نعم.. من حق مصر التفاوض على قرض جديد من صندوق النقد الدولى - ماجدة شاهين - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 11:36 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نعم.. من حق مصر التفاوض على قرض جديد من صندوق النقد الدولى

نشر فى : السبت 2 مايو 2020 - 7:25 م | آخر تحديث : السبت 2 مايو 2020 - 7:25 م

ليس من قبيل المفاجأة أن تعانى مصر من نقص كبير فى تدفقات الموارد المالية فى ظل الظروف الاستثنائية التى تمر بها أسوة بدول العالم أجمع واستمرار حالة الحظر العالمى، وما لذلك من تأثير سلبى قصير وبعيد المدى على الوضع الاقتصادى الدولى عامة، وعلى مصر بصفة خاصة. وليس من قبيل المفاجأة أيضا أن تفقد مصر دخلها من قطاع السياحة وعوائد قناة السويس وجزءا كبيرا من تحويلات العاملين بالخارج وعوائد الغاز والبترول وحصيلة الصادرات فى ظل الإغلاق الذى نعيشه. وفى ذلك لا تختلف مصر عن غيرها من دول العالم.
ولكن مصر أحسن حالا من غيرها من الدول فى أنها منذ فترة وجيزة أنهت على مدى ٣ سنوات برنامجها مع صندوق النقد الدولى، حيث حصلت بموجبه على قرض ميسر بـ12 مليار دولار أمريكى، لإعادة هيكلة اقتصادها واستقرار مؤشرات الاقتصاد الكلى. وقد بدأت مصر فى الحصول على أولى شرائحه فى أكتوبر عام 2016 وحصلت على الشريحة الأخيرة فى ديسمبر الماضى. وقامت مصر بتنفيذ هذا البرنامج بجدارة ونجحت فى تعزيز الثقة فى الاقتصاد المصرى ومضاعفة مصداقيته على الصعيد الدولى، مما جعلها مؤهلة تماما للاقتراض لمواجهة أزمة الجائحة، التى نعيشها اليوم ولا أحد يعرف مداها.
ودون الخوض تفصيلا فيما حققه برنامج الإصلاح من نجاح أو ما أوقعته أزمة الكورونا من ضرر على الاقتصاد المصرى، حيث إن ذلك يخرج عن نطاق مضمون هذا المقال، فيكفى أن نشير إلى أن ما قام به البرنامج حقق زيادة فى معدلات نمو الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى تصل إلى ما يزيد عن 5.8%، والتى تقدر من أعلى معدلات النمو على مستوى القارة الإفريقية والعالم. وتشير توقعات صندوق النقد الدولى إلى انخفاض هذه المعدلات لتصل إلى 2% فى عام 2020 مع استمرار تأثير جائحة فيروس الكورونا. وغنى عن البيان أن هذا يعنى بالنسبة لمصر نموا سلبيا إذا ما قيس مقابل معدل النمو السكانى فى مصر والذى يعد من أعلى معدلات النمو العالمى، حيث يصل إلى 2.7% سنويا. أضف إلى ذلك عودة معدلات البطالة إلى معدلها السابق منذ خمس سنوات لتصل إلى ما يقرب من 12% بعد بلوغها 8% وهو أدنى مستوى وصلت إليه معدلات البطالة فى غضون 20 عاما نتيجة لتنفيذ برنامج الإصلاح.
***
وإزاء ما سوف تتكبده مصر من خسائر ضخمة فى عائداتها وانهيار أسعار البترول من 60 دولارا للبرميل إلى ما لا يزيد عن 25 دولارا للبرميل الواحد، فإنه سيتعين عليها، وفقا لتصريحات وزارة المالية، مراجعة الميزانية وسبل الإنفاق العام على قطاعات مثل التعليم والصحة. وعلى الرغم من هذه الصعوبات الضخمة، فلم تتوان مصر فى بذل كل الجهود المضنية للتصدى لأزمة الكورونا فى وقت مبكر للحد من انتشارها واتخذت خططا وقائية وإجراءات مشددة لمواجهة الجائحة فى المحافظات وتجهيز المستشفيات والفحص وتعقيم الشوارع والميادين لمكافحة نقل العدوى.
وللعلم، فإن الانتهاء من برنامج الإصلاح مع الصندوق لا يعنى على الإطلاق إنهاء تعاملنا معه أو مع المؤسسة الأخت البنك الدولى، فإن مصر مثلها مثل سائر الدول النامية فى حاجة مستمرة إلى المشورة الفنية وتنمية القدرات فى مجالات عديدة تطلبها من هذه المؤسسات، التى تتمتع بخبرات عالمية عالية. كما أن صندوق النقد الدولى ــ ولا عيب فى ذلك ــ يقوم بمراقبة ومتابعة تطور اقتصاد مصر، والوضع كذلك بالنسبة لجميع الدول الأعضاء النامية والمتقدمة على حد سواء، من خلال ما يعرف بالمادة الرابعة. وفى ضوء ما أثبتته مصر من باع طويل ومصداقية فى معاملاتها مع الصندوق ومع غيره من المؤسسات الدولية والإقليمية ودائنيها من الدول، حيث إنها من الدول التى لا تتأخر قط عن سداد ديونها، وإزاء ذلك، فإن صندوق النقد الدولى على استعداد لدعم مصر إذا ومتى قررت مصر طلب برنامج جديد من الصندوق لترسيخ إصلاحاتها أو قروض طوارئ عاجلة للتصدى لأزمات مفاجئة واحتواء التأثير الاقتصادى السلبى المتفاقم من جراء أزمة الكورونا على نحو ما شهدناه. فلا غبار من لجوء الحكومة مرة أخرى إلى الصندوق، بل إنه من حقها الاستفادة من برامج الطوارئ التى يضعها صندوق النقد الدولى تحت إمرة الدول الأعضاء المتضررة من الوباء.
وعليه، تقدمت مصر من خلال البنك المركزى بطلب تمويل إضافى من الصندوق، طبقا لبرنامجين متخصصين، أحدهما يعرف بأداة التمويل السريع (RFI) وثانيهما ترتيبات احترازية (SBA)، وذلك لمعالجة احتياجات فورية لميزان المدفوعات ودعم الفئات الأكثر تضررا. ومن المعروف أن جميع الدول الأعضاء التى تواجه احتياجات تمويل عاجلة مؤهلة للاستفادة من هذين البرنامجين، وأن يتم استخدام الترتيبات الاحترازية أكثر من الدول المتقدمة ومتوسطة الدخل (مصر دولة ضمن فئة الدول ذات الدخل المتوسط المنخفض)، حيث إن الدول الأقل نموا، وهى مجموعة مصنفة وفقا للأمم المتحدة ومصر ليست عضوا بها، لديها أدوات أكثر يسرا لاحتياجاتها. أما أداة التمويل السريع، فهى توفر مساعدة مالية سريعة بالنسبة للدول التى تواجه حاجة عاجلة لميزان المدفوعات. وهى أداة أكثر مرونة لتلبية الاحتياجات الطارئة المتنوعة للدول الأعضاء. وإن كانت هذه الآليات أساسا قصيرة المدى لسنة أو سنتين، فإنها فى حالة الضرورة يمكن مدْ العمل بها إلى ثلاث سنوات على الأكثر.
كما سيحرص الصندوق على الاستجابة للمطالب المصرية لعدم المخاطرة بالنجاحات التى سبق أن حققها برنامج الإصلاح ودعم سياسات الاقتصاد الكلى من خلال برنامج الاستعداد الائتمانى. فلزاما على مصر وصندوق النقد الدولى أن يعملا معا لحماية المكاسب الكبيرة التى تحققت فى إطار القرض الممتد لثلاث سنوات. وإذا ما تمت الموافقة على الحزمة الجديدة الشاملة من الدعم المالى، وهو ما لا نشك فيه، سيساعد ذلك مصر على مواجهة محنتها الحالية إثر تداعيات أزمة الكورونا وإحراز مزيد من التقدم وتوفير الأساس لانتعاش اقتصادى قوى. كما أنه سيساعد على تسريع جهود الإصلاح التى تهدف إلى دعم النمو الواسع النطاق.
***
وفى سياق متصل ومما لا شك فيه أنه فى أعقاب جائحة الوباء سيتعين على مصر التفكير فى التحول الهيكلى لاقتصادها وبناء اقتصاد أكثر ديناميكية وتنوعا وتنافسية يقوم على القدرة على الإنتاج وتوفير الخدمات المدعمة. فمصر ستحتاج إلى المضى فى التحولات الهيكلية من اقتصاد تمويلى إلى اقتصاد إنتاجى واقتصاد خدمى فى الأساس كنتيجة منطقية لما ستحدثه الجائحة من تغييرات عميقة فى الاقتصاد القومى. فسيقع على عاتق مصر أن تستبعد اعتمادها فى ميزانيتها على ما يأتى لها من دخل من السياحة لفترة طويلة مستقبلا وكذلك الحال بالنسبة لتحويلات العاملين بالخارج وربما أيضا عائدات أكثر تواضعا من قناة السويس وصادراتها من البترول بعد انهيار أسعاره. فكل ذلك لا يجوز أن يدخل فى حساباتنا وفى ظل عدم وضوح الرؤية بعد بالنسبة لتداعيات جائحة الكورونا ومداها. فى حين أنه سيكون لزاما على مصر التحول بسرعة أكبر إلى الاقتصاد الرقمى والتعجيل من الانتهاء من القوانين والقواعد المؤيدة لمزيد من استخدامات التجارة الإلكترونية وتأمينها وكذلك المزيد من استخدام الرقمنة فى السياسات المالية، وبالتأكيد تعزيز الصادرات غير النفطية والاعتماد على تطوير سلاسل الإنتاج المحلية والصناعات المغذية بدلا من المبالغة فى استيرادها.
وذلك يستلزم على واضعى السياسات الصناعية والتجارية فى مصر التفكير مليا فى احتمالات تعرض سلاسل الإنتاج بشكل عام إلى اضطرابات شديدة، واحتمالات التوطين لعدد من الصناعات مثل صناعة المنسوجات والملابس بدلا من الإفراط فى الاعتماد على الصين وغيرها فى استيراد النسيج والأقمشة، كما يتعين على مصر أيضا دعم سلاسل الإنتاج المحلية ــ كلما سمح الوضع بذلك ــ فى صناعة الأدوات المنزلية والمنتجات الكهربائية وصناعات الأدوية وصناعة الأغذية ودعم إمكانات مصر فى هذه المجالات، وهى الصناعات التى تتمتع فيها مصر بميزة تنافسية على الصعيدين الإقليمى والدولى.
مساعد وزير الخارجية الأسبق للعلاقات الاقتصادية الدولية

ماجدة شاهين مساعد وزير الخارجية للعلاقات الاقتصادية الدولية (سابقاً)
التعليقات