دور العسكريين والديمقراطية - سمير كرم - بوابة الشروق
الأحد 19 مايو 2024 9:12 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دور العسكريين والديمقراطية

نشر فى : الأربعاء 3 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 3 أبريل 2013 - 8:00 ص

اختلف الرأى العام المصرى ــ وهذا تعبير يوازى تقريبا تعبير الناخبين من حيث الحجم ــ حول ضرورة أو أهمية قيام الجيش بدور سياسى مجددا من أجل الخروج بالبلد من ورطتها الحالية السياسية والاقتصادية.

 

لقد تبين أن تنظيم الإخوان المسلمين انقض على السلطة وهو غير مستعد لها. وسادت البلد حالة من الاضطراب السياسى لم تستطع أى من القوى السياسية أن تتصدى لها. بل يمكن القول إن تنظيم الإخوان حال دون مشاركة القوى السياسية فى تولى شئون البلاد. وبدا بوضوح أن دعوات الرئيس الإخوانى محمد مرسى للمعارضة غير جادة لأنه تراجع عنها كما تراجع عن غيرها. وفسرت هذه المواقف بأنها انعكاس لسلطة المرشد.

 

ونتيجة لذلك ظهرت بقوة من جانب العديد من القوى السياسية والشعبية الدعوة إلى صعود المؤسسة العسكرية لتولى السلطة باعتبار ذلك أمرا لا مفر منه لاستعادة الوضع السوى والهدوء إلى البلد، والتخلص من حالة الاضطراب والفوضى. بدا فى رأى أصحاب هذا الرأى أن حال البلد لن ينصلح إلا بواسطة تدخل المؤسسة العسكرية، وهو ما يقصد عادة باستخدام تعبير الجيش اختصارا.

 

وعلى الفور ظهرت فى الميدان السياسى قوى تعارض تدخل الجيش أو توليه السلطة. وكما أبدى المؤيدون أبدى المعارضون وجهة نظرهم حاملة الاسباب التى تجعلهم يعلنون هذه المعارضة الحاسمة ضد تولى الجيش السلطة. استند الرأيان المتعارضان إلى تجارب الماضى بعضهم رأى فى نجاح ثورة 23 يوليو 1952 وفترة حكم جمال عبدالناصر دليلا كافيا على ما يستطيعه الجيش حين يتولى زمام الامور. وبعضهم اعتبر ثورة يوليو دليلا على فشل الجيش فى الحكم متخذا من هزيمة 1967 دليلا كافيا على هذا الفشل. بل إن الرافضين لتدخل الجيش اعتبروا فترة تولى الجيش السلطة فى أعقاب تنحى الرئيس المخلوع مبارك إلى وقت تولى الإخوان المسلمين الحكم دليلا قويا على أن الجيش ليس مهيأ للقيام بدور حكم البلد. واعتبروا أن الجيش ارتكب سلسلة من الأخطاء هى المسئولة عن الوضع المضطرب الراهن.

 

خلال هذا كله لم يحاول أحد أن يناقش مسألة دور الجيش فى بلدان العالم الديمقراطية، وما إذا كان يساهم فى الحكم دون أن ينال من الديمقراطية، فضلا على أن يزيحها من طريقه.

 

خلال هذا قال المؤيدون إن الحكم العسكرى ضرورة حتمية دون أن يتعرضوا لمسألة أى شكل من الحكم العسكرى هو الضرورى. وقال المعارضون إن من الضرورى الابتعاد عن فكرة الدور العسكرى تماما دون أن يوضحوا أى تجارب الحكم أشركت العسكريين وأصابها الفشل، وما إذا كان من الممكن إشراك العسكريين فى الحكم دون أن ينفردوا به إنما بالمشاركة مع القوى السياسية المدنية وبصفة خاصة التكنوقراطيين ذوى العلم والخبرة بشئون الحكم المحددة، وخاصة الشئون الاقتصادية والتنمية: الصناعة والزراعة والسياحة والتخطيط... الخ.

 

ولعل الأهم من هذا أن المؤيدين والمعارضين على السواء لدور الجيش فى الحكم لم يعمدوا إلى إلقاء نظرة على دور الجيش فى الدول التى لا خلاف على كونها ديمقراطية. لقد تجنبوا الخوض فى تجارب البلدان الديمقراطية وما إذا كانت الجيوش تؤدى فيها أدوارا تتجاوز حدود الدفاع عن أمن البلاد وسيادتها ومصالحها الخارجية.

 

•••

 

إن أفضل مساهمة ممكنة فى مناقشة دور الجيش تتطلب مناقشة دور العسكريين فى النظام الأمريكى. لماذا النظام الأمريكى بشكل خاص؟ لأن الولايات المتحدة بلد يخوض الحرب بصفة تكاد تكون مستمرة طوال تاريخه منذ أن انتزع استقلاله من بريطانيا. ولقد لعب الجيش ــ والأحرى أن نقول العسكريين لأن الجيش لم يكن قد تكوّن بعد ــ دورا بالغ الاهمية فى حرب الاستقلال الأمريكية كما لعب دورا أهم فى حرب توحيد الشمال والجنوب التى آثر معظم المؤرخين الأمريكيين اعتبارها حرب المساواة العنصرية بين البيض والسود، حرب توحيد الشمال والجنوب. إن أمريكا تخوض حربا منذ استقلالها بمعدل كل سبع سنوات اذا قبلنا هذه النتيجة التى يتوصل اليها المؤرخون الأمريكيون بقسمة سنوات الاستقلال على عدد الحروب التى خاضتها. بالتالى لابد أن يكون للعسكريين دور فى حكمها، أو فى «إدارتها» اذا استخدمنا التعبير الأمريكى.

 

إن عدد الرؤساء الأمريكيين الذين انخرطوا فى الخدمة العسكرية، بين 44 رئيسا امريكيا، يبلغ واحدا وثلاثين رئيسا. وعدد العسكريين الذين تولوا الرئاسة وهم يحملون رتبة عسكرية بلغ 22 رئيسا عسكريا، كان أولهم جورج واشنطن (1789-1797) وآخرهم الجنرال دوايت ايزنهاور (1953-1961). والأمر المؤكد أن كلا من هؤلاء الرؤساء العسكريين استعان بعدد من الوزراء وكبار المسئولين فى مناصب عليا من داخل الجيش. ولابد من ذكر حقيقة أن 13 رئيسا أمريكيا فقط ــ من مجموع 44 رئيسا ــ لم يؤدوا الخدمة العسكرية. ويكفى فى هذا المجال الضيق أن نتذكر ما قاله الرئيس الجنرال ايزنهاور عن «المجمع العسكرى ــ الصناعى» باعتباره «السلطة الحاكمة التى تفرض سطوتها على صنع القرار فى الشئون الداخلية والخارجية فى المجتمع الأمريكى. «انما لا يمكن أن نورد هذا القول الأشهر لايزنهاور دون أن نذكر انه قاله فى «خطبة الوداع»، أى فى آخر مناسبة تحدث فيها إلى الشعب الأمريكى قبل أن يغادر البيت الابيض. وهذا يعنى أنه لم يكن يريد أن يثير غضب العسكريين والصناعيين وهو لا يزال فى سدة الرئاسة.

 

يمكن أن نضيف إلى هذا أن الشعور القومى السائد لدى الأمريكيين بأن «امريكا دائما على حق» هو شعور ناتج عن سطوة العسكريين فى هذا البلد الكبير على الشعور القومى وبتعبير آخر على «الضمير القومى». وينبغى ألا يغيب عنا فى هذا المجال أن غالبية عظمى من الأمريكيين يعتقدون أن أمريكا «صانعة سلام»، وفى الوقت نفسه فإن غالبية عظمى من الأمريكيين تعتقد بصحة القول بأن «العنف الأمريكى مثله مثل فطيرة التفاح». والقولان يرجعان فى كتابات الامثلة الشعبية الأمريكية إلى قادة عسكريين.

 

•••

 

إن اعداد الكتابات الأمريكية التى تتناول من زوايا مختلفة دور العسكريين فى المجتمع الأميركى لا تحصى إنما يكفى القول بأنها فى معظمها تعتبر أن تأثير الدور العسكرى على الحياة الأمريكية «لا يمكن المبالغة فيه».

 

وصحيح أن آخر ثمانية رؤساء أمريكيين ــ منذ اعتزال ايزنهاور ــ هم من غير العسكريين، وإن كان اثنان منهم فقط لم يؤدوا الخدمة العسكرية (كلنتون واوباما)، الأمر الذى يؤكد أن البيت الأبيض لم يعد يرحب بالرتب العسكرية، وهذا لا ينفى أن المناصب العسكرية العليا تلعب ادوارا سياسية بالغة الأهمية فى حياة المجتمع الأمريكى. حيث لا يزال المجتمع الأمريكى يقبل فى معظمه حقيقة أن الولايات المتحدة دولة محاربة. وينبغى أن نذكر اليوم العراق وأفغانستان. الأولى يفترض أن حرب امريكا انتهت فيها والثانية يفترض أن تنتهى فى العام المقبل. ولكنهما لا تزالان تشكلان عبئا كبيرا على المجتمع المدنى الأمريكى.

 

مع ذلك لا يدعى أحد أن المجتمع الأمريكى «غير ديمقراطى»، مهما كان رأيه فى الديمقراطية الأمريكية. فلا تناقض بين دور العسكريين والديمقراطية.

سمير كرم  كاتب سياسي مصري
التعليقات