انحراف - محمود قاسم - بوابة الشروق
الإثنين 2 يونيو 2025 11:24 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

انحراف

نشر فى : الجمعة 30 مايو 2025 - 7:35 م | آخر تحديث : الجمعة 30 مايو 2025 - 7:35 م

يحتل الكاتب المسرحى الأمريكى تينيسى ويليامز مكانة كبيرة لدى السينمائيين المصريين، ربما أكثر من صناع السينما فى هوليوود، وبالطبع من صناع السينما الأوروبية، فقد وجد هؤلاء المصريون فى أعمال ويليامز ضالتهم الكبرى، فأخذوا ينهالون من مسرحياته وتحويلها إلى أفلام مصرية، لدرجة أن مسرحية «عربة اسمها الرغبة» تحولت فى سنوات قليلة إلى أربعة أفلام عمل بها سينمائيون من أجيال متقاربة، ومنهم فيلم «الفريسة» إخراج عثمان شكرى سليم، و«انحراف» إخراج تيسير عبود فى عامى 1985 و1986، ثم فيلم «الرغبة» إخراج على بدر خان فى مطلع القرن الحالى، وهناك بالطبع فوارق كثيرة بين المسرحيات التى تدور فى أماكن وأزمنة محدودة، وبين الأفلام المصرية التى تتسع فيها دوائر المكان، وعدد الأشخاص، لكنها جميعا تتفق فى أن بلانش وهو اسم الشخصية الرئيسة تأتى إلى بيت أختها الأصغر منها، بعد أن حط عليها الزمن، حاملة فوق كاهلها غموض السنوات، وثقل العار الذى أخفته، وعندما ظهر كانت الفضيحة الكبرى للأسرة التى حطم الزمن أشلاءها، والجدير بالذكر أن المخرج إيليا كزان عندما أخرج فيلمه عن هذه المسرحية عام 1952 بطولة مارلون براندو، وفيفيان لى قد التزم بالنص المسرحى ولم يخرج أبطال المسرحية قط من بيت زوج أختها، وهو السائق السابق لأسرتها قل أن ينحدر بها الحال، فهربت إلى مدينة أمريكية أخرى، ومارست الهوى بمقابل، بينما تزوجت أختها من السائق بعد وفاة أبيها، كل هذه المعلومات نعرفها من الفيلم الأمريكى أثناء الحوارات الحادة جدا بين بلانش وستانلى، إنها شخصيات متناقضة، ورغم أن الأخت الكبرى صارت فى طريق الانحراف، فإن ستانلى سيظل للأبد رجلاً خشن الطباع، لا يتأخر عن مواجهة شقيقة زوجته، وأيضًا امرأته بحدة ملحوظة، وفى تلك الأثناء فإن واحدًا من أصحاب ستانلى يتقرب من المرأة، لكنه ينبذها عندما تأتيه الأخبار بماضيها المشين فى المدن الأمريكية الأخرى.
الأفلام المصرية التى تم اقتباسها من النص الأمريكى مأخوذة جميعًا من الفيلم رغم أن المسرحية صدرت لأكثر من ترجمة باللغة العربية، ولأن المصريين يميلون إلى إخراج أبطالهم من الأماكن المغلقة، فقد تمت إضافة أحداث كثيرة إلى السيناريو المصرى، ولعل الفيلم الوحيد الذى لم تتم إضافة كبيرة إليه هو «الرغبة»، الذى تدور أحداثه عند شاطئ أبى قير، ويبدو الشاطئ هنا أقرب إلى خشبة مسرح كبيرة لا يغادرها الأبطال كثيرًا، وإنما يتصارعون فيما بينهم بالخشونة إياها، ويزيل من حدة هذا الصراع أن هناك بقايا أنوثة ما تزال مرتسمة على ملامح الأخت الكبرى، واسمها سميحة أبو ماضى، وقد تم اختيار ثلاث ممثلات جميلات لمثل هذا الدور مع الحرص أنهن فى زمن الشباب مثل نادية الجندى، ومديحة كامل، وسهير رمزي، أى أن هناك مسافة عمرية بين فيفيان لى وبين هؤلاء النجمات، تتسم قسوة الفيلم فى أن المرأة العائدة تحمل فى حقائبها أثارًا من الماضى وتتعامل باعتبارها ابنة الأمس الملىء بالرغد والثروة والجمال والرجال، أما الأخت الأصغر فهى امرأة متواضعة، متزوجة من رجل أجش يمتعها جنسيا، ولكنها لم تنجب منه، ولا تتحمل أن يبتعد عنها، لذا فإن بعض هذه الأفلام تنتهى بأن تصاب المرأة بصدمة نفسية حادة ويتم لفها فى ثوب أبيض (بلانش) وتدخل مستشفى المجانين، إلا أن فيلم «الفريسة» قد غير من النهاية وصاغها بصبغة مصرية حيث تم إجهاض المرأة فى المستشفى واكتشف الجميع بمن فيهم الثرى الجاهل، أن المرأة ذات ماضٍ مشرف وأنه ظلمها حين أشاع حولها بأنها سيئة السلوك، بما يعنى أن كل مخرج أو كاتب سيناريو قد وضع نهايته التى يراها، ويعنى هذا أن القصة الواحدة ارتدت عددًا من المعاطف المختلفة الألوان بين أنامل كل مخرج تناول القصة، ويبقى الفيلم الذى أخرجه إيليا كازان عملاً بالغ الرقى فى تاريخ السينما، وللأسف الشديد فإن شغفنا بويليامز لم يسفر عن أفلام جيدة على الأقل بالنسبة لـ«عربة اسمها الرغبة».

التعليقات