعد زغلول إلى الآن، وكذا قصته مع جائزة نوبل وأثرها فى حياته.
قبل أن يختتم «النقّاش» كتابه باستعراض محاولة اغتيال «محفوظ» وملابسات الحادث والقضية، هذا وغيره الكثير من الأسرار التى نشرت لأول مرة تجده فى الكتاب الذى يمثل سيرة ذاتية غير رسمية لـ«نجيب محفوظ». و«رجاء النقاش» (2008 ــ 1934) واحد من أهم النقاد فى العالم العربى، اكتشف العديد من المواهب والأسماء التى أصبحت أعلاما فى الثقافة العربية مثل «محمود درويش» والطيب صالح وغيرهما.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك