المواطنة والحراك العربى.. بين الدساتير والواقع - محمد العجاتي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 6:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المواطنة والحراك العربى.. بين الدساتير والواقع

نشر فى : الخميس 1 يناير 2015 - 8:05 ص | آخر تحديث : الخميس 1 يناير 2015 - 8:05 ص

فى عام 2008 عقد الحزب الوطنى مؤتمره السنوى تحت شعار المواطنة، ومنذ ذلك العام وفى كل مؤتمر سنوى يضع الحزب المواطنة كمحور من المحاور الأساسية لمؤتمراته، ولكن بالرجوع لوثائق هذه المؤتمرات نجد أن الحزب الحاكم فى مصر أنذاك تناول مفهوم المواطنة بشكل قاصر وبه قدر من التبسيط الذى يصل لحد الخلل، فالمواطنة كمفهوم لا يمكن اختزاله فى بعد واحد، فبجانب البعد السياسى المرتبط بالحق فى الانتخاب والانضمام للأحزاب والمشاركة بصفة عامة فى إدارة شئون البلاد، هناك البعد الاقتصادى الذى ينطلق من المساواة فى الفرص وعدم تهميش الفئات الاجتماعية الضعيفة، أيضا هناك البعد الثقافى المتعلق بالهويات الفرعية داخل ذات الدولة والمرتبط بحق أصحاب هذه الهويات من الحفاظ عليها وإظهارها فى المجال العام مثلما فى حالة الدين وحرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر. وفى نفس السياق مفهوم المواطنة ليس مفهوما قانونيا يعنى المساواة فى القانون وفى تطبيقه على الجميع، وإنما له شق حركى مرتبط بنضال الفرد فى المجتمع من أجل تكريس حقوقه عبر مشاركته فى الحياة العامة.

•••

قبل الثورات العربية كانت الحكومات العربية وليس فقط الحزب الوطنى فى مصر، تستخدم التنوع العرقى والدينى والثقافى فى السيطرة على المجال العام فتلعب على أوتار الطائفية والعرقية لاستكمال شرعية منقوصة أو اختراع شرعية زائفة، واندلعت الثورات العربية بآمال الشعوب فى إقامة الدولة القومية التى تحقق مبدأ المواطنة والعدل الاجتماعى، وكانت المظاهرات خير دليل على ذلك حيث مثلت التنوع العرقى والنوعى والتنوع الثقافى والاجتماعى والاقتصادى داخل المجتمع، وفتحت الثورة أبوابها أمام الحركات الشبابية والأحزاب للعب دور فى صناعة المستقبل والشعور بالانتماء والمساواة والعدالة. وهو ما حفز المطالبة بتغيير أو تعديل العديد من الدساتير العربية لإقرار حقوق المواطنة بشكل كامل سواء على مستوى مقومات الدولة أو الحقوق والحريات أو فى طبيعة النظام السياسى.

رغم أن هذه المطالبات سابقة للثورات العربية إلا أنها لم تتم بشكل جدى إلا مع الحراك الشعبى الواسع فيما أطلق عليه «الربيع العربي»، بل أن دولا كانت تعتبر الحديث عن الدستور من التابوهات مثل الأردن قد أقدمت على تعديل دستورها. وكان من الواضح أن حجم التعديلات الذى أجرى على الدساتير ارتبط بشكل واضح بحجم الحراك الداخلى فمصر وتونس شهدتا دستورين جديدين، بحجم تغيرات أكثر مما شهدته الحالة المغربية والأردنية. وإن كان هذا من حيث الكم فمن حيث الكيف الوضع لم يكن مرتبطا بالضرورة بالحراك، إنما بالوضع السياسى والمواءمات وقوة أجهزة ومؤسسات الدولة فى هذه العملية التفاوضية. كما أن هذه التعديلات لم ترتبط بالحراك الداخلى وفقط فالحالة الأردنية جاءت على خلفية تطورات إقليمية، والحالة المغربية تأثرت ليس فى القرار إنما فى كيفية التعديل بالوضع الإقليمى حيث أن مع نجاح الثورات العربية كان العمل على التعديلات أكثر جدية منه بعد تعثرها بل فى رأى البعض توقفها وإقرار ما تم إنجازه. وكذلك ارتبطت تراجعات حركة النهضة فى تونس فى النسخة الأخيرة من الدستور بما حدث فى مصر من عزل جماعة الأخوان المسلمين، وبالتالى الأثر الإقليمى كان حاضرا بوضوح فى هذه العملية.

•••

تظهر العلاقة بين التعديلات الدستورية ومفهوم المواطنة من خلال مدى إتاحة هذه التعديلات لحقوق المواطنة على مستوى الممارسة، فكلما كانت حقوق التنظيم أعمق وكلما كانت وسائل المشاركة ملزمة للسلطة وفعالة ومتطورة فى هذه الدساتير كلما استوعبت الحراك السياسى المرتبط بالمواطنة، وكلما كانت هذه الآليات أقل انفتاحا وتطورا فى الدستور فالحراك سيكون بالضرورة على شكل ثورى أكثر منه سياسى واحتجاجى أكثر منه مطلبى. إلا أنه رغم التطور الواضح فى الدساتير العربية مازلنا نرى انتهاك لحقوق المواطنة فى العديد من المجالات فى الدول العربية، وذلك لأن مشاكل المواطنة غير مرتبطة فقط من خلال بالدساتير والتشريعات، إنما ترجع جذورها إلى بنية الدولة العربية الحديثة. فمسار نشأة الدولة القومية فى السياق الأوروبى الغربى، شهد حالة من التطورات الاجتماعية والاقتصادية، كانت تدفع باستمرار فى اتجاه تطوير العلاقة مع السلطة السياسية والتفاوض معها من جانب الأفراد والجماعات، وهذه العملية ترتب عليها مجموعة من التطورات فى الأوضاع القانونية للمواطنين أدت إلى حصولهم على الحقوق المدنية ومن ثم السياسية فى هذه المجتمعات، وهى تطورات أفرزت فى النهاية كيانا جديدا يضم هؤلاء الأفراد/ المواطنين عُرف باسم الدولة القومية/ الوطنية. أى أن المواطنة كانت طريق الفرد للمشاركة لبناء الدولة الحديثة فى أوروبا. أما فى منطقتنا العربية فكانت نشأة الدولة الحديثة عبر هندسة إما من حاكم أراد محاكاة التجربة الأوروبية مثل محمد على فى مصر، أو عبر القوة الاستعمارية مثل حالة بلاد الشام، وكانت المواطنة آلية لإدماج الفرد فى هذه الدولة، أى من أعلى لأسفل بدلا من أسفل لأعلى كما فى الحالة الأوروبية.

•••

وهنا يكمن الخيط الرفيع بين الإصلاح الشكلى والتغيير فما بين الاثنين يقع «الإصلاح الجذرى» القائم على دور المواطنين فى تغيير من داخل مؤسسات الدولة القائمة لكن بشكل عميق لتطوير مفهوم المواطنة ليكون المواطن هو الذى يصيغ شكل الدولة الجديدة، لتعبر المواطنة فى هذه الحالة كما يعرفها د. سمير مرقص عن حركة الإنسان اليومية، مشاركا ومناضلا من أجل حقوقه بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والمدنية والثقافية، على قاعدة المساواة مع الآخرين من دون تمييز، بغض النظر عن: المكانة، والثروة، والجنس، والعرق، واللون، والجهة، والدين، والمذهب والمعتقد، والجيل،...إلخ). واندماج هذا المواطن فى الوطن الذى يعيش فيه، من خلال عملية انتاجية، بما يتيح له اقتسام الموارد والثروة الوطنية مع الآخرين. أى تعديل المعادلة القائم عليها الدولة العربية لتصبح من المجتمع للدولة بدلا مما هى عليه من أعلى إلى أسفل، وإلا سنظل أسرى الدولة القمعية التى لا تعترف بحقوق المواطن، أو سيكون حكم التاريخ القاسى على دولنا العربية وسنظل نبكى المؤامرات التى تحاك ضد دولنا لهدمها وتقسيمها والعيب فى واقع الأمر فى دولنا.

محمد العجاتي باحث والمدير التنفيذي لمنتدى البدائل العربي
التعليقات