لغتنا: أصعبة هى؟ - عبدالحكيم راضى - بوابة الشروق
الثلاثاء 13 مايو 2025 3:43 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

لغتنا: أصعبة هى؟

نشر فى : الأحد 1 يناير 2017 - 9:20 م | آخر تحديث : الأحد 1 يناير 2017 - 9:20 م
الضمير يعود على لغتنا العربية، والسؤال أسوقه (من وراء قلبى) لأننى أعرف إجابته، ولكننى أطرحه مجاراة لـ(الأسطوانة المشروخة) التى لا يفتأ ــ يديرها دعاة الراحة وهواة التظرف، هؤلاء الذين يتوهمون أن مجرد عيب شىء، أو وصفه بالقبح سوف يضمن لهم رخصة الصواب ويلقى عليهم أردية الجمال والحسن.

قلت إننى أعرف إجابة السؤال، ولكننى أسارع لأقول: إنها خدعة مؤقتة، منى طبعا، والحقيقة أنه لا توجد إجابة، لماذا؟ لأنه لا يوجد سؤال! أو لأنه يجب ألا يوجد مثل هذا السؤال! كيف؟ الجواب: لأن السؤال عن صعوبة هذه اللغة وسهولة تلك، أو أن هذه اللغة أصعب، أو أسهل، من تلك! سؤال لا محل له من العلم، خاصة إذا اقترن بسوء النية، وكان المراد به إزاحة لغة وإحلال غيرها محلها..

إن لغة القوم قد نبتتْ معهم، ولهم، وبهم، لم يمْلها عليهم أحد، ولم يفرضْها، وبالتالى لم يمْل عليهم أحد صفاتها أو خصائصها ــ ولا أقول قواعدها ــ نعم لم يمل عليهم أحد النظام الصوتى الذى يعبر به كل قوم عن حاجاتهم وأغراضهم.. أن تجىء هذه اللغة على هذا (النحو) فى أصواتها وصرفها وتراكيبها، وتجىء غيرها من اللغات على (نحوها) الخاص بها، أعنى أن تجىء هذه معربة بطريقة وهذه معربة بطريقة أخرى، أمور قد تقبل الوصف ولكنها لا تقبل المفاضلة.

أى نظم اللغات فى نحوها وطرائق التعبير فيها أسهل وأيها أصعب؟ أو أيها ــ إذا دخلنا فى منطقة السخْف ــ أحسن أو أجمل، أو أرقى، أو أعظم مما فى غيرها؟ أسئلة تدخل فى منطقة السخف.. لأنها تجاوزت مرحلة الوصف والتحليل إلى مستوى الحكم والتقييم ثم التفضيل.. وهذا ــ فى رأيى ــ موقف غير مقبول.. فمن قال إن نظام الإعراب بالسوابق واللواحق مع تطويع صيغ الكلمات للحالة الإعرابية أفضل من نظام الإعراب بالحركات والحروف؟ ومن قال إن هذين النظامين أفضل، أو أدنى، من النظم التى تخلت عن خصائصهما معا؟..

إن السؤال عن السهولة والصعوبة هو ــ فى رأيى ــ سؤال سخيف، والانزلاق إلى مرحلة المفاضلة بين اللغات وتفضيل بعضها والحط من بعضها الآخر.. عمل غير علمى، فاللغة نبت طبيعى، خرج فى بيئته ــ أو أنبتته بيئته متوائما معها، مستجيبا لحاجاتها فى التعبير عن وجودها ثم استمرار هذا الوجود وكيفيته صعودا، أو انحدارا، أو بين بين.

***

منذ فترة خرج علينا من يصف العربية بالترهل، وضرب لدعواه بترهلها مثالا من نظام العدد فيها، وكيف يشتمل على المفرد والمثنى والجمع، فى حين أن لغات غيرها تقتصر على المفرد وما زاد عليه سواء كان اثنين أو أكثر، وبدلا من أن يحمل الظاهرة فى العربية على توخى الضبط والحرص على سلامة الوصْف.. نراه يحملها على ترهل العربية، فى الوقت الذى حمل انعدامها فى اللغات الأخرى على محمل الدقة والرشاقة.

وغاب عن صاحب هذا الكلام أن مقارنة لغة بلغة، وافتراض أن خصائص إحداهما هى المعيار الذى يجب أن تقاس إليه اللغة الأخرى عمل لا محل له من العلم.

فلغة القوم ــ أى قوم ــ نبْت طبيعى خرج فى بيئته ــ أو أنْبتتْه بيئته متوائما معها مستجيبا لحاجات أبنائها، ينمو بنمو هذه الحاجات ويتراجع بتراجعها ــ دون ذنب للغة ــ وهى حقيقة تغيب ــ للأسف ــ عن كثيرين ممن لا يعلمون أن نمو اللغة وسهولة جريانها على ألسنة أبنائها رهْن بكثرة استعمالهم لها، وكثرة استعمالهم لها رهن باتساع حاجاتهم إليها، وأن هذه الحاجات هى التى تدفعهم للحرص على تعلمها واعتياد الحديث بها.. لتصبح ــ أيا كانت خصائصها ــ زادا لا غنى عنه، كالماء الذى نرتوى به والهواء الذى نتنفسه.

لماذا ــ إذن ــ تعسر بعض نصوصها على بعض أبنائها؟
عبدالحكيم راضى عضو مجمع اللغة العربية
التعليقات