معلمو البعثات: ينقصنا نظام تعليمى ملائم ومتكامل - مواقع عربية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 2:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

معلمو البعثات: ينقصنا نظام تعليمى ملائم ومتكامل

نشر فى : الثلاثاء 3 أبريل 2018 - 9:00 م | آخر تحديث : الثلاثاء 3 أبريل 2018 - 9:00 م

تستقر علامات التخبّط فى المشهد التعليمى بكل مستوياته فى مصر. لكن، وإيمانا بضرورة توجيه الانتباه لأى بارقة أمل ــ مهما بلغت محدوديتها ــ علّها تكون نواة نور تمتد لموجات تنتشر حولها فيما بعد، فإنه علاوة على طرح سؤال الجدوى وراء التدريبات التى تنظمها الدولة بغية التنمية المهنية للمعلمين، نتعرض هنا للبعثات التدريبية للمعلمين بالخارج، ونتحسس العائد منها فى تطوير التعليم فى المدارس المصرية.

البعثات.. فكرة قديمة متجددة
تعود فكرة البعثات لأوائل القرن التاسع عشر مع النهضة التعليمية التى قادها محمد على باشا. ومنذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا تطورت فكرة البعثات واتبعت سياسات تنظيمية مختلفة، كما استهدفت تطوير العاملين فى مجالات مختلفة، لكن الفلسفة الأصيلة التى ترتكز عليها فكرة البعثات عموما تبقى هى نفسها: أن الدولة تتكفل بإيفاد نخبة من أكفأ العاملين فى مجال ما إلى بلد رائد ومتطور فيه، بما يوفر للمبتعثين فرصة للاحتكاك المباشر بالتطورات والمستجدات الخاصة بهذا المجال، فيما يفترض بالدولة أن تنظم كيفية محددة للاستفادة بخبرات أبنائها العائدين من البعثة والاستعانة بهم فى مواكبة التوجهات العالمية فى مجال البعثة بشكل عام. وفى ضوء ذلك، فإنه يتعين على المعلمين المتقدمين للبعثات فى مصر اجتياز مجموعة من الاختبارات والتدريبات اللازمة لتحصيل الفرصة وفتح الطريق أمامهم للسفر. لكن السؤال ما زال قائما حول مدى وفاء البرنامج التدريبى لتلك البعثات بتحقيق النفع المرجو للمعلمين المبتعثين، ثم مدى رحابة البيئة التعليمية فى مصر وقدرتها على التطور والاستعانة بخبرات روادها العائدين من الخارج.
وفقا لما أفاد به بعض المعلمين، فإن مدة البعثة تمتد لحوالى ثلاثة أشهر، تزيد أو تقل طفيفا، وتستهدف غالبا معلمى «العلوم والرياضيات واللغة الإنجليزية»، ويتركز معظم برنامجها التدريبى فى محاضرات نظرية حول مبادئ تكنولوجيا التعليم وطرق التدريس الحديثة والمناهج وغيرها من علوم التربية، بينما لا توجد محاضرات تتناول المواد التخصصية على الإطلاق، هذا بالإضافة للقيام بزيارات ميدانية لمدرستين أو ثلاثة على الأكثر، بحيث يُدعى معلمى البعثة لزيارة كل مدرسة كمشاهدين ــ فقط ــ للحصص الدراسية ولمسار اليوم الدراسى.

رحلة عابرة.. ولكن
وعلى الرغم من محدودية المدة الزمنية للبعثة، والاكتفاء بإسناد دور المتفرج للزوار المبتعثين عوضا عن إتاحة فرصة حقيقية لهم للاحتكاك بالبيئة المدرسية فى المدارس المَضيفة، وعلى الرغم من استحالة المقارنة بين «تعليمنا وتعليمهم» لأسباب موضوعية كثيرة ــ فإن الانطباع الأقوى الذى يفرض نفسه ليستقر فى وعى المعلمين إثر تلك الرحلة العابرة، هو أن وجود تعليم حقيقى وفعال لا ينبع من تفوق فى أحد عناصر العملية التعليمية أو حتى فيها جميعا، لكنه يأتى من التوظيف الواعى لكل العناصر معا فى نظام تعليمى متكامل ومدروس، ما يعنى أنه حتى وإن بلغ المعلِّم أعلى درجات التأهيل المهنى فإن قدرته على المساهمة فى الارتقاء بالتعليم تظل مرهونة ببقية العناصر الفاعلة فى المنظومة.
يُفصل ذلك أحدهم (عائد من بعثة لجامعة استراثكلايد فى إسكتلندا 2006)، استنادا لما سجله أثناء زيارته لمدرستى جون بول أكاديمى ونايتس وود: «المدرسة هناك مكان آمن ونظيف ومجهز للترفيه والتعليم على حد السواء، إذا بدأنا بالمبنى المدرسى فهو مؤمن بدرجة كبيرة، فالمدرسة محاطة بأسوار وحوائط عالية وأبواب خارجية خشبية سميكة مؤمَّنة بكاميرات، ولكل فصل بابان للخروج على جهتين منفصلتين، والإرشادات فى حالة حدوث حريق معلقة فى كل مكان، كذلك تتوافر أدوات الإطفاء فى الطرقات والسلالم والمعامل والفصول. وقد رأيت بنفسى تجربة إخلاء للمدرسة ــ على فرض حدوث حريق ــ وتم خروج الجميع خارج المبنى بكل جدية، بل وحضرت المطافى والإسعاف وتمّ قياس وقت وصولهما. ولتيسير سير العملية التعليمية، فإن كل فصل مزود بوفرة من وسائل التكنولوجيا الحديثة والأدوات المكتبية المتاحة للمعلمين والتلاميذ على السواء. وللترفيه، يوجد داخل المدرسة ملاعب مغطاة وحمامات سباحة مُدفأة ومطاعم»، ويستكمل: «أما المناهج، فيحكمها نظام مُفصّل وبرامج متعددة توفر اختيارات للطلاب كلٌ بما يناسب قدراته الأكاديمية». يؤكد آخر (عائد من بعثة لجامعة ليستر ــ إنجلترا 2015): «المناهج متنوعة ولا توجد فكرة المناهج الموحدة على كل المدارس، ولأن طرق التقييم تُعنى بقياس مهارات محددة، فهى تلعب دورا حاسما فى توجيه طرق التدريس لتنمية تلك المهارات».

«المعلم» هنا.. وهناك
ربما من الصعب أن يتجنب المعلم المبتعث مقارنة حاله بحال نظيره فى البلد المضيف، وبغض النظر عن أى اختلافات موضوعية تُسفه العملية وتنزع عنها وجاهتها، فإن ما تسفر عنه المقارنة المحتومة هو شعور عام بأن المعلم فى مصر «مطحون»، حيث الجهد البدنى والذهنى الكبير الذى يصرفه فى العمل يفوق بمراحل ما يبذله المعلم الذى يعمل فى نظم تعليمية متقدمة. تبدأ المعاناة ــ هنا ــ من العمل فى فصول مكدسة وضرورة إنجاز مناهج دراسية كثيفة فى فترات زمنية قصيرة، ولا ينتهى حدّ إقحام المعلم فى العديد من الأعمال الإدارية والإشرافية لعدم وجود من ينوب عنه فى تلك الأعمال.
وهكذا يمتد العبء لتكليفه باستيفاء الكثير من التسجيلات الكتابية التى تعد وسيلة مهمة لإثبات عمل المعلم وبالتبعية إمكانية تقييم أدائه، وفقا للمعمول به فى النظام التعليمى فى مصر. يقول أحدهم: «رأيت التعليم هو المهمة الوحيدة التى يتصدى لأدائها المعلم هناك، وهو فى ذلك متحررٌ تماما من كل روتينيات الكتابة وسخافات التحضير النمطى، حيث توفر الوسائط الإلكترونية المحملة بعروض شيقة للمناهج المختلفة بديلا معتبرا عن كل هذا «الورق». وما على المعلم إلا إدارة تفاعل الطلاب مع المادة التعليمية المعروضة». ويحكى آخر: «رأيت الطلاب يعملون أكثر من المعلم، فهم مقسمون على مجموعات تعمل فى ضوء توجيهات محددة، وفى النهاية فقط يعلق المعلم على النتائج التى يخرج بها الطلاب»، ذلك طبعا بخلاف مستوى الدخل المقبول ومكاتب العمل النظيفة والمشجعة على الإنجاز.

ماذا بعد العودة؟
لا شك إذا أن تلك البعثات توسع مدارك المعلمين المبتعثين وتفتح أعينهم على رؤية نماذج متطورة للتعليم. ولكن إلى أى مدى تساهم معاينة ومعايشة تلك الأنظمة التعليمية المتكاملة فى تطوير التعليم فى مدارسنا بواقعها المأزوم؟ كيف يتغير الأداء المهنى للمعلم بعد عودته من البعثة؟ جاءت الإجابة محبطة ــ ولكنها متوقعة ــ فيما يخص الشق الأول من السؤال، حيث كفاءة المعلم وحدها لا تكفى لإنقاذ الموقف، ووعى المعلم بكيفية استخدام وسائل التكنولوجيا لا يفيد فى بيئة تعليمية لا تتوافر فيها تلك الوسائل. لذلك يعلّق أحدهم: «على الرغم من استفادتى الشخصية من البعثة، فإننى أرى أنها إهدار لأموال طائلة بلا نفع حقيقى، ذلك لأن الهدف منها تنمية مبادئ استخدام التكنولوجيا فى التعليم، وهو ما كنت أحيط به من قبل السفر. وبفرض أننى تعلمته من هناك، فما الفائدة إذا كانت المدرسة التى أعمل بها غير مجهزة لتوظيف ما تعلمته؟»، يستطرد موضحا: «لقد تعلمت بالفعل من رؤيتى للمعلمين هناك أن أكون أكثر رفقا بالطلاب وأن يتسع صدرى أكثر لمزاحهم، ولكن ما تعلمته هذا يخصنى وحدى ولم يكن هو المقصود من البعثة». ويرفض آخرون وصف الأموال الموجهة لإتمام البعثات «بالمهدرة»، يقول أحدهم: «نعم العقبات التى تواجهنى كبيرة.. لكننى أحاول دائما تقليد ما رأيت». ويستدرك: «بقدر المستطاع!»، فيما يبدو أن حجم هذا «المستطاع» قليل جدا.. ولكن ماذا عن الدروس الخصوصية التى تعتبر إحدى آفات النظام التعليمى القائم والتى تحاربها الدولة فى مصر، فهل يمتنع عنها معلمو البعثات باعتبارهم صفوة رائدة بين المعلمين؟ جاءت الإجابة مجاهرة حاسمة وواثقة بـ«لا»، وكان التعليل أن الدروس الخصوصية إحدى نتائج تدهور النظام التعليمى بأكثر مما تكون أحد أسبابه.

وهكذا يتجلى الداء المصرى الأصيل مجددا فى سياسة البعثات، والأمر لا يقتصر على تدريبات المعلمين أو بعثاتهم، ولكن الجهود المبذولة عادة فى تطوير التعليم فى مصر تبدأ دوما بوضع الخطط وتنتهى عند تدبر الموارد اللازمة لتنفيذها، أما متابعة التنفيذ وقياس النتائج، فهما الضرورتان الغائبتان دوما عن المشهد، لذلك لا يتحسن الوضع ولا يتقدم أبدا.

بسمة فؤاد
موقع السفير العربى ــ لبنان

التعليقات