يصعب أن تجد شخصية عامة عليها إجماع وتوافق فى العالم العربى. كما هو حال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر.
زرت دبى لمدة يومين للمشاركة فى بعض فاعليات قمة الإعلام العربى وتوزيع جوائز الصحافة العربية.
وأمس الأول الثلاثاء حضرت مع عدد قليل من الصحفيين العرب اللقاء مع شيخ الأزهر قبل الافتتاح الرسمى للقمة.
دخل الإمام القاعة الصغيرة ومعه مفتى الديار الدكتور نظير عياد والمستشار محمد عبدالسلام الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين، وبدا الإمام فى صحة جيدة.
الشيخ الجليل أصر على أن يسلم على جميع الحاضرين وبينهم بالطبع السيدات، خصوصا الإعلامية الكبيرة منى الشاذلى والكاتبة أمينة خيرى.
حاولنا جميعا أن نسأله عن رأيه فى تطورات المجزرة الإسرائيلية المستمرة ضد غزة، فقال: لقد جئت لأسلم عليكم قبل بداية الجلسة العامة التى سأتحدث فيها بالتفصيل.
الصحفيون وكعادتهم حاولوا بطرق شتى إقناع الشيخ بالكلام فتحدث بعبارات واضحة عن أن الأديان كلها نزلت لإحلال السلام، وتطرق إلى «بيت العائلة المصرية» الذى يترأسه مع بطريرك الكرازة المرقسية. ثم عن مجلس حكماء المسلمين والمؤتمر الأخير المهم الذى عقد فى البحرين عن الحوار الإسلامى ــ الإسلامى.
الكاتب الكويتى محمد الرميحى سأل: لماذا لا يناقش الأزهر موضوع الإسلام الحركى؟ ورد الشيخ قائلا: إن البعض حاول اختطاف الدين ليلعب دورا فى السياسة وهناك فهم ردىء لبعض المقولات الإسلامية، ولكنا متفقون على أن هذا ليس هو الإسلام. وقال أيضا إن هناك من يريد تشويه الدين الإسلامى لأغراض استعمارية.
الكاتبة البحرينية سوسن الشاعر، قالت له إنك صافحت النساء حينما دخلت إلى القاعة.
فابتسم قائلا لها: أصافح النساء فى الشرق والغرب.
مدير الجلسة المصغرة الإعلامى السعودى عبدالله المديفر سأل عن «المثلية» فرد الشيخ: عبرنا عن رأينا فى هذا الموضوع أكثر من مرة، وهذا الموضوع مؤشر على جنون هذه الحضارة وتخطيها للإنسانية، فالحضارة التى تقصى الدين هى تقصى الأخلاق، والأخلاق مرجعها الدين وليس العقل لأن العقل الأوروبى مثلا يرى أن المثلية جيدة.
صحفية لبنانية سألته عن الأقليات فقال إن الإسلام يحترم مفهوم المواطنة، ودولة المدينة أقامها الرسول على المواطنة والمساواة، وتعايش فيها المسلمون واليهود جنبا إلى جنب.
وفى ظنى أن أهم سؤال كان من الإعلامية المصرية النبيهة والذكية أمينة خيرى وهو: هل تحويل الصراع العربى الإسرائيلى إلى صراع دينى يفيدنا؟
رد الإمام الأكبر كان واضحا وقال: نحن نفرق بين اليهودية وهى دين منزل من السماء وبين الصهيونية. وهناك رسالات كثيرة لدين واحد يقوم على السلام منذ سيدنا آدم وحتى الرسول محمد.
وبالتالى لا أعتقد أن الصراع دينى، بقدر ما هو صراع مع استعمار يريد أن يبرر هذه الجرائم التى ترتكبها إسرائيل ضد غزة.
انتهت هذه الجلسة وللمرة الثانية صافح الإمام الأكبر الحاضرين، وعندما حان دورى قال لى فضيلته، بحضور المستشار محمد عبدالسلام: «إننى أقرأ وأتابع ما تكتبه يوميا فى «الشروق» وما تقوله فى الفضائيات».
قلت له: هذه أفضل شهادة يمكن أن أحصل عليها من شخص فى قدركم ومنزلتكم.
بعدها بقليل بدأت الجلسة الافتتاحية لمنتدى الإعلام العربى بكلمة قصيرة لمنى غانم المرى نائب الرئيس والعضو المنتدب لمجلس دبى للإعلام ورئيس نادى دبى للصحافة، ثم تحدث فضيلة الإمام الأكبر أمام آلاف الحاضرين فى القاعة الرئيسية الكبرى فى مركز التجارة. جميعهم صفقوا أكثر من مرة للإمام الطيب الذى قال إن العرب والمسلمين عانوا من رسائل وتقارير إعلامية شوهت صورتهم فى مرآة الغرب بعدما ربطت بين الإسلام والعنف والتطرف وظلم المرأة. وأى منصف لابد أن يتفق على أن قضية غزة هى التى يجب أن تدور حولها ماكينة الإعلام العربى صباحا ومساء، وعلى الإعلام الإشارة المستمرة إلى صمود الشعب الفلسطينى وتمسكه بأرضه، وإلى الاستهداف الصهيونى الممنهج للصحفيين فى غزة لإسكات صوت الحقيقة.
وعلينا أن نقدر ونرحب بما نشهده اليوم من تغير فى مواقف دول أوروبية كثيرة، ونحيى يقظة ضميرهم الإنسانى النبيل.
انتهت الكلمة والجلسة التى تحدث فيها أيضا رئيس الوزراء اللبنانى نواف سلام وطوال اليوم والليل فإن كل من التقيتهم من صحفيين وصحفيات عرب أشادوا بالإمام الأكبر وعلمه واستنارته ومواقفه وشجاعته.