في شوارع غزة المدمَّرة، تتقدّم النساء الصفوف في مرحلة جديدة من التعافي الاجتماعي بعد عامين من الحرب التي خلّفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى.
وبينما تتجه الأنظار إلى مؤتمرات إعادة الإعمار في شرم الشيخ، تعمل نساء القطاع بصمت على إعادة ترتيب تفاصيل الحياة اليومية، من تنظيف البيوت المهدّمة إلى رعاية الأطفال ومساعدة الجيران.
نساء يصنعن التعافي
على أرض الواقع، بدأت نساء غزة بإطلاق مبادرات مجتمعية للتخفيف من آثار الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين، والتي أدت إلى استشهاد وإصابة عشرات الآلاف من الأشخاص، معظمهم من الأطفال والنساء.
من بين هذه المبادرات مشروع "خيمة البنات" الذي أطلقته شبكة المنتدى الاجتماعي التنموي بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان "UNFPA" ومؤسسة التعليم فوق الجميع "EAA".
واستهدف المشروع نحو 300 فتاة وسيدة في محافظتي غزة والشمال، من خلال ورش توعية صحية وتوزيع طرود نظافة شخصية، في ظل النقص الحاد في الموارد.
نساء يبنين مجتمعات مصغّرة من تحت الأنقاض
ورغم الدمار، تواصل الطبيبة لبنى العزايزة، التي فقدت منزلها وعيادتها في دير البلح، تقديم خدمات طبية مجانية للأطفال والنساء داخل خيمة نزوح بمساعدة ممرضات متطوعات، وأطلقت مبادرة "أنتم أهلنا" لتقديم كشوفات طبية ودعم نفسي للنازحين.
وفي حي الشجاعية، تدير أم محمد النجار مطبخًا مجتمعيًا يُطعم أكثر من 200 أسرة يوميًا، وتقول: "نطبخ على الحطب، لكن لا نترك أحدًا يجوع، هذه طريقتنا في مقاومة الحزن".
دروس في خيمة النزوح
في أحد مراكز الإيواء بحي التفاح شرق غزة، تقف أفنان بكرون، الحاصلة على درجة الماجستير في اللغة الإنجليزية من الجامعة الإسلامية، لتدرّس الأطفال النازحين اللغة والرياضيات بمساعدة ابنتيها.
إحداهما تقدم دروسًا في العبرية، والأخرى في الحاسوب، كما افتتحتا حديثًا عيادة للدعم النفسي داخل المخيم، لتقديم جلسات مجانية لذوي الشهداء والأطفال الذين يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة.
نموذج نسوي للصمود بعد الحرب
في قلب الدمار، يشكّل مشروع "الصلادة الاقتصادية" مبادرة رائدة لدعم النساء المتضررات وتمكينهن من إعادة بناء سبل العيش.
وأطلق المشروع مركز الأبحاث والاستشارات القانونية وحماية المرأة بدعم من مؤسسة هينرش بل الألمانية، ضمن برنامج "المرأة شريكة في إعادة الإعمار".
كما يهدف المشروع إلى تعزيز قدرة النساء على الصمود الاقتصادي والاجتماعي من خلال تدريب المعيلات على إنشاء مشاريع صغيرة، وتزويدهن بمهارات الإدارة المالية والتسويق الرقمي، إضافة إلى دعم المبادرات النسوية في الأحياء المدمّرة.
وتوضح منسقة المشروع أن الصلادة الاقتصادية ليست فقط عن كسب الدخل، بل عن استعادة الكرامة والثقة والقدرة على اتخاذ القرار.
وبحسب تقارير المركز، فإن الاستثمار في النساء يُعد أحد أهم ركائز إعادة الإعمار المستدام، إذ تمثل النساء في غزة اليوم خط الدفاع الأول عن بقاء العائلات واستمرار الحياة اليومية.
عودة تحت الركام
بعد اتفاق وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى التي تم التوصل إليها، عاد آلاف الفلسطينيين إلى شمال غزة، كثير منهم إلى منازل مدمّرة بالكامل.
وبحسب صحيفة الجارديان، قالت نبيلة باسا، وهي تسير على قدميها عائدة مع طفلتها المصابة: "نشكر الله أن الحرب انتهت، لكن المعاناة ما زالت، نحن سنعيد الحياة بأنفسنا".