«محمد صلاح عمل «براند» أو دعاية لمصر، أكثر مما فعله عشرة ملايين مصرى!
العبارة السابقة ليست لى، لكن قالها المهندس هانى محمود، وزير الاتصالات الأسبق ورئيس مجلس إدارة فودافون مصر، يوم 17 أكتوبر الماضى، خلال كلمته فى مؤتمر «القمة الدولية الثانية ــ صوت مصر» الذى نظمته شركة الاستشارات الإعلامية «سى سى بلس».
محمود كان يتحدث فى قضية مهمة، للأسف لا تأخذ حقها من النقاش، وهى دور الشخصيات العامة أو المدن أو الرواد فى «صناعة البراند» أو العلامة التجارية، أو فى موضوعنا هنا الصورة الذهنية عن مدينة أو دولة أو شركة أو بضاعة.
محمود قال: إن ما فعله محمد صلاح أكثر مما فعله مجلس الوزراء بأكمله، لكنه استدرك بقوله: «أقصد مجلس الوزراء الذى كنت عضوًا فيه، وليس المجلس الحالى»!!.
كلام هانى محمود، صار صحيحًا فى عصر الإعلام الرقمى الرهيب الذى نعيشه، أو عصر المعلومة السريعة جدًا والصورة والفيديو.
صلاح اسمه يتردد طوال الوقت فى كل العالم، مصحوبًا بصفة «اللاعب المصرى»، خصوصًا لجمهور كرة القدم ومعظمه من الشباب.
سيقول البعض: لكن هذا مجرد لاعب كرة، ولا يصح أن يتحول لرمز، مقارنة مثلا بالمفكرين والكتاب والمخترعين!!.
لهؤلاء نقول هذا هو واقع حياتنا، وهو موجود منذ سنوات، أتذكر أنه حينما انشغلت كل مصر بهدف المنتخب المصرى لعلاء نبيل، أمام الجزائر وصعد بنا لتصفيات دورة الألعاب الأولمبية بـ«لوس انجلوس» سنة ١٩٨٤، وقتها قال المفكر والفيلسوف المصرى الكبير الراحل زكى نجيب محمود أن «قدم لاعب أهم من رأس مفكر»!.
هذا الأمر ليس مقصورًا على مصر. ميسى ورنالدو وبقية نجوم الكرة هم الأكثر شهرة عالميًا، وهم الأغنى على الإطلاق ويتقاضون رواتب خيالية أعلى بكثير من رواتب رؤساء الدول والحكومات وكبار المسئولين وبالطبع كبار المفكرين، لكنهم أيضا يحققون ثروات هائلة للشركات الراعية والأندية، لأنهم يمتعون ملايين الناس بمهاراتهم وأهدافهم.
وسيقول البعض الآخر متهكما: «وهل لا يوجد فى مصر إلا محمد صلاح؟»
والإجابة هى لا، بل هناك مئات الآلاف من المبدعين فى مجالات مختلفة، لكن المهم كيف يخرجون إلى النور، ويتحولون إلى مؤثرين فى محيطهم الصغير، والكبير الداخلى والخارجى.
الميديا أو وسائل الإعلام صارت هى المفتاح الأساسى للماركات التجارية أو السياسية أو الفكرية «البراندات».
لكن بالطبع الميديا لا تصنع شيئًا من العدم فأساس البراند أو الماركة هو «جودة المنتج» على مر الزمن.
حينما نقول ألمانيا فإن أول تصور يتبادر إلى أذهاننا هو الصناعات والنظام والسيارات، وعندما نقول اليابان نتذكر الإلكترونيات المتميزة وعندما نقول فرنسا نتذكر الموضة والعطور والأطعمة المتميزة.
لكن ماذا نتذكر عندما يجىء اسم مصر؟!
الانطباع الأول هو الآثار الفرعونية خصوصا الأهرامات وأبو الهول والحضارة الفرعونية وعمرها الممتد منذ سبعة آلاف سنة، لكن هل هذه تكفى فقط؟! أم إننا نحتاج إلى منتجات وإنجازات حديثة تعيد رسم وترسيخ الصورة الذهنية الإيجابية لدى الآخرين؟
أعود مرة أخرى إلى المهندس هانى محمود وأهمية صناعة الرموز التى تحسن من الصورة الإيجابية لمصر؛ حيث تحدث وقتها عن زميله فى الدراسة البطل الأولمبى محمد رشوان، الذى حقق لمصر ميدالية فضية فى أولمبياد عام ١٩٨٤، رشوان كان قادرًا على تحقيق الميدالية الذهبية إذا ضرب خصمه فى المنطقة المصاب فيها، لكنه، لم يفعل ذلك بوازع أخلاقى رياضى، وعندما عرف اليابانيون هذه القصة زادت نسبة سائحيهم إلى مصر ٣٠٠٪ وقتها.
صار رشوان نموذجًا ملهمًا لبعض اليابانيين بسبب تصرفه، وربطوا بينه وبين مصر. رشوان تزوج من فتاة يابانية وأقام لفترة هناك، وحينما حضرت معه زوجته لزيارة أهله فى كامب شيزار، فوجئوا بها تجلس على الأرض. وعندما سألوها: لماذا تفعل ذلك؟! ردت بقولها: «حتى يعرف والديك أننى خادمتكم»؟
خلاصة الأمر. نحن نعيش فى عصر رموز الرياضة والفن وسائر المجالات، ونحتاج فى مصر أن يكون لدينا أكثر من محمد صلاح فى كل المجالات، فى الثقافة والأدب والفكر والاقتصاد والاجتماع والطب، نحتاج إلى قدوة يسير وراءها الشباب الصغير، وتجعل اسم مصر عاليا فى كل مكان، ليس فقط بسبب الماضى، ولكن من أجل المستقبل أيضا.