في قلب الأحداث (2).. نبيل فهمي يروي: مصر من 3 عقود هادئة إلى ثورتين فى ثلاث سنوات - بوابة الشروق
الأربعاء 15 مايو 2024 2:34 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

في قلب الأحداث (2).. نبيل فهمي يروي: مصر من 3 عقود هادئة إلى ثورتين فى ثلاث سنوات

عرض - أشرف البربري:
نشر في: الأربعاء 12 يناير 2022 - 7:28 م | آخر تحديث: الخميس 20 يناير 2022 - 11:19 ص

- رئاسة مبارك شهدت إعادة تمركز مصر إقليميًّا ثم فرصة ضائعة لتحديث الدولة وانتهت بفراغ سياسى
- ثورة ٢٥ يناير أعادت مصر إلى قلب العالم بعد استعادة ريادتها الفكرية والتحديثية فى الشرق الأوسط
- أخطاء المرحلة الانتقالية وإجراء انتخابات البرلمان قبل وضع الدستور فرض قيام ثورة تصحيحية عام 2013
- أخطاء محمد مرسى السياسية وفشله الإدارى حفز المعارضة وَوَحَّدَها ضده مما عَجَّلَ بسقوط حكمه
- التحرك السعودى كان حاسمًا فى قطع الطريق على أى عقوبات أوروبية على مصر بعد ثورة 30 يونيو

شهدت العقود الأربعة التي أمضاها نبيل فهمي، وزير الخارجية السابق، في الدبلوماسية المصرية، الكثير من الأحداث والتطورات المهمة التي كان إما شاهدا عليها من قريب أو مشاركا فيها، بدءا من مفاوضات ومعاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979 وحتى المرحلة الانتقالية عقب ثورة 30 يونيو 2013.
ويستعرض كتاب «في قلب الأحداث .. الدبلوماسية المصرية في الحرب والسلام وسنوات التغيير» ، الذي تصدره دارالشروق، قريبا، هذه الرحلة، وأبرز محطاتها بدءا من التحاقه بالعمل مع أشرف مروان مدير مكتب الاتصالات في رئاسة الجمهورية عام 1974 ، وحتى توليه منصب وزير الخارجية في حكومة ثورة 30 يونيو 2013 ، مرورا بالعمل كمستشار سياسي لوزير الخارجية عمرو موسى من 1991 حتى 1997 ليكون شاهدا ومشاركا في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، وسفير مصر لدى أمريكا من 1999 إلى 2008 فكان شاهدا من قريب على تحقيقات مأساة سقوط الطائرة المصرية أمام السواحل الأمريكية عام 1999 ، وهجمات 11 سبتمبر 2001 ، ومتابعا للتعامل الأمريكي مع ملف التوريث وخلافة مبارك.
فيما يلي الحلقة الثانية من العرض الذي تقدمه "الشروق" للكتاب قبل صدوره:

أصبح مبارك خلال السنوات العشر الأخيرة من حكمه لا ينتبه إلى أى دعوات للتغيير السياسى وعلى رأسها تداول السلطة، كما أصبح يشعر بالملل من أعباء ممارسة مهام الحكم، فكان كمن يملك ولا يحكم، يراقب سير الأمور فى البلاد مع ترك توجيه السياسات فى يد الحزب الوطنى والمقربين منه، مما خلق وضعا استمرت فيه كل القضايا السياسية والاجتماعية معلقة؛ نتيجة النظام السياسى الراكد فاقد التوجه.
وفى ٢٥ يناير ٢٠١١ الذى يوافق الاحتفال بعيد الشرطة، تظاهر عدة آلاف فى القاهرة وعدد من المحافظات تحت شعار «لا للطوارئ.. لا للتعذيب». وسقط عدد من المتظاهرين قتلى فى محافظة السويس، لتنطلق الدعوة إلى «جمعة الغضب» يوم ٢٨ يناير احتجاجا على سياسات الأمن والدولة بشكل عام، خاصة بعد إطاحة ثورة الياسمين فى تونس بحكم الرئيس زين العابدين بن على قبل أسابيع قليلة.
ورفعت مظاهرات «جمعة الغضب» شعار «الشعب يريد إسقاط النظام». ومع الأحداث الخطيرة فى ذلك اليوم اجتمعت فى ٢٩ يناير ٢٠١٢ مجموعة من الشخصيات العامة المستقلة، أغلبهم من المهنيين ومجتمع رجال الأعمال غير المرتبطين بأى أحزاب لمناقشة التطورات الجارية، وفى المساء فى حديث مع الصديق نبيل العربى وزير الخارجية وأمين الجامعة العربية فيما بعد، أبلغته باستعدادى للانضمام إلى هذه المجموعة، فأصبحت العضو رقم ١٢ فيها، والتى زاد عددها فيما بعد وأطلق عليها الإعلام اسم «لجنة الحكماء»، لتضم أيضا إبراهيم المعلم، وأحمد كمال أبو المجد، ويحيى الجمل، ونبيل العربى، وعمرو موسى، وميرفت التلاوى، ونجيب ساويرس، وعمرو الشوبكى، ووحيد عبدالمجيد، وعمار الشريعى، ومحمد العدل، وخالد يوسف وآخرين.
وفى ٥ فبراير فوضت اللجنة كلا من نبيل العربى وأحمد كمال أبو المجد المحامى والسياسى البارز لمقابلة نائب الرئيس عمر سليمان، وتسليمه مقترحات حل الأزمة. وبحسب رواية العربى وأبى المجد، فإن سليمان استمع لهما باهتمام، لكنه قال إنه لن يقدم للرئيس اقتراح تخليه عن السلطة، ووعد بدراسة الأفكار المقترحة بشأن الإصلاحات دون توضيح لماذا لا تتم الموافقة على هذه الإجراءات فورا، كما التقى أبو المجد والعربى بعد ذلك مع رئيس الوزراء أحمد شفيق الذى لم يقل شيئا مختلفا.
وبعد ذلك بأسبوع، حاول مبارك احتواء الموقف، وتعهد بإجراء الإصلاحات التى قدمتها لجنة الحكماء من قبل، دون الإشارة إلى هذه اللجنة، ولكن عرضه جاء متأخرا، بعد أن تحول الزخم السياسى لصالح المتظاهرين الذين أصبحوا أشد إصرارا على ضرورة رحيله. وفى ١١ فبراير أعلن نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان فى بيان متلفز قرار «مبارك» التنحى عن الحكم، وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد، لتشتعل الاحتفالات فى كل أنحاء مصر.
أعادت ثورة ٢٥ يناير مصر إلى قلب واهتمام العالم كمحرك إقليمى بعد استعادة الدولة ريادتها الفكرية والتحديثية فى منطقة الشرق الأوسط، واعتبر ميدان التحرير مثلا حيا للرغبة فى المشاركة الشعبية بعد سنوات طويلة من الحكومات المركزية.
ووجد المجلس العسكرى نفسه مشرفا ومسئولا عن هذه العملية بالغة التعقيد والسيولة، إزاء تعدد وتنافر الأطراف فى الساحة، وفى ضوء أن خبراتهم هى فى المجال العسكرى بعيدا عن السياسة لم يكن أعضاء المجلس مرتاحين لذلك ولم يكونوا يخفون ذلك. وبسبب اهتمامى الطويل بقضايا الأمن القومى والحد من التسلح، وخدمتى سفيرا لمصر فى الولايات المتحدة، فقد سبق أن عمل العديد من أعضاء المجلس العسكرى تحت رئاستى فى مختلف الوفود أو السفارات المصرية، وظلوا أصدقاء شخصيين لى بعد ذلك، وخلال الأشهر القليلة الأولى من ٢٠١١ بعد ٢٥ يناير؛ كان أصدقائى من أعضاء المجلس العسكرى يزوروننى فى شقتى بجاردن سيتى بانتظام لمناقشة الموقف، وطلب المشورة حول كيفية المضى قدما بالعملية الانتقالية، وكان الكثير من مقترحاتى ضد اقتناعاتهم، لكن المناقشات بيننا ظلت دائما ودية وصريحة وبناءة.
وفضل المجلس العسكرى إنجاز العملية الانتخابية بسرعة؛ على أمل أن تعود الدولة إلى وضعها الطبيعى، ولم يكن أصدقائى من أعضاء المجلس مطمئنين لهذا المسار، غير أنهم شددوا على أن الجيش مدرب على حماية الأمن القومى للبلاد، وليس على إعادة بناء النظام السياسى والتحاور والجدل السياسى المصاحب لتلك العملية ومن ثم فأولوية المجلس تتمثل فى ضمان الأمن والاستقرار.
وبعد إقرار الدستور عام 2012 أجريت انتخابات الرئاسة وفاز بها مرشح الإخوان محمد مرسى الذى تولى السلطة فى 30 يونيو 2012. وأصبح عليه أن يمثل جماعة الإخوان المسلمين التى ينتمى إليها وإلى ناخبيها، وكذلك باقى أطياف المجتمع المصرى غير السعداء بانتخابه وهو ما لم يحدث، حيث دخل وجماعته فى صدام مع أغلب مؤسسات وقوى المجتمع بدءا من القوات المسلحة التى تحظى باحترام ودعم الشعب، حيث سارع مرسى إلى استدعاء رئيس هيئة الشئون المالية للقوات المسلحة؛ ليطالبه بإطلاعه على ميزانية الجيش وموارده المالية بالتفصيل، وهى خطوة ليست مرفوضة من حيث المبدأ، وإنما توقيتها المبكر للغاية كان رسالة واضحة بأن المستهدف منها هو قص أجنحة الجيش وتحجيمه.
وفى الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر، ارتكب مرسى خطأ آخر؛ عندما دعا عددا من الإسلاميين المتطرفين وبعضهم ممن أدينوا فى قضية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، فى نفس يوم ذكرى نصر أكتوبر قبل نحو ثلاثة عقود.
واعتبر القادة العسكريون ذلك، بحسب ما قالوا لى لاحقا، إساءة مباشرة ومقصودة للمؤسسة العسكرية، وشعر الرأى العام أيضا بالصدمة والغضب من تصرف حكومة الإخوان؛ باعتبارها إشارة إلى اعتزام الجماعة إعادة كتابة تاريخ مصر وإضفاء الشرعية على أعمال عنف الإسلاميين المتطرفين.
وبعد أيام معدودة من الاحتفال فتح مرسى جبهة أخرى، بإقالة النائب العام دون الرجوع إلى الهيئات القضائية المعنية، والتى كانت تشك فى نوايا الرئيس تجاه مؤسسة القضاء ككل، وأثار ذلك موجة غضب قوية وعلنية من جانب القضاة، بمن فى ذلك الذين كانوا مقربين من الجماعة. وفى نوفمبر ٢٠١٢ أصدر الرئيس إعلانا دستوريا ليمنح نفسه صلاحيات مطلقة، بما يمثل انتهاكا كاملا ليس فقط للدستور القائم فى البلاد وإنما لكل الدساتير التى عرفتها مصر قبل ذلك.
ومع تصاعد الاحتجاجات ضد الإعلان الدستورى فى نوفمبر ٢٠١٢، شكلت مجموعة من الليبراليين واليساريين والنشطاء «جبهة الإنقاذ الوطنى»؛ باعتبارها تحالفا غير رسمى يستهدف ضمان وجود التمثيل المدنى فى المشهد السياسى والتعبير عنه.
حفزت أخطاء مرسى السياسية المعارضة وَوَحَّدَتْها ضده؛ وهو ما عَجَّلَ بسقوط حكمه، ورفض وجود جماعة الإخوان ككل، وإن ما جمع غالبية الشعب والمؤسسات هو تخوفهم من المخاطر التى تهدد هوية مصر بوصفها دولة غير أيديولوجية بل هى وطن للجميع.
وكما هو الحال فى كل الجيوش، فإن لدى الجيش المصرى خطط طوارئ للتدخل فى الظروف غير التقليدية للتعامل مع التهديدات الخارجية وكذلك لفرض النظام بشكل مؤقت؛ إذا أصبح الوضع الداخلى خطرا على أمن واستقرار الدولة. وتحرك الجيش بشكل حاسم وفرض سيطرته على الأماكن الاستراتيجية فى مختلف أنحاء البلاد قبل مظاهرات ٣٠ يونية ٢٠١٣.
وفى يوم ٣ يولية ٢٠١٣، وفى بث مباشر على شاشات التلفزيون، وبحضور كبار قادة القوات المسلحة وعدد من الشخصيات البارزة مثل البرادعى وشيخ الأزهر وبابا الكنيسة الأرثوذكسية وقادة حركة تمرد وحزب النور السلفى، أعلن الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع عزل محمد مرسى استجابة للمظاهرات الشعبية الحاشدة، وتعليق العمل بالدستور ووضع خارطة طريق للمرحلة الانتقالية وتعيين المستشار عدلى منصور رئيس المحكمة الدستورية رئيسا مؤقتا للبلاد.


وفور صدور بيان ٣ يولية، خرجت احتجاجات عنيفة من جانب أعضاء جماعة الإخوان وأنصارها فى مناطق كثيرة من البلاد، واعتصموا فى ميدانى رابعة العدوية بالقاهرة والنهضة قبالة جامعة القاهرة فى الجيزة.
وبدأت الأوقات العصيبة لمصر وللرئيس، وأجريت مشاورات عديدة لتشكيل الحكومة مع العديد من الشخصيات السياسية التى حضرت إعلان خارطة الطريق، لعبت فيها المؤسسة العسكرية دورا كبيرا وكذلك محمد البرادعى الذى كان يمثل الشباب الثورى، وعكست مشاورات تشكيل أول حكومة لمصر بعد أحداث ٣٠ يونية مدى تعقد المشهد السياسى فى مصر التى تسعى لتقديم نفسها للعالم؛ باعتبارها دولة وسطية مدنية ذات تراث ثرى وتقاليد دينية راسخة.
وبعد اتصال مبدئى من آخرين اتصل بى البرادعى، وسألنى مباشرة عن استعدادى لقبول منصب وزير الخارجية إذا عرضه علىَّ رئيس الوزراء المكلف حازم الببلاوى، وقلت للبرادعى إنه وعلى الرغم من ميلى الشخصى لعدم تولى المنصب، إذا اتصل بى رئيس الوزراء المكلف فسألتقى به وسأستمع إليه بعقل مفتوح، وهو ما رحب به منوها «أن كلينا رفض المشاركة فى الحكومة فى الماضى، والآن يبدو أننا سننضم إليها معا».
وفى ١٤ يولية ٢٠١٣ تلقيت اتصالا من الببلاوى لعقد لقاء معه؛ لكى تتم دعوتى رسميا للانضمام إلى الحكومة المصرية الجديدة وزيرا للخارجية. كانت نبرة رئيس الوزراء المكلف ودية للغاية. وعرضت عليه رؤيتى للسياسة الخارجية فى المرحلة القادمة، وبعد أن انتهيت من ذلك شكرنى الببلاوى وطلب منى إعلان موافقتى على تولى وزارة الخارجية أمام وسائل الإعلام التى كانت تنتظر بصبر نافد خارج غرفة الاجتماع.
وفى يوم ١٦ يوليو وكان أول أيام شهر رمضان المبارك، أدت الحكومة الجديدة اليمين الدستورية أمام الرئيس عدلى منصور وكان أغلبها من التكنوقراط، وضمت ٣ نواب لرئيس الوزراء وهم: عبدالفتاح السيسى وزيرا للدفاع، وحسام عيسى وزيرا للتعليم العالى، وزياد بهاء الدين وزيرا للتعاون الدولى، وتم تعيينى وزيرا للخارجية، وأعلن رئيس الوزراء عرض مناصب وزارية على أعضاء من جماعة الإخوان لكنهم رفضوا.
وترأس الرئيس منصور أول اجتماع للحكومة، امتد حتى موعد مدفع الإفطار وكانت التحديات واضحة والحاجة إلى إعادة تفعيل مؤسسات الدولة بسرعة ضاغطة، وعلى الحكومة العمل فى بيئة متوترة ومتقلبة، وتحمل مسئولية تاريخية تحت ضغوط هائلة، وحشد الدعم الشعبى للاستقرار، مع عدم تجاهل أحلام التغيير، وفرض القانون والنظام فى مواجهة العنف المستمر من جانب أنصار جماعة الإخوان والانتهازيين فى مختلف أنحاء البلاد، والتعامل مع الضغوط الدولية.
وكما كان الحال مع كل وزراء حكومة الببلاوى، بدأنا عملنا فى بيئة أمنية شديدة الاضطراب، ولم تكن لوزير الخارجية مسئولية مباشرة فى التعامل مع هذا الموقف، لكننا بذلنا جميعا قصارى جهدنا من أجل دعم جهود استعادة الأمن والاستقرار التى تولت الجزء الأكبر منها وزارتا الدفاع والداخلية، إلى جانب أجهزة المخابرات.
مع بداية حكومة الببلاوى قاد البرادعى محاولات الوصول إلى حل للصراع الداخلى، سعيا للتهدئة أو لتحقيق المصالحة فى أول الأمر، قبل أن تقع أعمال عنف بين أنصار الإخوان وقوات الأمن فى مناطق عديدة من البلاد. وبمرور الوقت أصبح الاختيار الوجودى فى مصر هو بين السماح بعودة مرسى وحكم جماعة الإخوان من ناحية، أو الالتزام بالتغييرات التى أعلنت يوم ٣ يولية والتى أطاحت به وبالإخوان من الحكم من ناحية أخرى، وتدريجيا بات واضحا أن جهود الوساطة داخليا أو من خلال الوساطة الأجنبية لن تصل إلى نتيجة.
وبعد أيام قليلة من اجتماع الحكومة، أبلغ رئيس الوزراء حازم الببلاوى ووزير الداخلية محمد إبراهيم قرار فض الاعتصامات إلى مجلس الأمن القومى، والذى يضم إلى جانب الرئيس عدلى منصور، نائب الرئيس محمد البرادعى ورئيس الوزراء ووزير الدفاع عبدالفتاح السيسى ووزير الخارجية ووزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم ورئيس أركان الجيش صدقى صبحى ومديرى المخابرات العامة والحربية ورئيس ديوان رئيس الجمهورية، وقد استمعنا وناقشنا فض اعتصامى رابعة والنهضة، وإعادة الحياة إلى طبيعتها فى الميدانين. وفى ١٤ أغسطس ٢٠١٣ بدأت القوى الأمنية وفى مقدمتها قوات الشرطة فض الاعتصامين، وأعلنت المصادر الحكومية وقوع تبادل كثيف لإطلاق النار بين المعتصمين المسلحين حول ميدانى رابعة والنهضة وقوات الشرطة، وأسفر عن سقوط عدد كبير من القتلى من القوات الأمنية وفى صفوف الإخوان وأنصارهم، إلى جانب مقتل عدد من المارة.
وبوصفى وزيرا للخارجية قررت القيام بعدة خطوات لمواجهة تداعيات الموقف، خارجيا الخطوة الأولى كانت ضرورة استناد آرائى وأرقامى فى مخاطبة الرأى العام المحلى والدولى إلى معلومات دقيقة حتى لو أدى الأمر إلى التحرك بصورة أبطأ نسبيا؛ وذلك لكى يثق العالم فى التصريحات المصرية، وأوصيت بعد ذلك بضرورة تشكيل لجنة مستقلة برئاسة القاضى فؤاد رياض للتحقيق فى الأحداث التى تلت إعلان الإطاحة بحكم محمد مرسى، بما فى ذلك فض اعتصامى رابعة والنهضة. وحظىَ هذا الاقتراح بموافقة مجلس الوزراء بالفعل. وما زالت رواية لجنة التحقيق المستقلة هى الأشمل والأكثر موضوعية بشأن الأحداث حتى اليوم.
وكان هدفى الثانى بعد هذه الأحداث والذى لم يكن أقل أهمية من الهدف الأول، هو منع تدويل هذه القضية أو حتى طرحها للنقاش فى إطار دولى أو متعدد الأطراف. وفى صيف ٢٠١٣ أبلغنى مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة فى نيويورك بوجود تحركات لعقد جلسة لمجلس الأمن الدولى لبحث الموقف فى مصر. وعندما سألت وزير خارجية أمريكا جون كيرى عن هذا، ذكر أن فرنسا هى المبادرة فى ذلك، فى حين أصرَ وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس على أن الولايات المتحدة وبريطانيا هما اللتان تقفان وراء هذه التحركات. وبدلا من إضاعة الوقت فى البحث عن الطرف الذى يقف خلف التحركات، تشاورت على الفور مع روسيا والصين لكى أتأكد من أنهما ستعارضان مثل هذه الإجراءات.
وكانت اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر ٢٠١٣ المكان الأنسب لإطلاق مرحلة جديدة من التحرك الدبلوماسى المصرى فى ظل المشاركة رفيعة المستوى من مختلف دول العالم؛ بحيث ننتقل من الموقع الدفاعى إلى الحالة الهجومية أو الاستباقية للدبلوماسية المصرية، وإعطاء إشارة قوية بأن مصر استعادت دورها النشط على الصعيدين الإقليمى والدولى، وتم مناقشة فكرة مشاركة الرئيس منصور فى هده الدورة وإنما انتهينا إلى ترك رئاسة الوفد إلى وزير الخارجية للتصدى لأى مناورات محتملة.
ولدى وصولى إلى نيويورك لرئاسة وفد مصر فى اجتماعات الأمم المتحدة يوم ٢١ سبتمبر ٢٠١٣، كانت هناك بعض المظاهرات المعارضة وأخرى مؤيدة لنظام الحكم الجديد فى مصر أمام مقر الأمم المتحدة، وتلقيت تقريرا موجزا من البعثة المصرية الدائمة لدى الأمم المتحدة حول المداولات التحضيرية للجمعية العامة، تفيد بأن البعثة التركية فى نيويورك لم يكن لديها أى تعليمات بشأن الموقف من المشاركة المصرية حتى الآن، لكننا قررنا متابعة التطورات عن قرب وبحذر؛ حتى يصل الوفد التركى المشارك فى الاجتماعات بالكامل.
وخلال حفل الاستقبال التقليدى الذى يستضيفه الرئيس الأمريكى لرؤساء الوفود المشاركة فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، انتحى أوباما بى جانبا وتجاوز صف الاستقبال الطويل، وأبلغنى بأنه يتفهم عدم ارتياح المصريين لحكم مرسى، لكنه فى ضوء الإطاحة برئيس منتخب من منصبه، فإنه بوصفه رئيسا للولايات المتحدة ملزم بتعليق أو على الأقل تأجيل تسليم بعض المعدات والمساعدات العسكرية لمصر؛ حتى تتقدم مصر نحو الحكم الديمقراطى، وقال إنه سيعلن هذا الموقف فى كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى اليوم التالى. فأبلغته باعتراضى الشديد على الإجراءات الأمريكية المقترحة وعلى المكان الذى سيتم إعلانها فيه، مضيفا أن احتياجات الأمن القومى ذات طبيعة استراتيجية، وإذا لم نضمن استدامتها أمريكيا، فإن مصر ستلجأ إلى مصادر أخرى للحصول عليها، وإننى لن أتردد فى الإعلان عن ذلك أمام الإعلام فور إلقائه لخطابه إذا تضمن هذه الإشارة.


ولم تكن العلاقات مع الاتحاد الأوروبى بعد 30 يونية 2013 عدائية، لكنها كانت هشة وتحتاج إلى معالجة حساسة طوال المرحلة الانتقالية. وكثفت الاتصالات مع دول الاتحاد الأوروبى، سواء المتفقة أو المختلفة معنا؛ لأنها كانت حريصة على سماع وجهة نظرنا، خاصة فرنسا وإسبانيا وبريطانيا واليونان وإيطاليا وألمانيا. وتلقت مصر مساعدة مهمة من السعودية فيما يتعلق بعلاقتها مع فرنسا؛ فبعد أحداث ٣٠ يونية ٢٠١٣ مباشرة وبتعليمات من الملك عبدالله بن عبدالعزيز، اتصل وزير الخارجية السعودى الأمير سعود الفيصل بالقيادة الفرنسية؛ ليؤكد الدعم السعودى الكامل للنظام الجديد فى مصر، ورفض الرياض القاطع لأى ضغوط من الاتحاد الأوروبى؛ وقد اتصل بى الأمير سعود قبل حديثه مع الفرنسيين، وأعربت له عن ارتياحى الكامل للمنهج الذى اقترحه، ولجهوده المنفردة التى لم تكن تستدعى مشاركتى فيها، وهو جهد مشكور سمح لى بالتركيز على دول أخرى.
وبعد الاتصال السعودى، زارت الممثل الأعلى للشئون الخارجية والسياسة الأمنية فى الاتحاد الأوروبى كاترين أشتون مصر عدة مرات بعد ثورة يونية، وكنا مختلفين فى وجهات النظر، لكنها سرعان ما أدركت عدم جدوى مواصلة السعى وراء اتفاق بين السلطات المصرية وجماعة الإخوان، بعد أن اتضح لها أن مرسى ما زال مصرا على العودة إلى الرئاسة وغير مستعد للوصول إلى حل وسط.
وتدريجيا استقرت العلاقات مع الاتحاد الأوروبى، على الرغم من استمرار بعض التحفظات والتوترات العارضة، عندما حاول بعض أعضاء الاتحاد التراجع عن قرار المجلس الأوروبى بإرسال وفد مراقبة للانتخابات؛ مما دفعنى إلى التحدث بحدة مع أشتون منوها بأن الاتحاد يتحدث كثيرا عن ضرورة بناء نظام ديمقراطى والآن يرفض المشاركة فى البناء المجتمعى والمؤسسى الحقيقى. ويحسب لها أنها تفهمت الموقف وتمسكت بمشاركة المراقبين على الرغم من ضغوط بعض أعضاء الاتحاد الأوروبى وخاصة من دول الشمال.
كان المقرر أن تستغرق المرحلة الانتقالية فى مصر بعد الإطاحة بمرسى ١٢ شهرا، وبعد إقرار الدستور فى يناير ٢٠١٤ تفجرت أعمال عنف جديدة، فقرر الرئيس عدلى منصور إجراء الانتخابات الرئاسية قبل الانتخابات البرلمانية على خلاف ما تضمنته خارطة الطريق الأصلية.
وترشح وزير الدفاع عبدالفتاح السيسى، فى الانتخابات الرئاسية وحصل على ٩٦.٩١% من أصوات الناخبين الصحيحة، وأدى اليمين الدستورية لتولى منصب الرئيس فى ٨ يونيو ٢٠١٤.
وبعد انتخاب السيسى ظللت على اتصال مستمر معه؛ لمناقشة عدد من موضوعات السياسة الخارجية الملحة وخاصة عودة مصر إلى الاتحاد الافريقى وإعادة مركز مصر إقليميا ودوليا، وقد استغرق تشكيل الحكومة الجديدة وقتا أطول من المتوقع، وتمت إضافة منصب وزير الخارجية إلى التغيير الوزارى فى المرحلة الأخيرة من المداولات، وعلمت بخروجى من التشكيل من الإعلام الالكترونى. وعلى الرغم من أن الخبر لم يكن متوقعا فإنه كان مريحا لى؛ حيث كنت سعيدا بما أنجزت فى ظروف صعبة للغاية.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك