مباهج الحكى - داليا شمس - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 10:01 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مباهج الحكى

نشر فى : الأحد 2 مارس 2014 - 8:15 ص | آخر تحديث : الأحد 2 مارس 2014 - 8:15 ص

هل كانت شهرزاد تعزف الهارب وهى تحكى حدوتة جديدة لشهريار هربا من الموت وسطوة السياف؟ ربما كان هذا التخيل من وحى سيمفونية ريمسكى كورساكوف الشهيرة التى ارتبطت فى الأذهان بألف ليلة وليلة، إذ اختار الموسيقى الروسى أن يعبر عن وجود شهرزاد بآلتى الهارب والكمان، فى حين صاحبت مشاهد شهريار آلات النفخ النحاسية بأصواتها القوية ..وربما أيضا ترجع هذه الفرضية إلى تداخل بين الحضارتين العربية والفرعونية، فأتصورها أحيانا بملابس مزركشة شرقية وآلة هارب فرعونية كالنساء على جدران المعابد المصرية القديمة. ثم تتدافع الحكايات فى رءوسنا جميعا، حكايات الجدات التى تربينا عليها.. ست الحسن والشاطر حسن.. وينمو فى ذاكرتى صوت سيدة عجوز متهدج: «يا بير يا بير اكسيها من الحرير الكتير» لتتحقق الأمنيات وتتحول الفتاة البسيطة إلى أميرة رائعة الجمال، وتعيش فى «تبات ونبات» بعد اجتياز الصعوبات ولفت نظر الحبيب.. وهو ما قد تناولته العديد من الدراسات النسوية بالنقد والتحليل حول دور المرأة فى الحواديت إلى ما غير ذلك، والذى قد يتناوله البعض بشىء من السخرية، مرددين أن ما يحدث فى الحواديت يظل فى الحواديت.

•••

الحكاية هى التاريخ، تحمل فى طياتها ما هو شخصى وما هو عام، يتداخلان معا فى نسيج واحد فتكون الحدوتة التى نرغب فى أن نتذكرها ونحتفظ بها ونرددها أحيانا على مسامع الآخرين. وخلال السنوات الأخيرة ازدادت عروض الحكى فى مصر، ومن الملاحظ أن الكثير منها نسائى، بعضها يتم تنظيمه بدافع علاجى، أى أن تروى سيدات تعرضن للعنف الأسرى مثلا معاناتهن أمام الناس للتخلص من عبء نفسى، وبعضها يتخذ شكلا مسرحيا أو غنائيا لتمثل خزانة أسرار جماعية.. فالبشرية لم تعرف أقدم من الأسطورة لتحكى أحلامها وهزائمها وانتصارتها، وبالتالى لا يمكن وصف «حكى النسوان» بأنه كلام فاضى أو الإشارة إليه باستخفاف، لأنهن يصنعن تاريخا موازيا، بعيدا عن المكائد السياسية والأمجاد العسكرية، من خلال التفاصيل الصغيرة التى يسردونها.

•••

لم تعد شهرزاد حبيسة القصر وغرف نوم الأطفال والكبار، ولم يعد الراوى الشعبى التقليدى هو وحده من يتلو السيرة كما حفظها أبا عن جد، على مسامع رواد المقاهى والسامر... بل صارت هناك نسخة مختلفة تحكى فيها النساء ما حدث من خلال رؤيتهن، وهو ما نراه بشكل مكثف منذ الثورة وحتى الآن، مرة فى شكل كورال للشكاوى تغنى فيه البنات مشاكل المصريين وهمومهم جنبا إلى جنب مع الشباب.. ومرة فى صورة عرض حكى على غرار «قوس قزح» الذى قدمته مؤخرا مجموعة «البط الأسود» على مسرحى الهناجر وجزويت القاهرة، وهو نتاج ورشة كتابة استمرت سنتين عن علاقة المشاركات بأجسادهن.. نساء فى مراحل عمرية مختلفة: طالبة، ممثلة، كاتبة، مهندسة، محامية... لديهن رغبة فى التعبير عن النفس وطرح أسئلة مختلفة، من خلال حكايات كتبنها لتقدم على خشبة المسرح، «كبط أسود خارج بمزاجه عن السرب»، كما يصفن أنفسهن. حكاية حول الشعر المجعد الذى لم تعد صاحبته تحتاج لفرده بالمكواة، وأخرى عن تركز السمنة فى منطقة الأرداف، أو الحب ورائحة الجسد، أو قصة ميلاد فاطمة وسط الثورة والميدان.. تنطلق جميعها من نقطة فى الجسد لتشى بما هو أبعد. لم تعد النهايات سعيدة كما فى حواديت الجدات، لكن هناك محاولات حثيثة لاكتشاف الذات وتقبلها، وتدريب على العمل الديمقراطى عبر الاعتماد على أساليب العمل الجماعى التى تنقصنا بشدة. حكى نسوان له معنى، وسط الكثير من اللا معنى.

التعليقات