يعتقد علي جاسم، وهو أب لثلاثة أطفال، أن حصوله على فرصة عمل تعني تحقيق حلم يراوده، فالحصول على عمل في العراق يكاد ينعدم بسبب كثرة العاطلين.
ويرى جاسم (36 عاما) أن زيادة المعروض قلل من حظوظه في الحصول على عمل، في ظل عدد سكان غالبيته من الشباب الباحثين عن فرص عمل.
وقال جاسم لوكالة أنباء العالم العربي (AWP): "الشباب باتوا يعملون في المطاعم والفنادق والمولات (مراكز التسوق) من أجل كسب أرزاقهم وتوفير حياة كريمة لذويهم، وبالتالي خلق الأمر تزاحما كبيرا على فرص العمل، بل أكثر من ذلك، فقد تسبب في هبوط أجور العمال بشكل كبير بسبب كثرة الأيدي العاملة وقلة فرص العمل".
زيادة العمال وتناقص الفرص وتدني الأجور من أبرز آثار الزيادة السكانية على البلدان النامية، وفي بلد مثل العراق تحول الأمر إلى أزمة، نظرا لعدم استثمار الموارد بما يوازي الزيادة السكانية.
وبحسب أحدث إحصاء لوزارة التخطيط في 2022، بلغت نسبة البطالة في العراق 16.5 بالمئة، مما يضعه في قائمة البلدان صاحبة أعلى معدل بطالة في العالم.
ويرى الباحث الاجتماعي أحمد الذهبي أن الزيادة السكانية "تعزز الحاجة إلى تقديم خدمات صحية وتعليمية وتربوية وترفيهية، وتتطلب مستوى كبيرا من الغذاء والدواء ومستلزمات العيش".
وأبلغ الذهبي وكالة أنباء العالم العربي "الكثافة السكانية إذا لم يقابلها توفير متطلبات الحياة، فسيكون تأثيرها سلبيا، ففي الوطن العربي وخصوصا العراق، نلاحظ أن هناك عائلات لديها أكثر من عشرة أبناء، وهذا يؤثر سلبا على الخدمات المقدمة في كافة المجالات، خصوصا فيما يتعلق بتوفير السكن اللائق والعمل المناسب والخدمات ومستلزمات العيش الكريم".
وأضاف أنه يمكن الاستفادة من تلك الزيادة السكانية "واستثمارها بشكل جيد، خصوصا وأن الأرقام تظهر أن المجتمع العراقي مجتمع فتي لا مجتمع كهول أو مسنين".
وأعلنت الحكومة العراقية في مايو إرجاء التعداد العام للسكان الذي كان من المنتظر إجراؤه في نهاية العام الحالي إلى الربع الأخير من العام المقبل بدعوى عدم توفر الأموال اللازمة. وآخر تعداد سكاني رسمي أجراه العراق كان في 1997 واستثنى منه محافظات إقليم كردستان الثلاث، أربيل والسليمانية ودهوك، لأنها كانت خارج سيطرة النظام العراقي في ذلك الوقت.
وقال عبد الزهرة الهنداوي، المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية، في وقت سابق إن التقديرات الأولية للوزارة حتى نهاية 2022 تشير إلى أن عدد سكان العراق يزيد بقليل على 42 مليون نسمة
وأبلغ الهنداوي وكالة أنباء العالم العربي هذا الأسبوع: "أتوقع أن يرتفع عدد السكان مع نهاية السنة الحالية إلى 43 مليون نسمة أو أكثر، بنسبة زيادة تصل 2.05 بالمئة سنويا، أي أن سكان العراق يزدادون في كل سنة نحو مليون نسمة".
وقلل الهنداوي من أهمية مسألة الزيادة السكانية في العراق، ورفض أن يطلق عليها مصطلح "الانفجار السكاني".
وأضاف "المجتمع كائن حي ينمو، وبالتالي فإن الزيادة طبيعية مع ملاحظة أن نصف نسبة السكان هم في سن الزواج والإنجاب، وبالنتيجة فهذه الزيادات تسمى زيادات تراكمية طبيعية".
وتابع "المجتمع العراقي شاب ونشط اقتصاديا، يمتلك الآن أكثر من 60 بالمئة من السكان تبلغ أعمارهم من 15 إلى 63 عاما، وهم يمثلون السكان النشطين اقتصاديا".
وشدد المتحدث باسم وزارة التخطيط على ضرورة "إشاعة الوعي بتنظيم الأسرة، على أن تعتمد هذه التوعية والثقافة على تقليل عدد الولادات أو المباعدة بين ولادة وأخرى".
وكشفت وزارة التخطيط في وقت سابق عن تراجع معدل الخصوبة في العراق من 3.66 عام 2018 إلى 3.3 مولود في 2022 للمرأة بين 15 و49 عاما، وسجلت تحسنا في صحة الرضع والأطفال دون خمس سنوات، وتراجعا في معدلات الوفيات في الفئة نفسها.
* نقص الوظائف
كان نقص الوظائف من بين القضايا التي أشعلت احتجاجات دامية في الشوارع عام 2019 أسفرت عن مقتل عشرات العراقيين في مواجهات مع الأمن. وأضافت الموازنة العامة، التي أقرها البرلمان العراقي الشهر الماضي، أكثر من نصف مليون وظيفة جديدة للقطاع العام، وهو أمر من المتوقع أن يرفع تكلفة الأجور ومعاشات التقاعد، في تعارض مع توصيات مراقبين.
وبعد سلسلة من الحروب على مدار عشرات السنين انتهت بهزيمة تنظيم داعش في 2017، حاق الدمار بالبنية التحتية العراقية ودٌمرت المصانع.
وقال الصحفي المتخصص في الشؤون الاقتصادية علي كريم إذهيب "العراق يختلف عن باقي البلدان التي إن ارتفعت كثافتها السكانية فلن تقدر على تغطية مواردها، كون العراق من البلدان ذات الموارد المتنوعة والطبيعية، ولن تؤثر فيها الكثافة السكانية بشكل كبير".
وأضاف "العراق منذ القدم غني بموارد متعددة وثروات طبيعية، لكن مع ارتفاع عدد السكان.. هناك عجز في توفير فرص العمل وعدم استيعاب الزيادة السكانية من هذه الناحية، فالبلد فيه نسب كبيرة من فئة الشباب وهذه الفئة تعاني من البطالة بسبب عدم استغلال الموارد".
وتابع "هناك عدم جدية حكومية في استغلال الموارد، ولو ذهبنا باتجاه استغلالها حينها يمكن السيطرة على هذه النسمة المرتفعة والتي لا تشكل 30 بالمئة أو أقل من حجم الموارد، والآن نلمس جدية من الحكومة في الذهاب نحو استغلال الموارد وعدم الاعتماد على النفط فقط، وحينها حتى لو ارتفع التعداد السكاني إلى 100 مليون نسمة، يمكن السيطرة على هذا العدد، وخير دليل على ذلك يمكننا المقارنة مع مصر التي تعاني من شح في مواردها قياسا بالعراق".
لكن على أرض الواقع، يواجه العراق العديد من المشاكل ومنها أزمة في الكهرباء، لاسيما مع إنشاء منازل جديدة عبر تقسيم المنزل الواحد إلى منزلين أو أكثر عندما يتزوج الأبناء، مما يؤدي إلى الحاجة لمزيد من الطاقة لا تستطيع الحكومة توفيرها.
وتحدث حيدر أحمد (35 عاما) عن معاناة كبيرة يعيشها جراء قلة فرص العمل أو انعدامها.
وأبلغ أحمد، وهو من سكان بغداد، وكالة أنباء العالم العربي "الدولة توجهت نحو التوظيف في القطاع الحكومي، وبات القطاع الخاص نشاطا ثانويا، وهو ما جعل فرص العمل فيه قليلة، إضافة الى الركود الاقتصادي الحالي وعدم تشغيل المصانع التي من شأنها امتصاص عدد كبير من الشباب وتوفير فرص عمل كثيرة للعاطلين".
وأضاف "أزمة الجفاف وهجرة المزارعين إلى المدن تسببت في مزاحمة العمال على الفرص المتوفرة، والتي هي بالأساس لا تكفي لتشغيل جميع العاطلين".