سمير عليش اقتربنا من يوم الثلاثين من يونيو الذى عاصر حدثين مهمين فى السنتين الماضيتين «2012،2013» من نتاج الملحمة الثورية التى اندلعت فى 25/1/2011 مطالبة بـ«العيش والحرية والعدالة والكرامة». والمنتظر أن نفس هذا اليوم سيعاصر فى سنة 2014 الشهر الذى سيعلن فيه نتائج الانتخابات الرئاسية التى أجريت خلال مايو، وللأسف وفق قانون غير دستورى ومفتقدة للمعايير الدولية.
لقد كان موضوع الحدث فى 30/6/2012 يتلخص فى نجاح «المجتمع» فى إسقاط السلطة الديكتاتورية التى حكمت مصر لمدة آلاف السنين عبر «أسر مالكة أو ممثلى المستعمر أو قيادات عسكرية»، بهدف الانطلاق للحاق بالعالم الديمقراطى المتقدم الذى يتمتع بالرفاهة الاقتصادية والاجتماعية، عبر استخدام أصوات المواطنين الانتخابية بحرية وشفافية فى اختيار «أول رئيس مدنى» وتكليفه بمهمة إصلاح الدولة وإعادة بنائها على «أسس الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة» القادرة على تحقيق مطالب ملحمتهم الثورية.
وفى اليوم الموافق 30/6/2013 كان موضوع الحدث هو إصرار «المجتمع» على المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة كوسيلة لتغيير «الرئيس» الذى فشل فى مهمته ونكث بغالبية وعوده وعهوده، وبالأخص على المحاور التالية: ــ
إدارة مهمة إصلاح وبناء مؤسسات الدولة عبر شراكة وطنية عابرة للأيديولوجيات مع إعطاء أولوية لمؤسستى «العدالة» و«الإعلام» بغية توفير الأمان للمواطن، وإطلاق حملة لتغيير ثقافة المواطنين بما يتواءم مع عصر الديمقراطية والمعرفة والتكنولوجيا،
التوافق على دستور يحكم مسارات التحرك نحو إصلاح وبناء دولة «المؤسسات والقانون والمواطنة والمجتمع المدنى واحترام حقوق الإنسان»، والتصدى لأى توجهات لإحياء السلطة الديكتاتورية لدولة الفرد أو الدولة التى تذوب فى أيديولوجية أو حزب، والحرص على تطبيق «العدالة الانتقالية» كوسيلة لتحقيق المصالحة التاريخية، والتخلص من كل التشريعات والقوانين والسياسات والإجراءات التى لا تتوافق مع المعايير الدولية للتنمية الديمقراطية المستدامة والتنمية المتوازنة.
معالجة سريعة للفقر المادى والمعرفى ولتردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعمل على استرجاع الأموال المنهوبة، ثم دراسة وبدأ تنفيذ مشروع متكامل نحو المستقبل لتحقيق التنمية الديمقراطية المستدامة المتحررة من الإملاءات الخارجية، ملهما لطموح الحركة وحاشدا لإرادة الفعل على مستوى المواطن وعلى مستوى مؤسسات المجتمع.
أما الشهر المعاصر ليوم 30/6/2014 نتطلع أن يكون موضوعه تدشين علاقة جديدة بين «المجتمع» و«السلطة» متوافقة مع الدستور والمعايير الدولية للحكم الرشيد لإنجاز مهمة إصلاح وإعادة بناء الدولة. وحيث إن «السلطة/الضرورة» ذات ارتباط فكرى/ مهنى بالناصرية»، فإننى أرى أن نستدعى إلى الذاكرة العلاقة المغايرة التى نشأت بين «المجتمع» و«السلطة» بقيادة ناصر عقب الهزيمة العسكرية فى يونيو 67 والتى أدت من وجهة نظر الكثيرين إلى نصر أكتوبر. لقد تميزت مرحلة ما بعد يونيو 67 بعمق الاحترام والثقة المتبادلة بين «السلطة» و«المجتمع» عبر اعتراف السلطة بالأخطاء التى بدأت فى التفاقم منذ 62 (مجموعة المشير عامر)، إبعاد المؤسسة العسكرية عن القطاع المدنى، وإقصاء الفاسدين والمفسدين وإنفاذ العدالة عليهم، وإطلاق حرية التعبير والاستماع الى مطالب الشباب، ثم التوصل إلى بيان 30 مارس 68 على أثر حوارات وطنية واسعة. وقد ساهمت تلك العلاقة المغايرة لما قبل 67 فى ارتفاع غير مسبوق لحجم دعم «المجتمع» «السلطة» متضمنا رفع كفاءة قطاعات الإنتاج والخدمات، وتقديم الاقتراحات المبدعة لحل مشكلات نقص الموارد والإمكانات، وانتشار التطوع بالساعات الإضافية فى المؤسسات والشركات «العامة والخاصة»، والتسابق بالعطاء المادى والتنازل عن الكماليات ...إلخ.
بعد حلف اليمين، وفى إطار تلك العلاقة العصرية التى نتطلع أن يتم بناؤها بين «المجتمع» و «السلطة /الضرورة»، ستتمكن مصر من تجاوز عنق الزجاجة للحاق بالدول المتقدمة والمتحضرة، شريطة التصدى وبسرعة لتبعات قرارات وتوجهات «السلطة /المؤقتة» التى تمت خلال الفترة من 3/7/2013 حتى تاريخه، عبر ما يلى:
• تضميد جراح خطايا العنف السياسى والأمنى وضحايا الأحداث الإرهابية، هذا بالتطبيق الصارم للعدالة الناجزة، ويمكن أيضا الاستعانة بالمفوضية الدولية لحقوق الإنسان فى جنيف لإجراء تحقيق دولى محايد فى الحوادث التى حدثت بعد 3/7/2014.
• إعادة النظر فى التشريعات المنظمة لاستخدام الصوت الاحتجاجى والصوت الانتخابى وفق المعايير والخبرات الدولية، كوسيلة لتنفيذ المطالب المجتمعية، ومنها إمكانية إجراء إنتخابات رئاسية أو نيابية مبكرة دون الالتجاء إلى العنف السياسى.
• تصحيح تجاوزات «السلطة المؤقتة» لدستور 2014.
• معالجة فورية «قانونية وإجرائية» للانفلات الأخلاقى والتدهور المهنى الذى أصاب المنظومة الإعلامية مع وضع حد فاصل بينها وبين أنشطة الأمن القومى.
• استبعاد رموز نظام مبارك الذين ساهموا فى الفساد والإفساد والاستبداد، وخاصة المسئولين عن أجهزة رقابية وتنفيذية وإعلامية رئيسية والذين أعيد استخدامهم فى الوظائف السيادية والاستشارية والإعلامية ...إلخ .
ولا شك أن هناك شعورا بالإحباط والمرارة لدى الكثيرين منا وأنا منهم.. بسبب المخاطر المتزايدة على حاضر ومستقبل مصر الاقتصادى وعلى الأمن الفردى والقومى والوطنى، وبسبب تهاوى الثقة بين ثوار 25 يناير/2011، 30/6/2013 وبينهم وبين النخبة وعامة الشعب، وبينهم وبين القائمين على السلطة، مما أدى إلى الزج ببعض أيقونات الملحمة الثورية إلى السجون أو منعهم من السفر أو تلويث سمعتهم بالخيانة والعمالة.
بالرغم من تلك المشاعر السلبية التى تمر بى فإننى استعيد توازنى العقلى والنفسى، ويغمرنى اليقين بأن «المجتمع» قادر على تحفيز ودفع وتقويم «السلطة»، عندما أتذكر أحداث الصمود والمقاومة ثم الانتصار بعد الهزائم والنكسات خلال أزمات هائلة مرت بنا فى الماضى (الخمسينيات، الستينيات، السبعينيات)، وعندما أتذكر نضال المصريين فى الداخل والخارج قبل سنوات من اندلاع الملحمة الثورية عبر الأفراد والنقابات والجمعيات والحركات السياسية «كفاية، 6 أبريل، الجبهة الوطنية للتغيير، خالد سعيد، الجمعية الوطنية للتغير...إلخ، وخلال الـ 18 يوما الخالدة فى ميادين المحروسة، احتجاجاُ على قوى «الفساد والاستبداد» باستخدام السلمية أسلوبا، وعبر المخزون الثقافى المصرى من السلوكيات والقيم «محبة، تكافل، التزام، إرادة، تضحية، نظافة... إلخ»، وأخيرا وليس آخرا عندما أستعيد أيضا الموقف الحضارى «للمجتمع» أمام العالم كله عندما لم يستجب إلى دعوة طائشة وشريرة صدرت من إعلام «السلطة» عن شهداء الجيش أمام ماسبيرو.
وبناء عليه فإننى على ثقة من استمرار كفاح ترابطات الشباب والنساء والرجال والمثقفين «داخل وخارج» مصر، المكونة للنواة الصلبة لملحمة «المجتمع» الثورية التى اندلعت فى 25 يناير فى موجات متتالية حتى 30/6/2013، حتى تتحقق كافة أهدافها وشعاراتها، طالما حرصت على النقد الذاتى وإعادة تنظيم نفسها متمسكة بشعاراتها القيمية، وبسلمية نضالها وإنجازها التاريخى فى انتزاع حق استخدام صكوك ملكية الوطن (المتمثلة فى أصوات المواطنين الانتخابية والاحتجاجية) فى اختيار وتقويم «السلطة»، واهتمت فى نفس الوقت على حث منظمات المجتمع المدنى لتكثيف خدماتها لصالح «المواطن والوطن» فى إطار إعلاء خيار الخبز والحرية معا فبدون الخبز تغيب الحرية والعدالة، وبدون الحرية والعدالة تغيب الكرامة.. كرامة الناس وكرامة الوطن ويغيب معها الأمان للاثنين معا.. الناس والوطن.