أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، صباح اليوم الخميس، بدء عملية عسكرية في إقليم دونباس الأوكراني، لافتا إلى أن المواجهة بين روسيا والقوى القومية في أوكرانيا لا مفر منها.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن الأسلحة عالية الدقة تعمل على تعطيل البنية التحتية العسكرية، ومنشآت الدفاع الجوي والمطارات العسكرية وطيران الجيش الأوكراني، وفق ما تنقله وكالات أنباء عالمية، وقد أعلن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي فرض حالة الأحكام العرفية في عموم البلاد، في ظل العملية العسكرية التي أطلقتها روسيا.
وتصدرت أخبار أوكرانيا وروسيا عناوين الصحف العالمية منذ أيام، وأصبحت أخبار الهجوم الروسي الأكثر تداولاً في ظل وجود منصات التواصل الاجتماعي، وبات سؤال ماذا سيحدث خلال الساعات القادمة أمراً في غاية الأهمية في ظل تصاعد الأوضاع وردود الفعل العالمية، ولكن دائماً ما يرتبط الحاضر بالماضي فهذه العلاقات المتوترة بين الدولتين لها جذور ممتدة في التاريخ الحديث، نستعرض منها أحد أكثر الوقائع شراسة وهي الـ"هولودومور".
هولودومور.. الطريق إلى مأساة التجويع
هولودومور، هي كلمة تعني القتل المتعمد من خلال فرض التجويع، ويستخدم الأوكرانيون هذا الاسم إشارة إلى الكارثة الوطنية التي وقعت في الفترة من 1932 إلى 1933، وفق ما يذكره كتاب "أوكرنيا الإبادة الجماعية بالتجويع"، الصادر عام 2020 من إعداد المعهد الأوكراني للذكرى الوطنية ومتحف هولودومور التذكاري الوطني؛ لشرح لماذا المجاعة الكبرى هي إبادة جماعية، ولماذا يجب أن يعترف بها المجتمع الدولي، ويناشد الكتيب الأوكرانيين والمجتمع الدولي التفكير في أسباب وعواقب مأساة الشعب الأوكراني التي سببها النظام البلشفي الروسي.
خاض الأوكرانيون مثل الشعوب الأوروبية الأخرى في القرن التاسع عشر مرحلة بناء أمتهم، ففي بداية القرن العشرين ظهرت الفرصة السياسية لخلق وإنشاء الحركة التحررية نحو الاستقلال الأوكراني، وأتاح سقوط الإمبراطورية الروسية تلك الفرصة، ففي عام 1917 انفجرت الثورة الأوكرانية في جميع أنحاء أوكرانيا وبدأ الأوكرانيون في إنشاء المراكز الإدارية والمؤسسات العامة الخاصة بهم، وتم تشكيل المجلس المركزي الأوكراني بالإضافة إلى الأمانة العامة ومن ثم أنشئت الجمهورية الشعبية الأوكرانية في نوفمبر 1917، وأعلن استقلالها الكامل في يناير 1918.
روسيا لم تسلك الصمت طريقا
في نوفمبر 1917، كان النظام البلشفي الروسي برئاسة فلاديمير لينين أثبت قوته وسيطر على روسيا، وبعد شهر فقط أعلن الحرب على أوكرانيا، فهاجموا واستولوا على مدينة كييف الأوكرانية أربع مرات خلال الفترة من عام 1918 وحتى 1920، وبحلول نهاية عام 1920 استولى الجيش البلشفي على جزء كبير من الأراضي الأوكرانية.
وفي منتصف العشرينيات من القرن الماضي، كانت هناك مقاومة كبيرة للنظام الشيوعي من الفدائيين والمتمردين، ومن أجل إحكام القبضة على أوكرانيا اضطر الروس إلى تشكيل كيان شبه حكومي يسمى الجمهورية الاشتراكية السوفيتية الأوكرانية ومقرها خاركيف.
وضمن خطة السيطرة، وسعت القوات الروسية نطاق سلطاتها، كما يدون الكتاب تفاصيل هذه الفترة الزمنية، من خلال تأميم الصناعة وتوحيد التجارة والعلاقات النقدية وحشد العمالة العاملة والممارسات الغذائية الزراعية من خلال تنظيمها عن طريق القبضة المركزية الروسية، وعلى الرغم من أن الجفاف في أوكرانيا وجنوب روسيا في الفترة من 1921 إلى 1923 قد أدى إلى ندرة الغذاء الطبيعي فقد تفاقم الوضع إلى مجاعة انتشرت على نطاق واسع أثرت على الملايين.
ولكن خوفاً من الدخول في حرب مسلحة مع الفلاحين الأوكرانيين، عدّل الروس برنامجهم، واعتمدوا مبادرة تجارية ومالية مدتها خمس سنوات تسمى "السياسة الاقتصادية الجديدة" كتراجع تكتيكي مؤقت عن وتيرة أعمالهم، واستمر النظام الروسي بتشديد قبضته على كل جانب من جوانب المجتمع والاقتصاد والقنون والدين والعلوم.
الزراعة الجماعية والسلطات الروسية المطلقة
وبحلول نهاية العشرينيات، قام جوزيف ستالين شخصياً بتمكين سلطاته المطلقة على كل الموارد المتاحة، وتخلى عن السياسة الاقتصادية الجديدة، ومن ثم بدأ التصنيع المتسارع اللازم لإنشاء قوة عسكرية قوية كفيلة بنشر الشيوعية في أرجاء أوكرانيا والعالم.
وفي نهاية عام 1927، أصدر النظام قراراً ينص على العمل بنظام الزراعة الجماعية، وفي يناير 1928 بدأت مصادرة الحبوب قسراً، وكان هذا بداية التخلص من المزارع الناجحة التي يمتلكها "الكوركولون" الفلاحون الأثرياء، فتكبدوا في البداية غرامات عالية لا تطاق، وفرضت عليهم القوانين، وحُرموا من جميع ممتلكاتهم وأبعدوا في النهاية، وبحلول عام 1931 تمت تصفية أكثر من 352 ألفاً من المزارع المنتزعة في أوكرانيا، ما أدى إلى نهب مجموع ما يقرب من 1.5 مليون مزرعة من قبل النظام الروسي.
المزارعون بين المقاومة والمجاعة
كانت سياسة الزراعة الجماعية القسرية بمثابة صدمة للمزارعين الذين كانت أراضيهم وممتلكاتهم الخاصة تلعب دوراً مركزياً في حياتهم اليومية، وقوبلت إجراءات النظام الروسي باستياء شديد في جميع أنحاء البلاد حيث قاوم المزارعون هذه القرارات.
ونمت مقاومة المزارعين في وقت واحد مع زيارة وتيرة الزراعة الجماعية، وبلغت ذروتها في مارس 1930، ولكن من خلال الضغط أجبر النظام أكثر من ثلثي المزارعين الأوكرانيين على الانضمام إلى المزارع الجماعية.
انتشرت ثورات المزارعين التي وصفها الشيوعيون بمزامير القرية حينها، وبلغت ذروتها في فبراير ومارس 1930، وأفادت ملفات الشرطة العامة بأنه من 20 فبراير إلى 29 أبريل تمردت 41 منطقة من أصل 44 تمرداً نشطاً ضد سياسات الروس، وتم توثيق أكثر من 4 آلاف مظاهرة جماهيرية.
وفي عام 1931، فرض النظام الروسي سيطرته بقوة كبيرة واضطر معظم المزارعين في نهاية المطاف إلى الانضمام إلى المزارع الجماعية، وكانت للدولة السيطرة الكاملة على منتجات عملهم ومجمل محاصيلهم، وفي ذلك العام ومع تحقيق حصاد قياسي في المزارع تم تصدير كل الحبوب المحصودة تقريبا.
وفي ربيع 1932 نتيجة لتصدير الحبوب الأساسية، ضربت المجاعة مناطق عديدة في أوكرانيا، وبحلول الصيف من نفس العام حدثت موجات هائلة من احتجاجات الفلاحين وأعمال الشغب، وخلال سبعة أشهر في هذا العام وقعت أكثر من 56% من الاحتجاجات، أعقبها نزوح جماعي لأسر المزارعين من المزارع الجماعية.
مواجهة المجاعة بأطعمة بديلة
ولجأ الناس خلال هذه الفترة إلى أطعمة بديلة لمحاولة النجاة من المجاعة، واعتمد البعض على لحاء البلوط والكتان من خلال قطع لحاء البلوط على البخار ويمزج ببذور الكتان، وخلط قطع البابونج بحفنة من دقيق الذرة وصنع الفطائر.
وأيضاً استخدمت بذور الشبت مع أوراقها وقطعت بشكل ناعم وتم تسويتها على البخار مع حبات القمح المسلوق لزيادة سمكها وخبزها، وكان الطبق الأكثر انتشاراً خلال المجاعة هو حساء العشب المصنوع على أساس مشروب الكفاس، وهو مشروب تقليدي مخمر يتم صنعه عامدة من خبز الجاودار، ومعروف بالخبز الأسود، مضاف إليه أوراق وجذور نباتات مختلفة ونبات القراص والقطيفة والهندباء البرية.