لن أعترف - محمود قاسم - بوابة الشروق
السبت 3 مايو 2025 3:15 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

لن أعترف

نشر فى : الجمعة 2 مايو 2025 - 7:30 م | آخر تحديث : الجمعة 2 مايو 2025 - 7:30 م

لن ينسى المتفرجون فى مصر تاريخ 16 أكتوبر 1961، حين تم عرض فيلم «لن أعترف» إخراج كمال الشيخ، ومن تأليف إستيفان روستى، وفى نفس اليوم عرض، فى قاعة أخرى قريبة، الفيلم البريطانى (الحافة العارية) إخراج مايكل إندرسون، وواحد من الأفلام الأخيرة للممثل جارى كوبر، وكانت المفاجأة أن الفيلمين متشابهين بدرجة ملحوظة، وبالرجوع إلى الفيلم المصرى فهو كما أشرنا مكتوب من طرف إستيفان روستى، وهو من أوائل من مارسوا الإخراج والتمثيل فى السينما المصرية، من أصل نمساوى يجيد عدة لغات أجنبية ويقرأ بها، أما الفيلم الأمريكى مكتوب أنه مأخوذ عن رواية بوليسية تحمل عنوان الحصن الأخير فى بابليون، ومن الواضح أن روستى قد قرأ الرواية بما يشبه توارد الخواطر مع كاتب السيناريو للفيلم الأجنبى، وشاهدنا (لن أعترف) كأنه مستنتسخ مع التغيير فى ترتيب الحوادث، فالفيلم المصرى يمزح بالحديث عن تأخر الرسائل؛ حيث تصل رسالة من شخص مجهول إلى صاحب البيت متأخرة عن موعدها بثلاثة أشهر، أى بعد أن تمت جريمة القتل بفترة وهنا يقدم لنا كل فيلم شخصياته التى تتمثل فى زوجة تكشفت حولها الحقائق أن زوجها قتل الصراف وسرق أمواله، وهو موظف كبير بعيدًا عن الشبهات، وسرعان ما يظهر حقيقة الرسالة المتأخرة فى أنها قادمة من رجل يدعى أنه شاهد الزوج يقتل الصراف بما يعنى أن المتهم المدان هو شخص برىء وأن الزوج قام بالقتل بدافع الحصول على أموال الخزينة، وعنها تبدأ الوسوسة والشكوك، ونعرف من الشاهد الذى يبتز الزوجة أن صاحب السيارة المرقمة 25250 هو القاتل ليدخل طرف آخر من العائلة هو شقيق الزوجة، ويجسده أحمد رمزى، الذى ذهب إلى الشاهد فى بيته وقتله عن عمد، كى يتخلص منه كشاهد، وبعد أن تم القبض على أخته باعتبارها قاتلة الشاهد فإن المرأة تمر بحالة من الهذيان، وعلى طريقة كمال الشيخ فإن الأخ يأتى إلى غرفة أخته فى المشفى ويخبرها أنه سوف يذهب ليعترف بينما أن الزوجة فى كلتا الحالتين سوف تخسر أخاها أو زوجها.
كما نرى فإن هذه الحالة من الاقتباس كشفت واحدة من الأساليب التى يتم فيها البحث عن مصادر الأفلام وأن المقتبس المصرى لم يذكر أبدا مصدر فيلمه، ولعل هذا الأمر يحضرنى ما أبلغنى به كمال الشيخ يوما بأنه اقتبس فيلمه الأول (المنزل رقم13) من خبر منشور فى إحدى الجرائد، أنه أيضا كان فيلما أمريكيا من النوع البوليسى كما أن كمال الشيخ اقتبس من فيلم حافة المدينة تقليدا آخر قدمه فى فيلمه التالى المقتبس والمسمى الليلة الأخيرة حيث طلب من المشاهد عدم حكى قصة الفيلم لأشخاص لم يشهدوه حتى لا يضيع طعم الغموض حين يشاهد الفيلم، وهذا الأمر ليس موجودًا فى النص الأجنبى المأخوذ عنه (الليلة الأخيرة) لكاتبة تدعى كاترين كوكسون لكنه موجود فى فيلم حافة المدينة لمايكل أندرسون، إن المخرج يقتبس على هواه يوزع ما يقتبسه بين فيلم وآخر.
كم كان المخرج متقنًا لعمله فى هذا الفيلم؛ حيث قيل من النقاد أنه هيتشكوك السينما المصرية وكم تقبل المخرج هذه التسمية على مضض ملحوظ، وفى اعتقادى أن أهمية الشيخ هو علاقته بالأدب المصرى خاصة فى الستينيات ابتداء من اللص والكلاب، بئر الحرمان، والرجل الذى فقد ظله، وميرامار، أى أن كمال الشيخ كان فى أفلامه المأخوذة عن الأدب أكثر تأثيرا من كمال الشيخ فى بداياته ولعلنا نلاحظ ذلك فى فيلمه حب وإعدام عام 1956 علما أن استثناء فيلمه حياة أو موت يجعلنا أمام حالة خاصة من السينما التشويقية بعيدًا عن الحبكات البوليسية ومنها «من أجل امرأة» وغيره.

التعليقات