تواصل «الشروق» على مدار شهر مارس، تذكير قرائها بنخبة مختارة من الأغاني والقصائد الوطنية التي أنتجتها عقول شعراء وفناني مصر الرواد، بالتزامن مع ثورة 1919 أو تفاعلاً معها أو مواكبة لمطالبها وشعاراتها، بهدف إلقاء الضوء على أشكال مختلفة من إبداعنا منذ 100 عام ورصد الآثار الكبيرة للثورة على الفن والأدب في مصر.
••••••••••••
قبل سيد درويش لم يكن هناك نشيد قومي متداول بين أفراد الشعب، وقد ولد أول نشيد «قوم يا مصري» في رواية «قولوله» من كلمات بديع خيري في عام 1919.
وتعد أكبر مكاسب ثورة 1919 تحريرها للجيش المصري بعد أن كان تحت قيادة الاحتلال البريطاني، عقب حل جيش العرابيين مع دخول بريطانيا لمصر، فقدم سيد درويش الألحان ذات طابع عسكري لبث الشجاعة والإقدام عند الجنود والشعب.
وبلغ سيد درويش الذروة في تلحين هذه الأناشيد في عام 1921؛ مع تقديم أوبريت «شهر زاد» والذي كان مليئًا بالألحان الوطنية والأناشيد الحماسية التي تتغنى بأمجاد الوطن مثل: (أنا المصري كريم العنصرين - أحسن جيوش في الأمم جيوشنا- دقت طبول الحرب ياخيالة - الجيش رجع م الحرب - اليوم يومك ياجنود)، التي استطاع بذكاء من خلالها تمجيد الجيش المصري والاعتزاز بالجنسية المصرية، وتأييد الثورة، والتعرض لحقيقة انتماء المصري إلى بلده مهما كانت الضغوط التي يعانيها.
نشيد «أحسن جيوش في الأمم جيوشنا» الذي كتبه بديع خيري ولحنه سيد درويش وغناه مع نظلي مزراحي إلى جانب مجموعة «الكوال» كان جديدًا من نوعه من حيث استخدام المجاميع في الغناء وكذلك الاستخدام موسيقى المارشات العسكرية، والتي استقاها سيد دوريش من الموسيقى الغربية وطورها لإلهاب الحماس، ما ساعد أيضا في أن يكون اللحن بسيط يستطيع الجمهور حفظه وترديده.
فتقول كلمات النشيد:
أحسن جيوش فى الأمم جيوشنا وقت الشدايد تعال شوفنا
ساعة مانلمح جيش الأعادي نهجم ولا أي شئ يحوشنا
مستقبل الأمة بين إيديكم فى الوقت ده نعتمد عليكم
ردوا آدي الشعب بيناديكم بيقول لكم احفظوا شرفنا
أحسن جيوش فى الأمم جيوشنا وقت الشدايد تعال شوفنا
ساعة مانلمح جيش الأعادي نهجم ولا أي شئ يحوشنا
آدي جنودنا وآدي بنودنا وفي الدفاع والهجوم تجدنا
مالناش صناعة غير الشجاعة وللجهاد ربنا خلقنا
أحسن جيوش فى الأمم جيوشنا وقت الشدايد تعال شوفنا
ساعة مانلمح جيش الأعادي نهجم ولا أي شئ يحوشنا
كذلك قدم الثنائي، سيد درويش وبديع خيري، طقطوقة «مسافر الجهادية»، والذي غنته نعمية المصرية في استعراض «الطاحونة الحمراء» عام 1922، وهو الاستعراض الذي غنت فيه نعيمة المصرية طقطوقة «كيكي كيكو» الشهيرة وغنا فيه سيد درويش طقطوقة «دنجي» أيضا.
وكلمات الطقطوقة عبارة عن حوار بين جندي ذاهب لأداء خدمته العسكرية «الجهادية» وبين أمه التي تبكي وتخشى عليه، فيحمسها ويطلب منها أن تشجعه بدل البكاء، ويذكر بفخر كيف تكون حياة الجندي، ويطلب منها أن تدعي له، وأن تحافظ على «صيغتها» و«مش ضروري البدلية»، و«البدلية» هي اسلوب كان متبعا مع نهاية القرن الـ19 وبدايات القرن الـ20 ويتم فيه مبادلة الخدمة العسكرية بمبلغ مالى بموافقة الحكومة، فكان الأغنياء يدفعوا البدلية للابتعاد عن التجنيد الذي كان إجباريا منذ أيام محمد علي، أما الفقراء غير الراغبين في «الجهادية» كان أهاليهم يستدينون أو يبعيون ممتالكاتهم من أجل الحصول على «تذكرة البدلية».
ونفس طريقة الحوار بين الأهالي والابن الذاهب إلى «الجهادية» اعتمد عليها يونس القاضي في طقطوقة «ياعزيز عيني» والتي غناها سيد درويش في عام 1915، ولكنها كانت في موقف مغاير؛ إذ كان الإنجليز يجلبون الفلاحين والعمال المصريين ليعملوا بالسخرة في ميادين القتال إلى جانب القوات البريطانية في الحرب العالمية الأولى.
للمزيد: اضغط هنا
فكما هو واضح؛ المصريون الذين كانوا ينعون حظهم لأنهم ذاهبون إلى ميادين القتال خلال حرب العالمية الأولى، أصبحوا بعد ثورة 1919 وتحرير جيشهم يفخرون بالذهاب إلى «الجهادية» رافضين دفع «البدلية».
كلمات الطقطوقة:
يا أمي ليه تبكي علي وأنا مسافر الجهادية
الأم: الفرقة صعبة يامراري والغربة حاتشعلل ناري
كتبوك بيادة ولا سواري
ولا نفر فى الطوبجية
الجندي: قولي لي كلمة تشجعني وخلي أهلي تودعني
وادعي لي ربي يرجعني ومش ضروري البدلية
يا أمي ليه تبكي علي وأنا مسافر الجهادية
ليه بس حاتطوعي شفقتك وتشتريني وتبيعي صيغتك
اذا انتصرت اتقيمي رايتك وتكوني أول وطنية
صوت المدافع فى الميدان زي الكمانجة والعيدان
والحرب مخلوق للشجعان والصيغة تلبسها وليه
يا أمي ليه تبكي علي وأنا مسافر الجهادية
نوم السراير للعاشق أما احنا نومنا فى خنادق
نعمل مخدتنا بنادق فرش وغطا وبطانيه
ساعة الخطر ننسى روحنا نطوي العدو تحت جناحنا
نفدي وطننا بأرواحنا ودا اساس الوطنية