مصر والسعودية.. وسحابة الصيف - خالد سيد أحمد - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 7:03 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر والسعودية.. وسحابة الصيف

نشر فى : الجمعة 3 فبراير 2023 - 8:45 م | آخر تحديث : الجمعة 3 فبراير 2023 - 8:45 م
مرت العلاقات المصرية السعودية عبر تاريخها الطويل، بفترات عدة من المد والجزر، فضلا عن التباين الحاد فى الرؤى والمواقف بشأن الكثير من القضايا والملفات فى المنطقة، وتحوله فى بعض الأحيان إلى شد وجذب وحملات إعلامية متبادلة، لكنهما عادة ما يتمكنان سريعا من تطويق خلافاتهما عبر التوصل إلى تفاهمات تعيد الدفء للعلاقات بينهما، لإدراكهما بأنه لا غنى لأحدهما عن الآخر.
فى الفترة الأخيرة، وبعد سنوات طويلة من الدعم والمساندة والتقارب السياسى الواضح، خصوصا فى أعقاب الإطاحة بحكم جماعة الإخوان فى مصر عام 2013، بدت هناك ملامح حملة منظمة وموجهة على وسائل التواصل الاجتماعى، تبناها كتاب سعوديون بارزون مثل تركى الحمد وخالد الدخيل وآخرين، على صلة مباشرة بدوائر صنع القرار فى المملكة، ضد الدولة المصرية ومؤسساتها الكبيرة، وعزفت لحنا واحدا مفاده أن الواقع الاقتصادى الصعب الذى تواجهه البلاد حاليا، هو نتاج سيطرة شبه تامة لإحدى المؤسسات المهمة على المشهد، بل ولجوء بعضهم إلى السخرية الشديدة عندما قال «ألم يمارس علينا إرجافا شيوعيا واشتراكيا.. قوميا وناصريا.. ألم يوصفوا أنفسهم بالتقدميين؟.. أجل. لكن الآن من يستجدى قوت يومه على أبواب وأروقة دول العالم؟» فى إشارة لا تخلو من ابتذال إلى طلب مصر لقروض عربية ودولية حتى تتمكن من عبور الأزمة الحالية.
وزير المالية السعودى، محمد الجدعان، دخل أيضا على الخط ــ وإن لم يذكر مصر بالاسم ــ حيث قال خلال مشاركته فى فعاليات المنتدى الاقتصادى العالمى فى دافوس: «اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة دون شروط، ونحن نغير ذلك، كما نحث دول المنطقة على القيام بإصلاحات».
وتابع: «الآن نقول نريد إصلاحات.. نحن نفرض الضرائب على شعبنا.. ونتوقع من الآخرين أن يقوموا بدورهم، المساعدات التى ستقدمها المملكة للدول الأخرى ستكون مشروطة بإصلاحات، نحن فى حاجة لأن نشهد إصلاحات.. نريد المساعدة لكننا نريد منكم الاضطلاع بدوركم».
هذه الانتقادات وجدت ردودا على وسائل التواصل من بعض المواطنين والكتاب والمثقفين المصريين، انتقدوا فيها سلوك بعض الدول الخليجية تجاه مصر خلال أزمتها الراهنة، ومحاولتهم لى ذراعها وإملاء الشروط عليها قبل التدخل لمساعدتها على تجاوزها، وعدم تقديرهم لما قدمته لهم عبر تاريخها الطويل، بل ولجأ بعضهم إلى السخرية من الكتاب السعوديين الذين يوجهون سهام النقد لمصر، فى حين أنهم يعجزون عن فعل الشىء نفسه مع حكومة بلادهم.
مبدئيا لا حرج على الدخيل أو الحمد وغيرهما من الكتاب السعوديين أو حتى العرب من تناول ومناقشة القضايا التى تخص الشأن السياسى والاقتصادى والاجتماعى فى مصر، ليس فقط لأنها دولة كبيرة وذات تاريخ عريق وملهم فى المنطقة والعالم، ولكن لكونها مؤثرة فى محيطها مهما كانت لحظاتها حالكة وظروفها صعبة ومعقدة، وخطواتها ثقيلة ومقيدة.
هذا الحق الذى يفترض أن يتمتع به الكتاب السعوديون فى تناولهم للشأن المصرى، هو فى الوقت ذاته حق للكتاب المصريين عند تناولهم للقضايا التى تخص المملكة وتوجهاتها الشابة الجديدة ومغامراتها العسكرية فى الجوار وإنفاقها المليارات من الدولارات على «حفلات الترفيه»!.
لكن مكمن الخطر الحقيقى، أن يتحول هذا الحق فى تناول القضايا الراهنة بالدول العربية، وتقديم رؤى مختلفة وأطروحات جديدة بشأنها، إلى وقود يشعل نار الفتنة والفرقة بين الشعوب، بدلا من أن يكون وسيلة للتقارب والتوحد لمعالجة التحديات أو يطرح حلولا غير تقليدية للمشكلات التى تفرض نفسها على الجميع.
ندرك تماما أن ما يحدث حاليا مناوشات إعلامية لكتاب سعوديين، ليس أكثر من مجرد «سحابة صيف»، أو أزمة عابرة سيتم تطويقها قريبا فى الغرف المغلقة بين القاهرة والرياض، ولن يتبقى فى ذاكرة الشعوب سوى من تعمد الإساءة والتجريح لدولة بحجم مصر قدرها أن تعيش لحظات صعبة صنعتها سياسات داخلية خاطئة، وظروف خارجية لم تكن تخطر على بال أشد المتشائمين.
يمكن للدولة المصرية تخطى الأزمة الراهنة، وعدم السماح لأى دولة شقيقة أو صديقة بلى ذراعها وفرض الشروط عليها استغلالا لظروفها الاقتصادية الصعبة، وذلك من خلال إجراء تعديل جذرى فى المسار الذى أدى إلى وقوعنا فى مستنقع الديون، واتخاذ قرارات وتوجهات اقتصادية رشيدة، وضبط الإنفاق الحكومى، وعدم مزاحمة الدولة للقطاع الخاص حتى يستطيع القيام بدوره على أكمل وجه.
التعليقات