إعلانات وبضائع - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 8:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إعلانات وبضائع

نشر فى : الجمعة 1 يوليه 2016 - 8:55 م | آخر تحديث : الجمعة 1 يوليه 2016 - 8:55 م
بين الكلمةِ والكلمةِ إعلان، بين اللفتة والهَمسة والإيماءة إعلان. يتنافس مُنتِجو الدراما على كَمِّ الإعلانات، فيما ينسى المشاهدون بين هجمة إعلانية وأخرى، ما كانوا فى الأصل يتابعون.

تتصارع الشركات المَحَلّيَّة ومُتعدِّدَة الجنسيات على جَذبِ الانتباه، أصحابُ التجارة يعلنون وأصحاب المشاريع الكُبرى يعلنون. أصحاب الأعمال التى تبدو خيرية هم أيضًا يعلنون، الدولة بدورها تُعلِن وتستفيض فى حَفز الناس على الاستجابة إلى إعلاناتها.

***

جَوهر المُعلَن عنه لا يتوافق بالضرورة مع المأمول مِنه، واحتدام المُنافسة يُفضى إلى انتحال سُبُل وأسبابِ التفوِّق جميعا وإن تجافت مع الواقع، وإن تلاعبت بمشاعر الجماهير المُستهلِكة واستغلَّتها. هناك مثلا مَشروبات تجتذب جمهور الشباب الباحث عن أى شىء يرضى رغبته فى إظهار القوة والجرأة والخشونة، هناك مأكولات تربط بين صغار السنّ مِن ناحية ومَفهوم الرجولة المُستقبلية مِن ناحية أخرى، وهناك أنواع مِن الأطعمة والألبان تداعب نفوس الأمهات الطامحات إلى توفير نمو مثاليّ لأطفالهن، وتَعِدهُنَّ بتحقيق المَقَاصِد.

إعلانات كثيرة تقدِّم مَعلومات لا أساس لها مِن الصِحّة ولا نصيب لها مِن الحقيقة، ترسم صورًا زائفة عن مُنتَجٍ أو آخر، وتربط بين البضاعة التى تروج لها وبين فكرة ذهنية تلقى الحماسة مِن المشاهدين فيقبلون على الشراء، ثم يكتشفون دلائل الخداع. قليلا ما يَصدُق الإعلان، قليلا جدًا ما يحترم مُتلقيه.

***

عابرة على كوبرى السادس مِن أكتوبر، تطالعنى بين الحين والحين تلك اللوحات الضخمة التى لا يجرؤ على تأجيرها للإعلان سوى أصحاب الأموال الطائلة. ظهر الأزهر فى الأسابيع الأخيرة على بعض هذه اللوحات يُعلِن عن حاله. يقول الأزهر فى قسمٍ مِن إعلاناته: «الأزهر الشريف وجهة العالم الإسلامى» و «الأزهر الشريف أكبر مرجعية إسلامية». يقول أيضًا: «الأزهر يُرسخ قِيَم المُواطَنَة». بعض العبارات ربما يكون صحيحًا بطبيعته وبتعريفه، والبعض الآخر يستدعى الوقوف أمامه والتمحيص؛ إذ لا يطابق ما هو كائن على الأرض.

قرأت فى جريدتيّ اللواء الإسلاميّ وصوت الأزهر مقالاتٍ مُخيفة، منها ما يُهين أشخاصًا بعينهم وبأسمائهم، وما يُحرّض ضدّ فئاتٍ مِن المواطنين لها مُعتقداتٍ مُتباينة. مؤخرًا شدت انتباهى مَقالةٌ تتحدث عن الإفطار فى نهار شهر رمضان. صاحب المقالة يدعو صراحة إلى تطبيق عقوبتيّ الحبس والغرامة على كل مَن أفطر؛ لا علنًا فقط بل وسرًا أيضًا، لا بتناول الطعام أو الشراب فقط بل وبممارسة علاقةٍ حميمةٍ أيضًا. لم أفهم أبدًا كيف سيضبط أولئك وهؤلاء متلبسون.

لم تكن المقالة إلا تجسيدًا وانعكاسًا لما نعيشه اليوم. مُراقبة الناس والتفتيش وراءهم، حتى فى أدق أمورهم الشخصية. ظننت أن رجال الدين قد ينبرون لحماية الخصوصية، وأن ما يقدمه الأزهر فى إعلاناته عن كونه منارة للناس وحاميًا للمواطنة وصفٌ حقيقيٌّ، لكن الخطاب غير المُعلَن يأتى صراحةً بالنقيض، لا يُجدى هنا التَعَلُّل بأن الرأى مسئولية صاحبه، فثمة جريدة رسمية مُعبرة عن الأزهر، يشرف عليها مَن يتوَلَّون مناصب عُليا داخل المشيخة.

على كل حال، هو شعور مُستفحل يطغى على عديد رجال الدين، إذ يرى أغلبهم أنه يمتلك حقَّ مُحاسبة الآخرين، تمامًا مثلما ترى الدولة أنها الأب المتحكم فى المواطنين. كلاهما يمثل سُلطة، وكلاهما يتوهم أن له الكلمة الأخيرة فى مَسلَكِ الرعايا.

***

كلما مررت على الكوبرى تساءلت فى نفسى لما تحتاج المؤسسة الدينية الرسمية إلى إعلان، لما يُسَوِّق الأزهر نفسه ويؤكد وجوده بشكلٍ دعائيّ ربما لا يكون مَقبولا. تَجاوَزت الإجاباتِ التى طافت بذهنى إلى عقد مُقابلة بين لوحات الأزهر وما يجاورها مِن إعلانات. لاحظت أن اللوحة الكائنة فى شارع صلاح سالم والتى تؤكد للمارة ولقائدى السيارات أن: «الأزهر ملتقى علوم الدين والدنيا»، تماثل فى حجمها تقريبا لافتة تعلن عن ملعب جولف 18 حفرة، وتتجاور مع أخرى تُحَفِّز على الاستثمار فى مصر بمفردة واحدة هى: «امتلاك». فكرت إن كان من الأجدى أن تذهب الأموال المدفوعة فى هذه المساحات الهائلة – والتى تبدو زائدة عن حاجة الأزهر ــ إلى بناء دور لإيواء مَن لا جدران لهم، ثم عدت أقول لنفسى ربما هى جزء مِن المساهمة الخليجية فى تأهيل الأزهر للقيام بالدور المطلوب، أو ربما هى هبة لا يجب أن تذهب إلى المحتاجين.

جرى العرف على أن تقوم الشركات والمؤسسات التجارية بالإعلان عن منتجاتها وبالدعاية لها، وأظن أننى لم أر مِن قبل المؤسسة الدينية الرسمية تعلن عن نفسها وتروج بضاعتها، فكيف الحال وهى تناطح جنبًا إلى جنب أصحاب المُنتجَعات المُغلَقة والمَصايف المُسَوَّرة، المُحاطة بالأمن والحراس، كيف الحال والأزهر مُتربعٌ على اللوحة الشاسعة، وشيوخه يدعون الناس إلى التبرع تجاوبًا مع سوء الأوضاع، كيف الحال وهم يجورون على حقوق المواطنين، كيف الحال هنا والبضاعة لا تطابق الإعلان ولا تستوفى المواصفات؟

***

ربما يأتى يوم يخرج فيه وزراء الحكومة علينا من شاشات التليفزيون، هاشين فى وجوهنا باشين، ليقدموا رقصة لطيفة فى إعلان عن الوزارة التى ترعى مصالح المواطنين، والوزارة التى تعلى قيم النزاهة والشرف.
بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات