سجناء الستينيات وأحرار التسعينيات - أميمة كمال - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 2:27 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سجناء الستينيات وأحرار التسعينيات

نشر فى : الجمعة 3 يوليه 2009 - 8:19 م | آخر تحديث : الجمعة 3 يوليه 2009 - 8:19 م

 نظرت الدكتورة سميحة فوزى مساعد وزير التجارة والصناعة من على المنصة، متنقلة ببصرها فى أرجاء القاعة الفخمة فى الفندق، لتتبين كم من سجناء الستينيات استطاع أن يفلت من محبسه ويحضر ذلك المؤتمر الذى عقد ليبحث فى شئون التنافسية فى الاقتصاد. ولم تمعن النظر كثيرا قبل أن تعلن أن نصف الحاضرين فى تلك القاعة المتسعة الأطراف من هؤلاء السجناء الطلقاء. لذلك واتتها الشجاعة لكى تقول على الملأ «إن التحدى الحقيقى أمام تحقيق الإصلاح فى مصر هو وجود سجناء لأفكار الستينيات بيننا، وأن نصف الحاضرين فى هذه القاعة من هؤلاء، ولا يكفى الحكومة أن تقوم بالإصلاح الاقتصادى والسياسى ولكن عليها أيضا بالإصلاح الفكرى». وفهم جميع السجناء المتخفين فى القاعة أن المطلوب من الحكومة إما أن تنقى المجتمع منهم، ومن أقرانهم خارج القاعة، أو على الأقل أن يتم إجراء عمليات جراحية لهم على نفقة الدولة لاستئصال هذه الأفكار المعوقة للإصلاح فى مصر.

ولم يكن صعبا على الحاضرين أن يفهموا أن جزءا مما قالته الدكتورة سميحة حول السجناء جاء تعليقا على ما تحدث به الدكتور مصطفى السعيد وزير الاقتصاد الأسبق ورئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب (والذى لا يجرؤ أحد على اعتباره أحد الهاربين من السجن الستينى) أن مصر مازالت تنتهج أفكار (إجماع واشنطن) بينما أصحاب هذه الأفكار تخلو عنها.

وإن الأمر لم يعد يحتمل أن تنفض الدولة يدها من النشاط الاقتصادى بينما العالم يعود ليتحدث من جديد عن أهمية وجود دور قوى الدولة.

ولكن إذا كانت الدكتورة سميحة قد قدرت عدد سجناء أفكار الستينيات بنصف عدد النخبة فى المجتمع فهذا أمر يحمد لها، ويعبر عن موضوعية فى الحساب، لأنه إذا كانت نصف النخبة «ستينية الهوى» فماذا عن الملايين الذين فاتهم قطار النخبة؟!.

والحقيقة أن هذه الحسبة تجعل حديث البعض، على أن هذه الأفكار لا تمثل سوى شرذمة لديها حالة نفسية تجعلها أسيرة للماضى ولا تستطيع أن تغيب شخوصه من ذاكرتها، أمر مضحك.

ولكن ألم تكن الموضوعية تقتضى بالدكتورة سميحة بعد أن كشفت لنا عن أوضاع سجناء الستينيات أن تكمل النظرية وتقول لنا وماذا فعل بنا أحرار التسعينيات؟

وسأحاول أن أبادل الموضوعية التى أبدتها الدكتورة بموضوعية أخرى وهى الاستناد إلى ما يقوله (غير السجناء) فى تقاريهم عن الثمار التى جنيناها من زمن «الأحرار».

إن الفقراء فى العام الماضى زادوا فقرا، ومن كان يتحصل على 1423 جنيها فى السنة، ويحمد ربنا على هذه النعمة، ويدعو الله خشية زوالها، يبدو أن الله لم يستجب لدعوتهم وانخفض ما يحصل عليه هؤلاء ليصل إلى 1222 جنيها فى السنة. بينما الفريق الآخر الذى كان يقف على حافة الفقر منتشيا بأن التقارير الدولية تصنفه فى فئة «قريب الفقر» وليس فقيرا وقع فى المحظور هو الآخر، وانخفض دخله السنوى بمقدار 262 جنيها فى السنة ليصل إلى 1592 جنيها، وأصبح أكثر قربا من خط الفقر اللعين.

وهذه المقتطفات عن أوضاع الفقراء، فى ظل حكم الأحرار وليس السجناء، أتت فى التقرير الأخير الذى أصدره مجلس أمناء هيئة الاستثمار، الذى يصعب أن يفلت إليه سجينا من إياهم. والأهم أن التقرير أرجع ذلك إلى عدم عدالة «الأحرار» فى توزيع ما تحقق من نمو فى المجتمع. فهل كان سوء توزيع ثروة البلاد أيضا من نتاج أفكار السجناء، أم هو من صميم اختصاص الأحرار؟. وهل السجناء هم أيضا الذين اختاروا أن تتوزع 60% من الاستثمارت على القاهرة والإسكندرية، بينما الصعيد كله لم يتحصل سوى على خمس ما حصلت عليه القاهرة وحدها، بينما يعلم «الأحرار» أن 77% من الفقراء يعيشون فى المناطق الريفية فى الصعيد والوجه البحرى؟.

وربما نتفق جميعا أن نفس هؤلاء السجناء أعربوا كثيرا عن استيائهم من تسليم مفتاح جميع شركات الأسمنت العامة للأجانب إلا أن الأحرار كانوا يرون أن العالم أصبح محررا فلماذا نسجن الأسمنت فى أيدى المصريين فقط؟ وكانت النتيجة هى احتكار الأجانب للأسمنت المصرى ليس باتهامات من أحد ولكن بحكم محكمة لا يستطيع أحد أن يشكك فى حرية أعضائها.

أحرار أم سجناء ليس هذا هو المهم، ولكن الأهم أن نلحق بهؤلاء من قريبى الفقر والذين لم يبق بينهم وبين الفقر سوى خطوة ويقعوا، ويصبح ذنبهم فى رقبة الأحرار.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات