فقراء ينتحرون بـ«الرصاص» - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 7:58 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فقراء ينتحرون بـ«الرصاص»

أطفال يعملون فى المسابك – أرشيفية
أطفال يعملون فى المسابك – أرشيفية
تحقيق: هبة القصاص:
نشر في: الإثنين 22 ديسمبر 2014 - 2:57 م | آخر تحديث: الإثنين 22 ديسمبر 2014 - 2:57 م

يسكنها أكثر من مليون ونصف مليون مواطن ويسكنهم كل الأمراض المتوطنة ويضربون بكل النصائح الطبية عرض الحائط، وفشلت معهم كل الحلول التقليدية وغير التلقليدية حتى تحولوا إلى صداع مزمن يكسن كل تقارير المنظمات المعنية بالصحة والبيئة والطفولة

بعد أصبحوا عنوانا للمهن الضارة التى تؤتى ثمارها فى صورة سرطانات وعجز جنسى وتأخر عقلى، كل هذا بسبب الرصاص ليس الخارج من فوهات الأسلحة وإنما من مداخن المصانع وورش سباكة المعادن ...هؤلاء هم سكان منطقة شبرا الخيمة التى كانت ذات يوم عنوانا للصناعة المصرية وبعد أن دارت عجلة الزمان كان طبيعيا أن ينالوا حظهم من قسوة دوران عجلة الزمان وأصبحت منطقتهم منطقة جذب للصناعات الضارة المعادية للبيئة والصحة والطفولة وأصبح العلاج يحتاج أكثر من 8 مليارات جنيه لتنقية صدور أهلها من غبار المصانع ...

المتهم الأول:

نموت خنقًا من زحام شديد ومنازلنا ملتحمة ببعضها البعض والجميع يشعر أنه يسكن في حجرات الشقق المجاورة حتى إنه يصعب علينا إخفاء سر شخصي تم مناقشته مساءً بين زوجين فيسمعه الجيران ويتداولونه في الصباح، بسبب المساكن التى أصبحت متكدسة والشوارع التى لا تزيد عن ثلاثة أمتار في الغالب، ومعظمها غير مرخص (خارج دائرة القانون)، هكذا قال محمد جاد أحد سكان منطقة شبرا الخيمة التابعة لمحافظة القليوبية، مضيفًا أنه يسكن منذ 30عامًا وأسرته المكونة من 6 أفراد، في شقة لها سقف خشبي فوق منزل بدون أعمدة، ويعمل ماسح أحذية نهارًا وفي المساء يذهب لعمله (عامل) بأحد مصانع النسيج بنفس المنطقة.

يكمل ماسح الأحذية حديثه قائلًا: أشتاق إلى المساحات الخضراء حتى إنني أذهب كل أسبوع للجلوس في أحد الحقول الزراعية المجاورة لمنطقة شبرا الخيمة وأحيانًا أذهب للنيل وأنظر إلى الماء حتى أشعر أنني تشبعت بطاقة جديدة تساعدنى على مواصلة الحياة.

مصانع للموت:

نعلم إننا نستقبل الموت والمرض بسبب تلوث الهواء والأتربة بمواد شديدة الخطورة هي من منتجات المصانع التى تحيط بنا، ولكننا مجبرون على الذهاب لهذه المصانع التى تنتج مواد سامة، نستنشق سمومها ونعيش بها مؤقتًا حتى نموت أو نمرض حيث نعجزعلى مواصلة المشوار، ولا نجد العلاج، كلمات قالتها أحلام السيد التى تربى أولادها الذين تم تسريبهم من التعليم بعد وفاة والدهم متأثرًا بالفشل الكلوي وتليف تام بالكبد، من أجل العمل بمسابك الرصاص وجلب مائة جنيه لكل منهما في اليوم على حد قولها، مؤكدة أن لديها 4 أولاد منهم ثلاثة ذكور جميعهم يذهبون للمسابك يوميًا، وقالت أعالج ابنى الأكبر صاحب الـ17 عاما من مرض فقر الدم، ولكنه مازال قادرًا على العمل والذهاب للمصانع.

يعلو صوت الأم التى أكدت علمها بخطورة ذهاب أولادها للمصانع التى تنتج المواد المستخدمة في الصناعات مثل الرصاص والزهر والألمنيوم، وقالت حذرتنا جمعيات أهلية كثيرة وأطباء وممثلون من خطورة مخلفات الرصاص وتأثيره السلبي علي الصحه العامة، وقالت: "لكنها هي الحياة نعيشها أو نموت جوعًا"، معتبرة نفسها وأولادها عاطلين في حال تخليهم عن المصانع المحيطة بهم والتى تطلب المزيد من الأبناء وخاصة الأطفال دون قيد أو شرط فالجميع هناك له دور يقوم به بأجر جيد.

 نصائح مرفوضة

قال عادل عياد العضو بالمجلس المحلي السابق بحي شرق شبر الخيمة إن 1200عامل يعملون في 98مصنعًا ومسبكاً لإنتاج الرصاص والزهر والألمنيوم بمنطقة شبرا الخيمة، يتعرضون مباشرة لمخلفات الصناعة المعدنية والأتربة المشبعة بالرصاص ويعودون لمنازلهم وأيديهم وجلودهم لونها رصاصي ويأكلون وجباتهم دون غسل أيديهم مما يزيد من سرعة انتشار التسمم بأجسادهم، ودمائهم وعادة يعلنون مرضهم بالفشل الكلوى وإصابتهم بالتليف الكبدى وأمراض الحساسية وضيق التنفس، وأشار إلى أن مستشفي التأمين الصحي تستقبل العشرات منهم يومياً ونقدم لهم النصائح بترك مسابك الرصاص دون جدوى، بسبب أجورهم العالية حيث يصل أجرة الفنى منهم 250جنيهًا في اليوم الواحد، بينما يحصل الطفل المبتدئ على 100جنيه في اليوم أيضاً.

التأخر العقلي.. أهم أعراض الرصاص:

أكد الدكتور علي عبد الشافي الحداد الباحث في الصحة العامة بكلية الطب جامعة الزقازيق أن مادة الرصاص تؤثر على الإنسان بشكل تراكمي تضرب أعضاء الجسم وخاصة الأطفال الذين يرتفع نسبة إعاقتهم الذهنية عن أقرانهم البعدين عن مادة الرصاص بنسبة 86% مما يعنى تأخر النمو العقلي وارتفاع نسبة التلوث والسمية بالجسم تعرضهم للإصابة بالتليف الكبدى والفشل الكلوى وتعطل ويهاجم الدماغ والجهاز العصبي المركزي ويسبب الغيبوبة والتشنجات، وقد يؤدى للموت، ويخزن الرصاص بين الأسنان والعظام وينصهر مع مرور الوقت، يكتسبها العاملون وخاصة الأطفال من أنصهار الرصاص في الأفران بالمسابك وخاصة التى لا تخضع لتعليمات السلامة المهنية، وينتشر الرصاص في الهواء ويصبح جزءا أصيلا من الأتربة والحوائط، واستنشاقه كل المحطين به يندمج في عناصر الجسم البشري ويضرب أعضاءه مع مرور الوقت، ويمكث المصاب معاقًا أو متوفى.

حذر عبد الشافي من تعرض الأطفال لمادة الرصاص والعمل في المسابك المنتجة له، حيث يرتفع نسبة إصابته بالتسمم لأن جسمه يمتصه من الأفران مباشرة بمعدل يفوق امتصاص جسم البالغ له بمقدار يتراوح 7 مرات للرجل الناضج.

الأولى فى إنتاج الرصاص

قال سيد بدر المنسق الإعلامي للجميعية المصرية للتوعية الفنية والثقافية بشبرا الخيمة إن المشكلة تكمن في زيادة نسبة العمالة من الأطفال بنسبة تزيد عن 80%، مشيرًا أن 20% فقط هم من الشباب الذي مازال يستطيع الخدمة دون تأثر كبير من الأمراض الناتجة عن تعرضهم للرصاص، حيث يتم تجديد العمالة بشكل دورى وسريع بسبب سرعة تعرض العاملين للأمراض التى تدفعهم للجلوس بمنازلهم معاقين أو موتى متأثرين بأعراض خطرة أقلها التخلف العقلي والبلاهة.

ذكر بدر أن منطقة عزبة أحمد شعلان التابعة لحي شرق شبرا الخيمة يسكنها 7 آلاف نسمة وبها 4 مصانع تنتج الرصاص وعشرات الورش الصغيرة يشتغل بها ما يقرب من 524عاملا معظمهم من الأطفال المتسربين من التعليم لظروف مادية ومساعدة أسرهم، بدخل جيد، وقال إن شبرا الخيمة تنتج 75% من إنتاج الرصاص والألمنيوم على مستوى القطر العربي.

وأشار بدر إلى أن المسابك الأربعة تحيط بمدرسة للتعليم الأساسي وهى مدرسة أحمد شعلان الابتدائية، واكتشفوا أن معظم الأطفال يعانون من مشكلات في التحصيل وتأخر في نسب الذكاء بالمقارنة بأعمارهم، ورصدت الجمعية وجود قشرة من الرصاص على حوائط المدرسة وسورها والفصول، وذكر أن تقريرًا تابعة لوزارة الصحة أكدت ارتفاع نسبة أمراض الثدي والإصابة بالسرطان علاوة على موت الأجنة داخل بطون أمهاتهم أثناء فترة الحمل الأولى، مشيرًا إلى أن نسبة المواليد الناجين بمنطقة شبرا الخيمة يرتفع بها نسب التسسم بالجسم.

حل تقليدى

قال أسامة لطفي العضو بالجمعية المصرية للفنون والثقافة إن السكان بمنطقة شبرا الخيمة تعدوا عليهم بالضرب وتكسير السيارات عندما طلبنا منهم حماية أطفالهم ومنعهم من الذهاب للمسابك، فقررنا الاستعانة بمجموعة من الفنانين من أصل المنطقة منهم "سامي العدل ومنير مكرم وحنان شوقي ومنال سلامة"، مطالبين الكشف على الأطفال للوقوف على مدى الخطر الذي يهدد أطفالهم.

أضاف لطفي أن الأهالي إكتشفت صدق النوايا للجمعية بعد خروج معظم التحليل بها نسبة كبيرة من التسمم مما سمح لنا بالتحدث معهم والاتفاق علي نقل المصانع إلي منطقة أبوزعبل من خلال برتكول مع المحافظة للحفاظ علي صحة المواطنين هناك، وأصدرت المحافظة قرارًا يتضمن غلق عدد من المسابك واحتساب مساحة المصنع وتعويض مالكه بقطعة أرض بمنطقة العبور وأبو زعبل شرق القاهرة أو تعويض مادى مناسب.

المليارات فى مواجهه الرصاص

أعلن أسامة لطفي المخرج بالجمعية المصرية للفنون والثقافة أن مؤسسة لايف لحماية البيئة شنت حملة بمنطقة شبرا وأنفقت 9مليارات جنية لتجديد المستشفي الكابلات بالكامل وتخصيصها لمعالجة المصابين بالتسمم من سكان شبرا، كما تم إزالة جدران مدرسة أحمد شعلان والقشرة الرصاصية التى كانت عليها وداخل الفصول وتجديدها بالكامل ومسح الطوب وإعدة بناء الأجزاء التى كانت تعانى مشكلات ترميم وتم إستيراد بلون من ألمانيا لحماية المنطقة من عادم الرصاص والمدرسة الابتدائة بالاشتراك مع وزارة البيئة التى أعلنت أن منطقة شبرا الخيمة شديدة التلوث البيئي.

المسئوليه الاجتماعيه

أضاف لطفي تمكنا من توقيع برتوكول مع شركة عثمان أحمد عثمان المهتمة بأعمال المقاولات بعمل دورات تدريبة لتأهيل أطفال شبرا الخيمة للعمل بالشركة نفسها وترك المسابك شرط استكمال العملية التعليمية ومنحهم مقابلا ماديا للتدريب والتعليم وتعيينهم بالشركة والتأمين عليهم، فيما تم تعيين عدد كبير من كبار السن من العمالة والتى يتراوح أعمارهم أكبر من 16 سنة سائقين وفنيين وعمال بأجر مجز.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك