«أنا وابنى وست أرجل».. تجربة فريدة وأبطال حقيقيون - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 2:11 ص القاهرة القاهرة 24°

الأكثر قراءة

قد يعجبك أيضا

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«أنا وابنى وست أرجل».. تجربة فريدة وأبطال حقيقيون

كتبت ــ شيماء شناوى:
نشر في: السبت 23 مارس 2019 - 1:52 م | آخر تحديث: السبت 23 مارس 2019 - 2:28 م

«من الانغماس فى ترتيب حقائب السفر وأوراقه وترقب أيام من السعادة والمرح إلى ترتيب أوراق الأشعة والتحاليل والانتظار فى عيادات الأطباء». بهذه العبارة تستهل هبة هنداوى كتابها «أنا وابنى وست أرجل» الصادر حديثا عن دار الشروق، لتسرد خلال صفحاته، قصة معركة حقيقية وشرسة خاضتها مع ابنها ذى السنوات السبع، فى مواجهة مرض نادر ألم به، فقلب حياتهما رأسا على عقب، ولتبدأ رحلتهما المضنية المشوبة بالخوف والترقب والانتظار، للبحث عن «باب للخروج» من هذا النفق المظلم الذى انزلقا إليه بدون سابق إنذار.


تقدم «هنداوى» حكايتها وتجربتها كاملة، لعلها تكون مرشدا لكل قارئ مَر بتجربة مرض أو أى تجربة أخرى آلمته أو تؤلمه، لعل تجربتها تكون نبراسا ومعينا لكل أسرة التقمها حوت الخوف والقلق والترقب والانتظار، لتؤكد أنه لا فائدة من الغضب والتذمر، بل إن الصبر واليقين والاستعانة بالله والتسليم بقضائه هو المرشد والمخرج، فلا مخرج من الابتلاء إلا بالرجوع إلى خالق الابتلاء، ولا بد من الوصول لنهاية الطريق مهما بعدت المسافات.


تبدأ هنداوى حكايتها الحقيقية، من حالة العرج الخفيف الذى بدأت تلاحظه فى رجل ابنها، حيث يظهر يوما ويختفى أياما، مرجعة ذلك إلى حالة شد عضلى تنتابه بعد مجهود رياضة «الكونغ فو» الذى لم يعتد عليه طفلها، أو أن الأمر عامل نفسى حيث يتعمد الصغير فعل ذلك محاولة منه لجذب الانتباه إليه بعد سفر والده، ولكنها تعود لتتساءل إن كان الأمر نفسيا وليس عضويا فلماذا يتوقف صغيرها أثناء اللعب فى الملعب، وهو لا يعلم أنها تراقبه؟، ولماذا أصبح صعوده للشقة يستوجب عليه التشبث بدرابزين السلم، وكأنه رجل فى السبعين وليس طفلا فى السابعة؟ وما سر شكواه المستمرة من ألم شديد ومتواصل فى الحوض، يجعله يقول: «هناك سكين مغروز.. أريد قضيبا معدنيا أضرب به الألم المتمركز هنا!»، كل ذلك جعلها تقرر أن ابنها بحاجة إلى الفحص، وحتى الموعد المحدد لزيارة الطبيب، ولأنها لا تستطيع مع قلقها صبرا، تلجأ إلى شبكة «الإنترنت» مستعينة بخبرتها بلغتها الإنجليزية، وبدراستها السابقة لدبلومة الترجمة الطبية، فى محاولة منها للاطمئنان على حال طفلها.


وما بين التصديق والتكذيب المصاحب لسيل المعلومات التى تتلقاها تجد نفسها أمام حقيقة صادمة، صغيرها مصاب بمرض نادر يُدعى «ليج كالفيه برثز»، لا يصيب سوى طفل من 2000 طفل حول العالم، وفقا للإحصائيات، يتعرض له الأطفال الأكثر نشاطا، ويصيب الأولاد أكثر من البنات، عواقبه وخيمة، حيث يسبب تشوها فى عظمة الفخذ، مما يؤدى إلى خشونة مفصل الحوض مستقبلا، وتصبح هناك حاجة لتغيير المفصل، ممنوع الجرى، ممنوع القفز، أفضل الرياضات هى السباحة وركوب الدرجات؛ لأنها تحافظ على ليونة المفصل، ينتهى المرض مع البلوغ، ومن الممكن أن يسبب فرقا فى طول الرجلين، لما يسببه من تدمير فى رأس العظمة.


يتأكد لها كل ما سبق مع موعد زيارة طبيب عظام الأطفال المتخصص، الذى يخبرها بعد الفحص وعمل الأشعة؛ أنه بالفعل «برثز»، وأنه حتى الآن لا يوجد علاج له، لترفض تصديق ما سمعته منه، محدثة نفسها: «لا بد أن هناك حلا فى مكان ما!»، وأن هناك من سبقوها فوجدوا علاجا، ولكن أين هم؟ حتما هى ليست الوحيدة، حتى تجد ضالتها عبر شبكة «فيسبوك»، مجموعة دعم ومساندة لمرض «برثز» فى أستراليا ونيوزيلندا، قبلوا انضمامها، وكانوا خير معين لها، خلال رحلة العلاج، بما أمدوها به من معلومات وحلول للمشكلات اليومية التى يمر بها طفلها، ولتقدم تلك المجموعة نموذج للإنسانية فى أبهى صورها.


كان الحل المقترح من قبل الأطباء، الذين تزايد عدادهم يوما بعد آخر، هو التدخل الجراحى، وهو الحل الذى أقترحه أيضا أعضاء مجموعة الدعم، لكن الصعوبة تكمن فى أن التدخل الجراحى ليس علاجا بل فقط وسيلة لحماية العظمة من التآكل قدر المستطاع، وبينما تستعد الأسرة للجراحة لأن ليس لديها ما تفعله أكثر، تجد إحدى عضوات مجموعة الدعم تذكر أن حالة ابنتها كانت مشابهة لحالة ابنها، وأنها رفضت التدخل الجراحى، ولجأت إلى استخدام المثبت المعدنى الخارجى، «الإليزاروف»، وحقق نجاحا كبيرا فى حالة ابنتها.
لتبدأ الأم رحلتها لاستكشاف ماهية هذا «الإليزاروف»، ولماذا لم يشر إليه أى طبيب من الذين لجأت إليهم؟ ولتفاجأ فى زيارتها للطبيب الأخير فى قائمتها د.هانى حفنى، يخبرها بأن المثبت المعدنى هو الحل الأمثل لحالة ابنها، وأنه عبارة عن هيكل معدنى يثبت به بعض القوائم المعدنية عن طريق مسامير تخترق الجلد، من خارجه لتنفذ للعظام وتثبتها فى مكانها، يكون الهيكل بارزا خارج الرجل، ليكون هذا المثبت المعدنى الاقتراح الذى توافق عليه على الرغم من منظره القاسى، لكنه أفضل من الجراحة الداخلية، وكسر عظمة الفخذ، وتركيب الشرائح والمسامير وتغيير التشريح الداخلى للجسم، وما يمكن أن يترتب عليها من تلوث ومشاكل، وإعادة الكرة مرة أخرى بعد سنة لاستخراج ما تم غرسه من مسامير داخل الجسم، لتتم العملية، وتمضى خمسة أشهر كاملة قبل أن يتخلص طفلها من المثبت المعدنى المعدنى الذى حرمه من النوم والجلوس وكل وسائل العيش بحرية.


فى هذا الكتاب تروى هبة هنداوى كيف تحول طفلها خلال رحلة المرض من طفل لا همَ له سوى اللعب، إلى طفل آخر أكثر صلابة وتحملا للألم، يعرف معنى الصحة والسلامة، وكيف أصبح أرق قلبا وأكثر إحساسا بمعاناة كل من حوله. كما يبرز الكتاب قوة النفس البشرية التى مهما تكالبت عليها الهموم والمسئوليات يمكنها أن تنهض كمارد جبار يتجاوز كل الحدود ويحطم كل الحواجز،عجيبة هى النفس البشرية، وما بها من طاقات دفينة لا يجليها لوقتها إلا خالقها.



قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك