تنبيه واجب لكل من يقرأ السطور القادمة:
حذار أن تظن عزيزى القارئ أننى أحاول المقارنة بين مصر وألمانيا، وحذار أكثر أن تعتقد أن الهدف من هذه السطور هو الإيحاء بأن الأزمات تطال الجميع، وأنه طالما أن ألمانيا تعانى من بعض المشاكل، فعلى كل شخص يعيش فى منطقتنا أن يحمد ربنا على حاله!
والآن لندخل فى الموضوع:
سافرت إلى برلين الأسبوع الماضى لحضور منتدى الأعمال العربى الألمانى، وكانت مصر هى ضيف الشرف فيه، بدعوة مشكورة من الجامعة الألمانية بالقاهرة راعية المنتدى.
خلال الأيام الأربعة التى قضيتها فى برلين فوجئت بأن غالبية الأسعار قد زادت بصورة كبيرة مقارنة بآخر مرة زرت فيها برلين قبل أكثر من عامين.
أى مصرى سيشعر بهذه الزيادة، لأن اليورو صار يساوى نحو 55 جنيهًا، لكن الجديد أيضًا هو ارتفاع أسعار معظم السلع والبضائع.
سألت مصريًا مقيمًا فى برلين، منذ أكثر من عشرين عامًا، عن الأمر حتى يكون كلامى موضوعيًا، فقال لى إن الزيادة قد طالت كل شىء تقريبًا، لكنها مختلفة ومتباينة، من أول أسعار المأكولات نهاية بإيجار الشقق وبعض هذه الوحدات ارتفعت بنسب تصل إلى مائة فى المائة خلال السنوات الأربع الماضية.
دبلوماسى عربى مرموق قال لى إن وسائل المواصلات العامة خصوصًا القطارات التى كان يضرب بها المثل فى الانضباط، قد بدأت تشهد تأخيرات كثيرة.
وهو يقول أيضًا، إن أكبر الأخطاء التى وقعت فيها الحكومات الألمانية المتعاقبة أنها أهملت تطوير وتحسين البنية التحتية لسنوات طويلة، لكنها بدأت تلتفت إلى المشكلة مؤخرًا.
من الأخطاء الكبرى أيضًا أن ألمانيا صارت تعانى من نقص حاد فى العمالة الماهرة، ويرتبط بذلك أيضًا مشكلة الشيخوخة السكانية، حيث يتوقع تقاعد 4.8 مليون شخص من جيل طفرة المواليد بحلول عام 2035، مما يزيد الضغط على سوق العمل.
ما يحدث من أزمات فى ألمانيا هذه الأيام ليس وليد سياسة حكومة واحدة، لكنه نتيجة أسباب متراكمة منها تباطؤ النمو الاقتصادى فنسبة النمو المتوقعة لعام 2025 لا تزيد على 2 %، وارتفعت أسعار الموارد الغذائية الأساسية بنسبة تتراوح بين 80 و100 % خلال السنوات الأربع الماضية، كما ارتفعت حالات الإفلاس للشركات بنسبة وصلت 8 و10 % فى فبراير 2024، وهو أعلى معدل للإفلاس منذ عام 2016، وفى عام 2023 تم تسجيل 176 ألف حالة إفلاس.
طبعًا هناك عامل مهم غير تفشى وباء كورونا، وهو الحرب الروسية الأوكرانية، حيث إن ألمانيا واحدة من كبار داعمى أوكرانيا، وترامب يضغط الآن على ألمانيا وكل أوروبا وحلف الناتو لزيادة الميزانية العسكرية إلى 5 % من الناتج المحلى الإجمالى، وهو ما يعنى أن ألمانيا مطالبة باستقطاع مبالغ ضخمة مخصصة للخدمات، لتذهب للإنفاق الدفاعى إضافة إلى ارتفاع أسعار الطاقة.
وإذا أضفنا الرسوم الجمركية التى طبقها ترامب وخفض توقعات النمو فى منطقة اليورو بنسبة 9 % لعام 2025. وكانت نتيجة كل ذلك انخفاض الصادرات الألمانية بنسبة 2٫5٪ فى يناير الماضى. كما أن هناك دراسات تقول إن التغيرات المناخية ستكلف ألمانيا نحو 900 مليار يورو بحلول عام 2050، علمًا بأن هذه التغيرات كبدت ألمانيا خسائر تصل إلى 145 مليار يورو فى الفترة من 2000 إلى 2021.
مرة أخرى كل ما سبق لا يجعلنا نقارن ما يحدث هناك بأى بلد آخر، خصوصًا أن الناتج المحلى الإجمالى لألمانيا يصل إلى 4.66 تريليون دولار، وبلغت قيمة الصادرات 1.69، تريليون دولار فى عام 2024، وبالتالى فإن ألمانيا ثالث دولة من حيث التصدير بعد أمريكا والصين، ستظل دولة كبرى ومهمة ومتقدمة، لكنها أيضًا تواجه مشاكل ضخمة.