الرهان الخارجى على الثورة المصرية - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 12:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرهان الخارجى على الثورة المصرية

نشر فى : الخميس 3 مارس 2011 - 9:56 ص | آخر تحديث : الخميس 3 مارس 2011 - 9:56 ص
كتب الأستاذ جميل مطر فى هذه الصفحة فى الرابع والعشرين من فبراير الماضى مقالا مهما بعنوان «ضرورة أن تتناسب سياسة مصر الخارجية مع مبادئ ثورتها» أشار فيه إلى أنه لا يجوز فى هذه الظروف الحاسمة اتخاذ قرارات أو سياسات تعتمد الخط ذاته الذى ساد تفكير صانع السياسة الخارجية المصرية على امتداد الثلاثين عاما السابقة، وهو الخط الذى قاد مصر إلى مكانة متدنية بين الأمم، وصنع الفجوة الواسعة فى الثقة بينها وبين دول عديدة، وعزل شعب مصر عن شعوب العالم. ووصف مطر بحق الدبلوماسية المصرية فى تلك الحقبة بأنها دبلوماسية «تقديم النصائح والتحذيرات» التى لم يكن يأبه بها أحد والتى لم تخرج كثيرا عن توجيهات وإشارات ينقلها سفراء الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا إلى المسئولين المصريين، وانتهى إلى أن هذه السياسة أدت إلى تدهور العمل العربى المشترك وفقدان أفريقيا وحدوث المأزق الأخطر فى تاريخ مصر الحديث، وهو الأزمة مع دول حوض النيل. وكتب د. عبدالمنعم سعيد فى صحيفة الأهرام فى السادس والعشرين من الشهر الماضى عن تحديات السياسة الخارجية المصرية فى المرحلة الراهنة، وبالذات ما يجرى فى السودان بعد انفصال الجنوب، والوضع فى الشمال الشرقى لمصر، والتطورات الراهنة فى ليبيا. وأحاول فى هذه السطور أن أتناول الموضوع نفسه من منظور مكمل وهو الرهان الخارجى على الثورة المصرية.

يلاحظ فى هذا الصدد أن ثمة قوى راهنت على أن تمثل الثورة المصرية إضافة لها، وبالذات القوى المقاومة لإسرائيل الموجودة فى لبنان وغزة، ومن هنا كان الترحيب حارا بالثورة وانتصاراتها هناك، ويبقى بعد ذلك الموقف السورى الملتبس ما بين الخشية من مزيد من انتشار الديمقراطية نتيجة ما وقع فى مصر والرؤية الاستراتيجية التى ترى أى تقارب مصري- سورى معبرا واجبا لأمن البلدين خاصة والأمن العربى عامة. ويرتبط هذا الموضوع بتوازنات المنطقة واستقرارها، وبأخطر صراعاتها وهو الصراع العربي- الإسرائيلى، ولذلك يجب النظر بإمعان إلى ذلك الرهان على الثورة المصرية: مدى صحته ودقته، وهنا يمكن أن تساق أكثر من ملاحظة نختار اثنتين من بينها.

أما الملاحظة الأولى فهى أن ما حدث فى مصر ثورة وطنية تعكس كل ألوان الطيف السياسى المصرى، وهدفها الأول كما هو معلن فى شعاراتها وكما ظهر من حوارات بعض قادتها هو إقامة نظام سياسى ديمقراطى. غير أن هدف الثورة الأساسى لم يكن تعديل توجهات السياسة الخارجية المصرية التى يمكن أن تختلف حولها فصائل الثورة، وإن كانت شعارات الثورة قد كشفت عن توجهات عروبية واضحة. ولذلك فبينما أثار الخطاب الأخير لمبارك مشاعر غضب عارم بين المطالبين بإسقاط النظام مع أنه كان يقدم تنازلا جوهريا (تفويض كافة سلطاته لنائبه) فإن موقف المجلس العسكرى الأعلى الذى يتولى حاليا إدارة الشؤون المصرية، والمبنى على حفاظ مصر على التزاماتها الدولية (وأهمها فى هذا السياق التزامها بالمعاهدة مع إسرائيل) لم يفض حتى إلى انتقادات معتدلة، وإنما اعتبر من قبيل تحصيل الحاصل. ويعزز ما سبق أن الشعب المصرى وقيادته الجديدة سوف يكونون جميعا مطالبين ببذل جهود خارقة لإعادة بناء مصر بعد أن مرت عليها ثلاثة عقود عجاف أكل الفساد الأخضر واليابس فيها، وبالتالى فليس من أولويات أحد الآن فى تقديرى أن يرنو ببصره تجاه الحدود الشمالية الشرقية لمصر لتصحيح ما ألمَ بإجراءات حمايتها من خلل بموجب معاهدة السلام مع إسرائيل.

هل يعنى ما سبق ــ وهذا ينقلنا إلى ملاحظتنا الثانية ــ أن الثورة لن يكون لها تأثير من أى نوع على سياسة مصر الخارجية؟ ستكون الإجابة على هذا السؤال بالإيجاب هى أبعد الأمور عن الحقيقة، فكيف نوفق بين هذا القول ومضمون الملاحظة الأولى؟ واقع الأمر أن النظام السابق فى مصر كان يحدد مواقفه تجاه إسرائيل انطلاقا من وضعه الداخلى وعلاقاته الدولية، وهذا بديهى. ونظرا لأن الأوضاع السياسية المصرية اتسمت فى السنوات الأخيرة بعدم الاستقرار، ولأن الحفاظ على الاستقرار فى مصر كان يتطلب بالتأكيد كافة صور الدعم من قوى مهمة فى النظام العالمى على رأسها الولايات المتحدة، فإن صانع القرار المصرى لم يكن على استعداد للمخاطرة بإغضاب إسرائيل، وبالتالى الدولة العظمى على قمة النظام العالمى. وقد تحسب هذه حكمة، لكنها تعتبر من زاوية أخرى نتيجة كارثية للإخفاق الداخلى الذريع.

أما النظام الجديد الذى يأمل المصريون فى تأسيسه أثناء الفترة الانتقالية فسيكتسب شرعيته من الشعب رأسا وليس من الرضا الخارجى عن سياسات النظام، وبالتالى فإن المرجح أن تتحول العلاقات المصرية- الإسرائيلية فى ظل هذا النظام إلى علاقات ندية كاملة، وليست كما كانت علاقات يجور فيها طرف هو إسرائيل على حقوق الطرف الآخر وهو مصر. وبعبارة أخرى، لن يكون هناك سكوت فى ظل النظام الجديد على انتهاكات إسرائيل للمعاهدة مع مصر، إذ لم تكن تلتزم بها فيما يتعلق بالمنطقة العازلة داخل حدودها دون أن يحتج الجانب المصرى، ولن يباع الغاز المصرى لإسرائيل بينما تحتاج مصر إلى كل مواردها من هذه الطاقة غير المتجددة للأجيال القادمة، بل ولاحتياجاتها الحالية. ولن يتم السكوت على جرائم إسرائيل تجاه الشعب الفلسطينى وغيره من الشعوب العربية، وستكون هناك بناء على هذا علاقات دبلوماسية بين الطرفين تعكس واقع الحال بعيدا عن أن تكون قدرا مفروضا على مصر، وفى هذه العلاقات سيسحب سفراء من السفارة المصرية فى تل أبيب، ويقلص حجمها طالما لا تلتزم إسرائيل بسلوك سلمى فى المنطقة، ولن تكون هذه العلاقات مجرد زيارات يقوم بها مسئولون إسرائيليون كبار كلما رغبوا فى ذلك كسبا للشرعية لجهودهم الزائفة تجاه ما يسمى بالتسوية السلمية للصراع العربي- الإسرائيلى، ولن تمضى مصر فى هذه الجهود العبثية، وإنما ستضع ضوابط واجبة لها، وسوف تلح مصر على تعديل بعض بنود معاهدتها مع إسرائيل كى تصبح ملائمة للواقع الراهن وملبية للحد الأدنى من احتياجات الأمن المصرى. وستصحح العلاقة مع القوى المقاومة لإسرائيل، وفى الحد الأدنى لن تخنق غزة عن طريق معبر رفح، أو يسمح النظام الديمقراطى الجديد بإقامة جدار فولاذى -ثبت عقمه- لمواجهة ظاهرة الأنفاق بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية. وسوف يكون ممكنا التوسط بين فصائل المقاومة دون مواقف مسبقة، ودعم المقاومة بكافة السبل التى لا يمكن لإسرائيل الادعاء بأنها تمثل انتهاكا مصريا لمعاهدة السلام، ولن تفتعل خلافات لا معنى لها مع دول يفترض أنها شريك استراتيجى لنا تجاه إسرائيل. وسوف يعيد هذا كله الحيوية لدور مصر العربى الذى ثبت من ردود الفعل الشعبية العربية للثورة أن إمكاناته ما زالت هائلة، وهذه قصة أخرى.

وبالإضافة إلى هذا سوف يعود الاهتمام المصرى بأفريقيا، ومن ثم الدور الفاعل لمصر فى هذه القارة بالغة الأهمية للمصالح المصرية الحيوية، وسوف تسعى السياسة المصرية إلى بناء شبكة علاقات خارجية متوازنة بعد أن كانت علاقاتها تابعة للسياسة الخارجية الأمريكية. هذا فى تقديرى هو السيناريو المرجح، وعندما توفق مصر بإذن الله فى بناء نظام جديد يتيح لها قوة ذاتية منيعة وإقامة تحالفات عربية حقيقية سوف يكون ساعتها لكل حادث حديث.

 

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية