رسائل «التوك توك» إلى سيد عويس: هتافنا لم يعد صامتا - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 4:14 م القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رسائل «التوك توك» إلى سيد عويس: هتافنا لم يعد صامتا

كتب ــ أحمد البردينى:
نشر في: السبت 13 أبريل 2019 - 5:22 ص | آخر تحديث: السبت 13 أبريل 2019 - 5:22 ص

يعبر «توك توك» أحمد الصغير عن حالته النفسية، شديدة المزاجية، وعلاقاته بأصدقائه، وأحيانا مغامراته العاطفية الفاشلة، فلا يكاد يمر شهر حتى يختار لافتة جديدة على مركبته ذات الثلاث عجلات.
«ربك الكون ميزنا بميزة.. الرجولة والنفس عزيزة» ــ بتلك العبارة يجوب توك توك الصغير، صاحب الـ18 ربيعا، شوارع وأزقة منطقة حدائق المعادى الشعبية، كما تصدح مركبته بأغانى المهرجان الشعبى ذائع الصيت لمؤلفه «حمو بيكا»، وهو النمط الأكثر شيوعا بين أبناء تلك الشريحة العريضة التى تقطن عشوائيات القاهرة والجيزة.
بجوار الصغير تصطف مجموعة من التكاتك أمام مترو حدائق المعادى، تحفل ظهورها بكتابات من تلك النوعية: «عشت عصفور دبحونى»، «كبرنا وعجزنا وسبناها لتلاميذنا» «ملقتش أصحاب فى مصر بعت أجيب من الصين» «خارجة وربنا حاميها وراجعة ربنا راضيها».
«أكتب على ظهر التوكتوك ما يخطر على بالى، ساعات تكون مقطع مشهور من مهرجان أو أى حاجة شخصية فى حياتى لها علاقات بأصحابى ورزقى، وفى أوقات أخرى بسيبها لمحل الإكسسوارات يطلع لى جملة حلوة على ذوقه» يشرح الصغير، فلسفة اختيار العبارات التى تعتلى ظهور التكاتك فى مصر، فهى وسيلتهم اللائقة للتعبير عن أحاسيسهم ومناخهم الثقافى والاجتماعى.
ظاهرة الكتابة على هياكل المركبات فى العموم، والتوكتوك على وجه الخصوص، وإن كانت واسعة الانتشار فى السنوات الأخيرة، تثبت ما وصل إليها عميد علماء الاجتماع فى الوطن العربى سيد عويس قبل قرابة الـ50 عاما فى دراسته الانثروبولجية «هتاف الصامتين» بأن الصامتين فى أى مجتمع، وإن بدوا كذلك، لا يبدو صامتين على الدوام، إذ بتنا نسمع آنينهم وأفراحهم الصاخبة بكل أريحية عن أى وقت مضى.

فى دراسته التى استغرقت 3 سنوات فى الفترة من سبتمبر 1967 إلى أغسطس 1970، حاول عويس«1903ــ1988» البحث عن أساليب مواجهة المصريين للمجهول من خلال ألف عبارة وكلمة مكتوبة على هياكل 500 مركبة عامة وخاصة، كالتاكسى والأتوبيسات العامة والسيارات الملاكى واللوريات وعربات الكارو، حيث تعبر أغلب العبارات عن رجاء الوقاية والإلحاح فى تحقيق السلام.

ويتبين من الدراسة إكثار أصحاب المركبات من استخدام لفظ الجلالة فى عباراتهم، سواء على شكل دعوات وابتهالات أو اقتباسات قرآنية لجلب الرزق والنجاة من «شر المستخبى»، فيما اعتمدت عبارات الأشكال الشعبية على الأغانى المعروفة، والتى تضمنت كلمات لمطربين مشهورين أمثال عبدالحليم حافظ وأم كلثوم ومحمد رشدى وليلى مراد ونجاة الصغيرة. أما الكلمات الدارجة المستخدمة فضمت كلا من«النبى تبسم» «معلش يا زمن الهجرة غربتنا والأيام علمتنا» «انت اللى فيهم يا أبو عزام» «متبصليش بعين ردية بص للى مدفوع فيه».

وصف د.سيد عويس كاتبى تلك الكلمات بأنهم كفئة من الصامتين، الذين يكتبون ما يكتبونه بمحض إرادتهم فى ظل مناخ ثقافى معين، على الرغم من عدم موافقة الدولة على هذه الكتابة، فالملاحظ أن ما يعلنون عنه من مشاعر وأحاسيس وآمال وغيرها لكى يسمعوا أصواتهم دون أن يراهم أحد، أى لكى يهتفوا هتاف الصامتين، فخلقوا دون إرادة جهاز إعلام شعبى خاص يتحرك على امتداد مدن المجتمع وقراه.
ينتمى أصحاب الكتابات على ظهور المركبات العامة والخاصة فى دراسة عويس إلى فئة السائقين الكادحين، وهى الشريحة التى لا تزال فاعلة رغم مرور ما يقرب من 50 عاما على دراسته، ليؤكد أنها الفئة الأكثر احتجاجا فى المجتمع المصرى حتى لو سلبت من حقوقها فى التعبير عن آرائها عبر الوسائل التقليدية.

كما يمكن القول إن التوتوك حل موقع التاكسى فى دراسة «هتاف الصامتين»، حيث شغل 40 % من مجموع المركبات التى تزين ظهورها بالكتابات، فهو الوسيلة الخاصة الأكثر استخداما فى مصر خلال فترة الستينيات والسبعينيات، كما هو الحال بالنسبة للتكاتك الآن التى يبلغ عددها 3 ملايين ماكينة، ما زالت الدولة تناقش مصيرها فى ظل عمل أغلبيتها بدون تراخيص.

الاختلافات الشاسعة بين الزمنين وطريقة تعبير الصامتين عن أنينهم وأفراحهم، يبرزها الكاتب كمال سالم عوض فى كتابه «مكتوب على جدران التوك توك»، وهو بحث اجتماعى ساخر، إصدار 2011، إذ يقول إنه لم يسجل اعتماد الصامتين الجدد على عبارات من الأغانى العادية فى كتاباتهم، بخلاف المهرجان الشعبية، رغم الانتشار والتنوع اللذين خلقهما الإنترنت فى مصر، متسائلا: «هل توقف المصريون عن سماع الأغنيات؟، هل تقلصت مساحة الفرح والبهجة داخلهم فلم يعودوا يعبأون بأغنية أو كلمة أو شعر؟».

ويذكر سالم أن عويس خلص إلى نتائجه من مادة خصبة متنوعة كالأغانى وكلمات النصائح والابتهالات والآيات القرآنية، بينما تعتمد عباراته التى استخلصها مما هو «مكتوب على جدران التوك توك» من المشاجرات والمعايرات التى يدونها سائقوه على ظهور مركبتهم ذات الثلاث عجلات، كما رصد غياب العبارات الموجهة إلى أهل البيت مثل «مدد يا أم هاشم» و«مدد يا آل البيت» التى جاءت بالدراسة القديمة.
ينتقد كمال غياب البعد السياسى والوطنى عن عبارات مركبات الألفية الثالثة، بعكس التى دونها عويس على ظهور الأتوبيسات العامة والتاكسيات فيما يخص القضية الوطنية والقومية، مثل «فلسطين عروس ومهرها الدم»، وإن كان هذا يعد مفهوما فى ظل أن تلك الشريحة العمرية التى ينتمى أغلبيتها لأحياء عشوائية لا تكترث بتلك الإشكاليات بعكس سائقى التاكسى والنقل العام فى أواخر الستينيات الذين عاصروا قضايا ساخنة منذ ميلادهم بدءا من الاحتلال الإنجليزى مرورا بالانحياز لثورة 23 يوليو حتى خوض المعارك الحربية مع العدو الإسرائيلى فى العدوان الثلاثى ونكسة 1967.

لم يصادر عويس على هذه الفئة حقها فى التعبير كما يحاول البعض الآن السخرية من أنماطها الشعبوية، فيقول إنه من حق هذه الفئة وغيرها من فئات الصامتين أن يمارسوا ما يريدون وأن يقولوه علنا فى ظل الديمقراطية بأنماطها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك