ــ الرئيس عبدالناصر تأثر بـ«عودة الروح» وفكرة «البطل المخلص».. واليسار اعتبر الكتاب خيانة لـ 23 يوليو
ــ دافع عنه عبدالناصر أمام وزير: أتريد طرد كاتب عائد إلينا بتحية من بلد أوروبى.. أتريد أن يقولوا عنا إننا جهلاء؟!»
• تناول فى «شجرة الحكم» مأساة الحكم فى كل زمان ومكان.. وانتقد النظام البرلمانى فى مصر
• الحكيم: كتبت «السلطان الحائر» خوفًا من أن يجور سيف السلطان على القانون والحرية
• رجائى عطية: لا أحسب عاقلًا يصف دعوة توفيق الحكيم فى «عودة الوعى» أنها جحود ونكران للجميل
• حفيد الحكيم: على الدولة إعادة إحياء تراثه.. فحياته ومؤلفاته تؤرخ لمحطات فى تاريخ مصر والعالم
تصادف ذكرى رحيل الكاتب الكبير توفيق الحكيم التى توافق غدا الأحد الاحتفال بذكرى ثورة يوليو، ولم يكن الأستاذ توفيق الحكيم، شاهدًا ومؤيدًا ومتحمسًا فقط لثورة 23 يوليو، والتى نحيى ذكراها أيضًا هذه الأيام. بل كان من المبشرين لها والداعين إليها ومن أوائل المفكرين الذين دعوا إليها، وكانت كتاباته قبل 1952، لا تخفى كيف أصبحت مصر وطنا موبوءا ومصابا بأمراض النفعية والحزبية والظلم الاجتماعى، وحفل كتابه «شجرة الحكم»، بعبارات تنبئ بضرورة التغيير ومنها عبارات: «حركة مباركة ــ ثورة مباركة»، وكشف عبر ثلاثة أجزاء تضمنها الكتاب، مأساة الحكم فى كل زمان ومكان. وانتقد النظام البرلمانى فى مصر. وهى الكتابات والأفكار التى تأثر بها عبدالناصر فى شبابه، وخاصة بعد قراءته رواية «عودة الروح»، وتأثره بفكرة «البطل المخلص»، وشعر أنه هو المعبود الذى سيخرج من بين أبنائها.
وإن كانت المهمة الكبرى لحامل القلم والفكر هى الكشف عن وجه الحقيقة. فتلك هى المهمة التى حملها الأديب توفيق الحكيم، طوال مسيرته الأدبية والفكرية، عبر مؤلفاته المختلفة سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو بالإسقاط كما حدث فى رواياته ومسرحياته ومنها: «بنك القلق، السلطان الحائر، سلطان الظلام، بجماليون، شجرة الحكم» وغيرها. وهى المهمة التى جرَّت إليه الكثير من المعارك الفكرية التى خاضها على مدى تاريخه، أمام الاتجاهات المخالفة له، أشهرها كانت أمام الشيخ المراغى شيخ الأزهر آنذاك، وضد مصطفى النحاس زعيم الوفد. ثم كانت أخطر معاركه عندما نشر توفيق الحكيم على مدى 4 أسابيع سلسلة مقالات بصحيفة الأهرام تحت عنوان «حديث مع وإلى الله». أما أطول هذه المعارك الفكرية فكانت مع اليسار المصرى، بعد صدور كتاب «عودة الوعى»، حيث غضب الناصريون فى مصر وخارجها، عقب نشر الكتاب، واعتبروا مضمونه خيانة من المؤلف لزعيم مصرى طالما سانده ودعمه وأنصفه وأعتبره الأب الروحى لثورة 23 يوليو.
• «طردت وزيرًا من أجل مفكر»
لم يخف الرئيس عبدالناصر تأثره بكتابات الحكيم، فإن الأخير لم ينكر محبته الشخصية للرئيس وحماسه المطلق للثورة، ويذكر الحكيم كيف دافع عنه عبدالناصر، وهو لم يزل أحد قادة الثورة، وليس على رأسها، حينما تقدم أحد وزراء الوزارة الأولى بمذكرة يطلب فيها فصل الحكيم من وظيفته بدعوى أنه غير منتج، فإذا بناصر يقول: «أتريد أن نطرد كاتبًا عائدًا إلينا بتحية من بلد أوروبى.. أتريد أن يقولوا عنا إننا جهلاء؟!» ــ كانت ألمانيا أقامت احتفالا للحكيم بمناسبة عرض إحدى مسرحياته على مسرح «الموزاريتيوم»، وانتهى الأمر بخروج الوزير من الوزارة، وبتصريح الرئيس فيما بعد خلال لقاءاته مع الصحفيين والمراسلين الأجانب: «طردت وزيرًا من أجل مفكر».
• بين «عودة الروح» و«عودة الوعى»
يحكى توفيق الحكيم، أحد أبرز رواد الأدب العربى، ومؤسس المسرح الذهنى، عن طبيعة العلاقة بينه وبين الرئيس عبدالناصر، فى كتابه «عودة الوعى»، إذ يقول: «لقد كانت ثقتى بعبدالناصر تجعلنى أحسن الظن بتصرفاته وألتمس له التبريرات المعقولة، وعندما كان يداخلنى بعض الشك أحيانًا، وأخشى عليه من الشطط أو الجور، كنت ألجأ إلى إفهامه رأيى عن بعدٍ وبرفق، وأكتب شيئًا يفهم منه ما أرمى إليه. فقد خفت يومًا أن يجور سيف السلطان فى يده على القانون والحرية، فكتبت «السلطان الحائر». ثم خفت أن يكون غافلًا عما أصاب المجتمع المصرى قبيل حرب 1967 من القلق والتفكك، فيعتمد عليه فى الإقدام على مغامرة من المغامرات فكتبت «بنك القلق»، وهى كلها كتابات مترفقة بعيدة عن العنف والمرارة، لمجرد التنبيه لا الإثارة، وكما علمت فقد قرأها وفهم ما أقصده منها، ولكنه فيما ظهر لم يأخذ بها، بل اندفع فى طريقه.

• «الحكيم وعبدالناصر فى ميزان رجائى عطية»
وفى الكتاب الصادر حديثًا عن دار الشروق، للأستاذ رجائى عطية، نقيب المحامين، بعنوان «توفيق الحكيم وعودة الوعي»، يضع المؤلف الذى تصادف وجوده فى قلب الأحداث بالقوات المسلحة منذ سبتمبر 1959، حتى غادرها فى 1976، يده على حقيقة علاقة الزعيم بالأديب، ويوضح أسباب الصدع الذى حدث بينهما، فعبدالناصر الذى كان يدهشه ابتعاد توفيق الحكيم متسائلًا: «ألسنا نفعل ما فكر فيه وشعر به وكتب عنه.. إن الثورة ثورته». لم ينتبه إلى المبدأ الذى يتبناه وكتب عنه الحكيم مرارًا: «إن الحاكم لا يريد من المفكر تفكيره الحر، بل تفكيره الموالى، وأنه يخاف أن يفقد رسالته عن وعى إذا اقترب من الحاكم». بينما الحكيم الذى أحب عبدالناصر وكتب عنه: «لا شك أن عبدالناصر يُحب، وقد أحبه كثيرون. وشخصيًا أنا أحبه، ولكنى لا أعبده»، موضحًا لمنتقديه بعد كتاب «عودة الوعي» حقيقة حبه للرئيس الذى وقف إلى جانبه فى كل موقف، حتى أنه منحه أكبر وسام فى الدولة، وأجاز نشر روايته «بنك القلق»، بعد أن حالت الأجهزة دون اتمام نشرها فى صحيفة الأهرام. إلا أنه وبرغم حبه للرئيس فهو يحب مصر ومستقبلها أكثر، وأن كتابته «عودة الوعي»، هو مراجعة لفترة حكم بأكملها وليس لخصومة مع شخص.
• «فى مسألة الحاكم والمحكوم»
ويبرئ رجائى عطية فى كتابه السالف الذكر ساحة توفيق الحكيم، شيخ كتّاب القرن العشرين، وأكثرهم تنوعا بين ميادين الرواية والمسرح والقصة القصيرة والمقال السياسى والمقال الفلسفى، من تهم الجحود ونكران الجميل التى انهالت عليه بعد كتابه «عودة الوعى»، إذ يقول: «لا أحسب عاقلًا يوصف دعوة توفيق الحكيم على أنها جحود ونكران للجميل، فذلك لا يكون إلا فى العلاقات والمصالح الشخصية، ولا يجرى فى مصائر الأوطان والشعوب. ويعدد نقيب المحامين فى كتابه الأسباب التى أدت بالأستاذ توفيق الحكيم لكتابة عودة الوعى، ومن بعده كتاب وثائق فى طريق عودة الوعى ومنها تحول الحكم فى مصر إلى الحكم المطلق والذى أدى بها إلى الهزيمة فى حرب اليمن التى لا ناقة لها فيها ولا جمل، ثم اتهام حلفائها لها بالخيانة، وانفصال الوحدة المصرية السورية، وهزيمة 1967، وغيرها من الأحداث الجسام التى عاشتها مصر خلال الحقبة الناصرية.
• «الحكيم يكتب عن الثورة مرة أخرى»
وبقدر ما حفلت أعمال الحكيم المختلفة بعبارات وأفكار ومفاهيم حول معنى الثورة، إلا أنه قرر تأليف كتاب خصيصًا لها، فكان كتابه «ثورة الشباب»، وفيه يوضح الفرق بين «الثورة» و«الهوجة» إذ يقول: إن الهوجة تقتلع الصالح والطالح معا، كالرياح الهوج تطيح بالأخضر واليابس معا، وبالشجرة المثمرة والشجرة الصفراء جميعا. أما «الثورة» فهى تبقى النافع وتستمد منه القوة، بل وتصدر عنه أحيانا، وتقضى فقط على البالى المتهافت، المعوق للحيوية، المغلق لنوافذ الهواء المتجدد، الواقف فى طريق التجديد والتطور، والمسألة ليست دائما بهذه البساطة. الثورة والهوجة تختلطان أحيانا، إن لم يكن فى كل الأحيان. فالثورة كى تؤكد ذاتها وتثبت أقدامها تلجأ إلى عنف الهوجة كل ما كان قبلها، وتجعل بداية كل خير هو بدايتها، وتاريخ كل شىء هو تاريخها، ولا يتغير هذا الحال إلا عندما تشعر الثورة بصلابة عودها وتوقن أنه قد أصبح لها وجه واضح وشخصية متميزة ومكان راسخ فى التاريخ العام، عندئذ تنبذ عنها عنصر الهوجة وتأنف منه، وتعود بكل اطمئنان إلى تاريخ الأمة العام لتضع كل قيمة فى مكانها الصحيح، وتضع نفسها فى الحجم المعقول، داخل إطار التسلسل الطبيعى لتطور أمة ناهضة، إذا عرفنا ذلك، كان من الميسور أن نفهم حركات الأجيال الجديدة، أو ما يسمى بـ«ثورة الشباب».

• «فى محاولة لإعادة إحياء تراث الحكيم»
«تقوم دار الشروق بدور كبير فى إعادة نشر جميع مؤلفات توفيق الحكيم، فى طبعات فاخرة تقدمها للمكتبة العربية والعالمية، ولكن هذا غير كاف».. هكذا يقول إسماعيل نبيل، حفيد الكاتب الكبير توفيق الحكيم، فى تصريح خاص لـ«الشروق»، مضيفًا: «على الحكومة المصرية دور مواز يجب القيام به، فعلى الرغم من بعض التحركات التى تظهر على السطح ثم تختفى سريعًا من حين لآخر، إلا أن الأمر يبقى كما هو، لم يحدث شىء ملموس على أرض الواقع. وما زالنا ننتظر التكريم الذى يستحقه الحكيم، وأعتقد أن التكريم الذى يستحقه هو «إعادة إحياء تراثه»، وإعادة إنتاج مسرحياته القيمة، أو إنتاج مسلسل تليفزيونى عنه، فحياة الحكيم ومؤلفاته تؤرخ لمحطات فى تاريخ مصر والعالم.

ــ الكتب متاحة للشراء فى فروع مكتبات الشروق وعبر موقعها الإلكترونى