دروس من الكرة - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دروس من الكرة

نشر فى : الأربعاء 3 فبراير 2010 - 10:04 ص | آخر تحديث : الأربعاء 3 فبراير 2010 - 10:04 ص

 أكتب هذه الكلمات بعد أن أغلقت النوافذ جيدا حتى لا يشرد ذهنى مع هتافات صادرة عن أولئك الذين ملأوا مواقع المشاهدة التليفزيونية منذ الصباح. ورغم أن الأمر لا يعدو مباراة فى كرة القدم، فإن هذه المباراة جاءت بعد رحلة طويلة من استثارات المشاعر، طيبها ورديئها، غلب فيها الردىء على الطيب. وحمدت الله أن الجماهير التى طال انتظارها علت شفاهها ابتسامة مسحت كل تفاهات صدرت عنها فى لحظة حزن، لعلها تنسى ولو للحظات كما هائلا من المعاناة والمآسى. وأخذت أسترجع شريط الأحداث، ليس بفكر الخبير فى ألعاب الكرة، فلم أشارك فيها أيام الصبا سوى مرتين، بل لأستبين الدروس المستفادة.

الدرس الأول: هو أهمية الأسلوب الجماعى فى الأداء فى ظل قيادة حكيمة. فكثيرا ما رأينا فى مباريات ضمت من يعتبروا نجوما فى اللعبة يهتمون بإظهار مواهبهم دون أدنى اعتبار لكون اللعبة أساسا جماعية، وهو ما كان يترتب عليه أن أداءهم يختل، ويتسببون فى خسارة فريقهم. وباعتقادى أن نجاح المعلم شحاتة فى أن يبث فى فريقه روح الجماعية، ويعمق فيهم مشاعر الإيمان، هو الذى ألف بين قلوبهم، ليلعب فريق مصرى كامل المباراة وكل المباريات بنفس العزيمة.

الدرس الثانى: أن أى عمل يجب أن يكون واضح الهدف، وأن يكون هذا الهدف قادرا على الجمع بين الساعين لتحقيقه، لكونه هدفا نبيلا. كما يجب أن يجرى السعى لتحقيقه بأسلوب يتصف بحسن الخلق، دون الارتكان إلى مقولة فاسدة بأن الغاية تبرر الوسيلة. وقد حافظ الفريق المصرى على نبل هدفه رغم ما مر به من أحداث، وحرص على أن يظل متمسكا بحسن الأداء دون السعى لإيقاع الخصم فى الخطأ ليستغله. بينما وضح فى مباراته فى الدور قبل النهائى أن الشعور بالضعف النسبى للاعبى الفريق الجزائرى دفعهم إلى استخدام الخشونة المتعمدة، فكانت النتيجة أن خسر الفريق المباراة وخسر جهود لاعبين فى الدور النهائى ومعها الحصول على المركز الثالث، الذى كنا نتمنى أن يكون شاغله عربيا، بعد تعذر أن يحل ثانيا.

الدرس الثالث: إنه إذا كان لكل جولة أهدافها، فإن الحافز الأكبر هو وضوح الهدف الأبعد، لأنه هو الذى يضمن السعى إلى النجاح فى كل جولة، ويكفل الخروج من العثرات بتصميم أكبر لاستعادة النجاح. والواقع أنه من أخطر الظواهر العربية عدم تجاوز النظرة ما تحت القدمين. فعندما تعثر الفريق فى أم درمان، ذُرفت دموع تحت ستار إساءات جزائرية، تخفى حقيقة أن دافعها هو شعور إحباط لاعتبار أن المشاركة فى المونديال هى نهاية المطاف. إن المبرر لإيجاد النوادى والإنفاق على الألعاب المختلفة وبالأخص كرة القدم، هى بناء جيل سليم بدنيا، ومرتبط بوطنه وجدانيا، ليس باعتباره كلمة تُردد أو علما يُرفع، بل ترابطا اجتماعيا وتآخيا من أجل إعلاء شأنه، كل فى مجاله.

الدرس الرابع: إننا إذا كنا نهنئ جماعة على نجاحها فى عمل تؤديه، فعلينا ألا نعنفها لمجرد أنها عجزت عن بلوغ الهدف المباشر أيا كانت أهميته، خاصة إذا ساهم فى الفشل ظروف خارجة عن الإرادة. وعلى أى حال لا يجدى التقريع بقدر وجوب استعادة القدرة على المواصلة. يذكر فى هذا الصدد أن بعض من أساءوا التقدير أو كان فى قلوبهم مرض، لاموا قيام الشعب والدولة باستقبال الفريق من أم درمان استقبال الأبطال، رغم هزيمته وفقدانه فرصة التأهل للمونديال. لقد أكسب هذا الموقف العقلانى الفريق شحنة هائلة، عبر عنها أحمد حسن وهو غير مصدق، أسهمت دون شك فى تقوية عزيمة الفريق، فأوفى بوعده بالتفانى فى الأداء ليحقق إنجازا يفوق مجرد تمثيل مشرف فى المونديال. وباعتقادى أن الرغبة فى اللحاق بالمونديال كانت أملا لفريق يغادر معظم أفراده الملاعب قبل مونديال 2014، أكثر من تباهى الشعب بمشاركة يشك فى بلوغها المربع الذهبى العالمى تتحدث عنها الأجيال المقبلة.

الدرس الخامس: أن أى عمل ناجح يربط بين الأجيال، دون استعلاء من الكبار أو تمرد من الصغار. لقد فرض تقدم أعمار الفريق على مدربه أن يطعّمه بشباب يستفيدون من التفاعل مع خبرات الكبار، ويساند الكبار بحيوية الصغار. وكان من أكثر الظواهر دلالة هو ذلك الانسجام بين زيدان وجدو، وحصول أحمد حسن على لقب أحسن لاعب ليتوج على قمة أفريقيا وهو فى عامه الرابع والثلاثين، يشاركه عصام الحضرى كأحسن حارس مرمى، كما يشاركه أحمد قتحى للعب النظيف ومحمد ناجى جدو بلقب هداف الدورة من مقعد البدلاء.

الدرس السادس: إننا لم نغرس بعد روح المنافسة الشريفة فى النفوس، مصريا وعربيا. إن الحديث عن ضرورة تحقيق الديمقراطية والعمل على سيادة السوق فى اقتصادنا، يبدو جعجعة كشفتها كرة القدم. والأمر هنا لا يقتصر على ما دار فى مباريات المنتخب، بل يتكرر فى مباريات الدورى والكأس، إلى حد الإيذاء البدنى للاعبين والمتفرجين والممتلكات. وهى تكشف الحساسيات القائمة بين الشعوب العربية. ولكن تهون مآسى كرة القدم أمام ما يتعرض له مجتمعنا واقتصادنا من نزاعات ومصارعات. وإذا كنا نهنئ الفريق بالانتصار، فإن هذا لا يعنى أننا تخلصنا من مرارة هزيمة سابقة، أو احتمالات هزائم سابقة. وأعيد التذكير بما ذكرته فى مقال سابق عن أهمية الاهتمام بالتربية وضرورة الإصلاح الاجتماعى.

الدرس السابع: هو أنه إذا كانت مقابلات الأقدام قد كلفتنا الكثير، فإن عبث الأقلام والكلام انتقص من هيبة ندعى أنها حق مكتسب لنا. وباعتقادى أن كل الانتقادات التى كانت توجه لأجهزة الإعلام والفضائيات، التى انتشرت انتشار الوباء، قد بلغت الذروة فى الكثير مما دار حول مقابلات كروية بين أشقاء. والأدهى من ذلك أنه حينما كان بعض العقلاء يدعون إلى تجاوز التجاوزات، تهب عاصفة تتحدث عن كرامة مصر. إن الرد العملى بإثبات التفوق المصرى المستحق هو الذى رفع اسم مصر على صفحات وشاشات أجنبية وعربية ودفعت الجميع إلى تهنئة مصر على حصولها على فوز عن جدارة واستحقاق. الأهم أن يكون هذا التفوق ليس بتقزيم الآخرين بل بعلوّ عن الأقوياء. وفى هذا الصدد ندعو العرب دولا وشعوبا وأفراد إلى الأخذ بهذا المنهج. لقد شهدت الثمانينيات محاولة من بعض الأنظمة العربية شغل موقع مصر من النظام العربى بالتنديد بالنظام المصرى، فجاءت النتائج كارثية. وحينما تعرض الفريق الجزائرى لهزيمة قاسية اتهموا الحكم بتواطؤ مع مصر، فكانت النتيجة أن الفيفا قرر إيقاف ذلك الحكم لأنه لم يقم بطرد الحارس الجزائرى عندما اعتدى عليه، وارتكب معه «النطح» اقتداء بمواطنه زيدان فى ختام حياته الكروية فخسر كل ما بناه.

الدرس الثامن: هو أن ما تحقق من كسب يفرض علينا عبئا للمحافظة عليه فى المستقبل، بل والإضافة إليه. إن أسلوب «الخبطة» يعتبر من أسباب العجز عن مداومة الارتقاء وتحقيق مستوى نحن جديرون به فى التنمية. وكم عانى الاقتصاد المصرى من ذلك الأسلوب، الذى ينظر إلى النجاح ككسب شخصى غير قابل للتكرار. إن هذه الظواهر تنبع جميعا من ضعف الشعور بالانتماء. لا يجب أن نتوقف عند التغنى بشمول الفرحة الثمانين مليونا، والتأكيد فى الدستور على رابطة المواطنة.

فلنتخذ من هذه المناسبة نقطة فاصلة بين التشرذم واللامبالاة وبين الجمع بين جميع فئات المجتمع وطوائفه والعمل الجاد لبلوغ مستقبل أفضل.

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات