ما الفرصة الاستراتيجية لإسرائيل في سوريا؟ - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الثلاثاء 13 مايو 2025 2:19 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

ما الفرصة الاستراتيجية لإسرائيل في سوريا؟

نشر فى : الإثنين 12 مايو 2025 - 8:35 م | آخر تحديث : الإثنين 12 مايو 2025 - 8:35 م

إن موقف إسرائيل تجاه سوريا منذ سقوط الأسد يُحدد وفقًا لمخاوف أمنية تأثرت بصدمة السابع من أكتوبر 2023. وتُظهر ردات فعل إسرائيل من السيطرة على منطقة العزل المنزوعة السلاح التى أُقيمت بموجب اتفاق وقف إطلاق النار لسنة 1974، بما فى ذلك مناطق من الجانب السورى من جبل الشيخ؛ وسلسلة من الغارات الجوية المكثفة على مواقع عسكرية سورية؛ والاقتحامات فى دمشق، تبنّى نهج تصادمى.

 


بالتزامن مع العمليات العسكرية، أعلنت إسرائيل سياسة «حماية الأقليات»، فى إشارة إلى الأكراد والدروز الذين يتشاركون مخاوف مماثلة من صعود القوى الإسلامية فى المنطقة، ويعبّرون عن قلقهم إزاء أمنهم. لقد التزمت إسرائيل دعم الأكراد وحماية الدروز، حتى باستخدام الوسائل العسكرية، وهى سياسة تضعها كفاعل رئيسى فى قلب الصراعات الداخلية فى سوريا، وفى موقع معارض للحكومة التى تقودها الأغلبية السُّنية.
يمكن تفسير سياسة إسرائيل بأنها نابعة من رغبتها فى منع حدوث فراغ أمنى (آخر)، والحفاظ على حرية حركتها من أجل تحييد التهديدات المحتملة، غير أن الحكام الجدد فى دمشق ليسوا حركة حماس، ولا يتبنّون سياسات الحركة. لقد امتنعت الحكومة السورية الجديدة من التواصل مع قادة «حماس»، وطردت بعض الفصائل الفلسطينية من أراضيها (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحماس) من خلال أمر بنقل نشاطاتهما إلى خارج سوريا، واتخذت خطوة نادرة تمثلت فى اعتقال اثنين من كبار مسئولى حركة الجهاد الإسلامى الفلسطينى. علاوةً على ذلك، بذلت الحكومة جهودًا كبيرة لإحباط محاولات حزب الله تهريب الأسلحة عبر الأراضى السورية، بما فى ذلك استهداف قوات الحزب على طول الحدود السورية - اللبنانية.
•••
على الرغم من أن الحكومة السورية الجديدة تركز فى الأساس على التحديات الداخلية، وتعتمد نهجًا حذرًا ومعتدلًا تجاه إسرائيل، فإن العمليات العسكرية المكثفة (وأحيانًا القاتلة) التى تنفّذها إسرائيل داخل الأراضى السورية تثير اهتمامًا عامًا وإعلاميًا واسعًا تجاهها، وتأتى هذه الهجمات على الرغم من أن الرئيس الشرع جدّد، علنًا، تأكيد التزامه اتفاق وقف إطلاق النار وحرصه على تجنّب أيّ صدام مع إسرائيل.
إن الغارات العسكرية الإسرائيلية على سوريا، ردًا على المواجهات مع الدروز، بما فى ذلك الضربة غير المألوفة بالقرب من القصر الرئاسى فى دمشق (وهو ما امتنعت إسرائيل من تنفيذه، حتى فى عهد الأسد)، إلى جانب الغارة القاتلة التى نفّذتها فى جنوب سوريا فى 3 أبريل الماضى، والتى أسفرت عن مقتل تسعة أشخاص، أشعلت غضبًا واسعًا فى أوساط قطاعات من الجمهور السورى، وأدّت إلى احتجاجات جماهيرية، وشكّلت خلفية لدعوات من داخل المجتمعات المحلية إلى التسلّح ومقاومة الوجود الإسرائيلى فى سوريا. ومن المفارقات أن إسرائيل، من خلال خطواتها العسكرية التى تهدف إلى إحباط تهديدات محتملة، قد تكون مساهِمة فعليًا فى تغذية المقاومة ضدها وزيادة احتمالات المواجهة المستقبلية، وهو بالضبط السيناريو الذى تسعى لتجنُّبه من خلال تدخّلها.
علاوةً على ذلك، بدأت إجراءات إسرائيل بتقويض شرعية الحكومة السورية الجديدة، التى يُنظر إليها على أنها عاجزة عن فرض السيطرة وإثبات سيادتها فى مواجهة الهجمات الإسرائيلية. إلّا إن إسرائيل لا تبدى ثقتها بحكومة ذات خلفية من تنظيم "هيئة تحرير الشام" بسبب جذورها الإسلامية، لكن تصوير هذه الحكومة على أنها ضعيفة قد يؤدى، من غير قصد، إلى تقوية الأطراف المتطرفة التى تسعى إسرائيل لكبحها. وفى هذه الأثناء، تزداد الانتقادات الدولية للعمليات الإسرائيلية فى سوريا، بتهمة انتهاك سيادة سورية من دون مبررات واضحة.
تُعد سياسة حماية الأقليات التى تتّبعها إسرائيل (من خلال دعم الأكراد والدروز) استراتيجيًا حذرة فى المدى القصير، لكنها فى المدى الطويل، قد تكون غير فعّالة، فالإجراءات الإسرائيلية تسهم عمليًا فى تعزيز الانقسام الفعلى لسوريا إلى جيوب عرقية وطائفية، وبالتالى تُهدد بإعاقة الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار فى المنطقة. وعلى الرغم من أن هذه السياسة تبدو كأنها منسجمة مع المصالح الأمنية الإسرائيلية، فإنها يمكن أن تؤدى فى نهاية المطاف إلى ترسيخ الانقسام الطائفى ضمن دائرة مفرغة لا تخدم سوى خصوم إسرائيل، وعلى رأسهم إيران.
•••
تركيز إسرائيل المستمر على الوجود العسكرى، والغارات الجوية، وحماية الأقليات فى سورية، قد يُعزز الانقسام داخل البلد، ويُضعف الحكومة المركزية فى دمشق. ومن المفارقات أن هذا التوجه يتماشى مع مصالح إيران التى تستفيد من غياب السيادة المركزية فى سوريا، فبعد أن فقدت جزءًا كبيرًا من نفوذها هناك، تسعى إيران الآن لإيجاد قنوات تأثير جديدة داخل الدولة، مستندةً إلى حلفائها السابقين وبقايا شبكات وكلائها، وهى تتنافس مع إسرائيل، فعليًا، على التأثير فى الجماهير ذاتها.
وبالإضافة إلى النشاط «التخريبى» الذى تمارسه إيران، فإن سورية المنقسمة تُشكّل أرضًا خصبة لازدهار مزيد من الجهات المتطرفة، مثل «داعش» و«القاعدة» و«حماس»، والتى يقوم النظام السورى الجديد بقمعها حاليًا.
حجة إضافية ضد السياسة الحالية التى تتّبعها إسرائيل، تتمثل فى كونها تتناقض مع مبدأ مركزى تتقاسمه مع الولايات المتحدة، وهو ضرورة تعزيز الحكومات المركزية فى الدول العربية الهشّة، لكى تتمكن من مواجهة الجهات غير الحكومية التى تُجيد إيران استغلالها لتوسيع نفوذها، خصوصًا فى لبنان (عبر حزب الله)، وفى العراق (عبر الميليشيات الشيعية الموالية لإيران).
فى الوضع الراهن، يظهر تناقُض لافت: فى لبنان، تؤيد إسرائيل تقوية الحكومة المركزية، بهدف إضعاف حزب الله؛ وفى العراق، تعمل الولايات المتحدة على دمج الميليشيات الشيعية فى قوات الأمن الرسمية لتقليص استقلاليتها والحد من النفوذ الإيراني؛ أمّا فى سوريا، فإسرائيل هى التى تبادر إلى تقويض الحكم المركزى.
قد تستفيد إسرائيل من حرية حركة أوسع فى دولة منقسمة بلا حكومة قوية، لكن فى المقابل، ستكون مضطرة إلى مواجهة تعدّد التهديدات، وهو ما سيتطلب منها استثمارًا أكبر فى الموارد والانتباه، وصولًا إلى خطر التورط فى ساحة مواجهة إضافية.
من الممكن التفكير فى مسار بديل قد يخدم المصالح البعيدة المدى لإسرائيل بشكل أفضل، فبدلًا من التركيز على تعميق حالة عدم الاستقرار فى سوريا، يمكن لإسرائيل أن تستغل نجاحاتها العسكرية الأخيرة ضد إيران وحزب الله وحماس، وأن تتبنّى استراتيجيا بنّاءة أكثر، فبعد أن أثبتت قوتها العسكرية، أصبح أمام إسرائيل فرصة لتغيير نهجها واعتماد حوار من نوع مختلف مع الحكومة السورية الجديدة.
•••
على الرغم من أن مستقبل سوريا لا يزال غامضًا، فإن على إسرائيل اتخاذ خطوات استباقية للحد من مخاطر التصعيد، والسعى نحو بلورة سلسلة من التفاهمات والاتفاقات مع الحكومة السورية، بدءًا بترتيبات أمنية على الحدود، وصولًا إلى إمكان فتح مجالات أوسع للتعاون المشترك.
فى المدى البعيد، قد تتم تلبية المصالح الأمنية الإسرائيلية بشكل أمثل من خلال بناء اعتماد متبادل بنّاء، أى الموازنة بين سياسات الأمن والفرص الاقتصادية، مع إشراك شركاء إقليميين فى جهود استقرار سوريا. فسورية الموحدة، تقوم على نموذج ناجح لتقاسُم السلطة، وتكون أقلّ اعتمادًا على إيران، ومتحالفة مع الدول العربية المعتدلة، من شأنها أن تعزز الاستقرار الإقليمى، وتقلّص التهديد على الحدود الشمالية لإسرائيل.
ومن الجدير بالذكر أنه خلال الزيارة الأولى التى أجراها مشرّعون أمريكيون إلى سوريا منذ سقوط الأسد، صرّح الرئيس أحمد الشرع لعضو الكونجرس كورى ميلز بأن سوريا ستكون مستعدة للانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، فى ظل الشروط المناسبة.
يجب أن تتم مشاركة إسرائيل والمجتمع الدولى مع النظام السورى بحذر، مع ضمان أن تكون كلّ أشكال الاعتراف والدعم تدريجية ومشروطة بالتزامات واضحة. وعلاوة على معالجة قضايا أمن الحدود، يجب أن تهدف هذه المقاربة إلى منع إعادة ترسيخ النفوذ الإيرانى وحزب الله، وإبعاد المقاتلين الأجانب عن الأراضى السورية، وتفكيك القدرات الكيميائية، وتعزيز إصلاحات سياسية حقيقية، بما فى ذلك تمثيل سياسى واسع واحترام حقوق الأقليات.
وبعد بناء مستوى كافٍ من الثقة، يمكن لإسرائيل استثمار ذلك فى دفع عملية تطبيع مع سورية، تبدأ باتفاقيات أمنية وتعاوُن مشترك. من شأن التطبيع أن يسهم فى تقليص خطر عودة التيارات الإسلامية المتطرفة، ويُضعف قبضة إيران على المنطقة، ويشجع على الاستقرار الإقليمى.

 


نير بوماس، كرميت فالنسى، مزاحم سلوم
معهد دراسات الأمن القومي
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

التعليقات