التمييز والتنمر.. وبناء إنسان جديد - جورج إسحق - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 8:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التمييز والتنمر.. وبناء إنسان جديد

نشر فى : السبت 3 يوليه 2021 - 7:35 م | آخر تحديث : السبت 3 يوليه 2021 - 7:35 م

انشغلت منصات وسائل التواصل الاجتماعى خلال الأيام الماضية بما حدث لفتاة كلية الآداب جامعة طنطا، وتفاعل الناس مع ما حدث من أثر فى مشاعر الفتاة من ارتباك وضيق وعدم مقدرتها على مواجهة هذا الفعل. هذا كله استفز مشاعر المصريين/ات من الألم والضيق التى تعرضت له الفتاة. مَن منح الوصاية للناس للتدخل فى طريقة لبسها؟ والذى حدث للفتاة جريمتان يعاقب عليهما القانون، هما تهمة التمييز وتهمة التنمر.. فأثناء دخولها الامتحان سألها أحد الموظفين «أنتى مسيحية ولا مسلمة؟»، هذا هو التمييز الذى يأخذ شكل «التمييز الخفى»؛ وهى أن الشخص يظهر التمييز بدون شعور. فهناك أشخاص يقولون إنهم يلتزمون بقيم التسامح والمساواة ولكنهم بدون أن يشعروا يتصرفون بشكل تمييزى تجاه بعض الأفراد أو المجموعات، وهذا الذى حدث مع هذه الفتاة.
إن استخدام التمييز بين الناس يؤدى إلى الخوف وكراهية الآخرين وتفضيل بعض الناس على البعض بسبب الانتماء الدينى، وهذه علامات مزعجة للمجتمع، فالبداية تكون من التعليم وتربية الأبناء والبنات على مفاهيم جديدة وقبول الآخر وعدم السخرية من الآخرين من خلال مناهج تعليمية جديدة ومتقدمة؛ لأن الدستور المصرى 2014 ينص فى مواده المختلفة على منع التمييز؛ ففى المادة 10 تنص المادة على أن «الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق الوطنية». وفى المادة 11 «تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية». هذه المبادئ المهمة يجب أن تظهر فى مناهجنا لبناء إنسان جديد.
وهنا أسرد قصة بسيطة، عندما كنت مديرا لإحدى المدارس رفض طفل فى الحضانة أن يجلس بجوار زميله لأنه مخالف له فى الدين! من زرع فيه هذه الفكرة؟! وكيف سوف تتطور أفكاره عندما يكبر؟! أرجو أن نخمد هذه الفتنة قبل أن تستشرى، فليس القانون وحده هو الذى سوف يحاسب الأشخاص على هذا التمييز ولكن ضمائرهم وأخلاقهم هى المعيار.
•••
ولذلك طلبنا عدة مرات ونبهنا أكثر من مرة ودعونا مجلس النواب أن يفعّل قانون مفوضية منع التمييز حتى يستطيع من يميز ضده أن يقاضى هذا الشخص ويأخذ حقه بالقانون، وهذه المفوضية موجودة فى كثير من دول العالم.
وبما أننا جزء من العالم فإننا يجب أن نلتزم بإعلان الأمم المتحدة بالقضاء على جميع أشكال التمييز والعنصرية وميثاق الأمم المتحدة الذى وقعت عليه مصر، والذى يقوم على مبدأى كرامة جميع البشر وتساويهم. ومن الأهداف الأساسية التى ينشدها تحقيق التعاون الدولى تعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين، وأن البشر يولدون أحرارا ومتساوين فى الكرامة والحقوق وأن الجميع سواء أمام القانون، وبناء مجتمع عالمى متحرر من جميع أشكال التمييز. فيجب بداية أن نطلع أبناءنا وبناتنا فى المناهج على إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز.
وفى هذا السياق يجب أن نحيى رئيس جامعة طنطا وعميد كلية آداب طنطا لأنهم صرحوا بأنهما سيقومان بتحويل الرجل التمييزى والسيدات المتنمرات ببلاغ إلى النائب العام. ولكن هذا لا يكفى، يجب أن ننظر إلى الأمر برؤية مختلفة لأن استمرار هذا السلوك دون محاسبة يؤدى إلى نتائج وخيمة. ويجب أن نتنبه أن هذه الأمور تحدث فى المواصلات العامة من قبل نساء ورجال ضد الآخرين وتوجيه السباب لهم بسبب مظهرهم. هذا يجب أن نتصدى له فورا فى وسائل المواصلات المختلفة.
•••
أما التنمر فقد تجسد فى أن اثنتين من المراقبات تعرضتا للفتاة عندما خرجت من الامتحان بسؤال فى منتهى الفجاجة وقلة الأدب «إنتى نسيتى تلبسى بنطلون؟»، ما هذه البشاعة وما هذا التصرف الأحمق؟! وأعطتاها درسا فى كيفية اختيار ملابسها وتوجيهات ليست من مسئوليتهما على الإطلاق!
أما عن التنمر الذى تعرضت له الفتاة «أنتى نسيتى تلبسى البنطلون»، هذا تنمر غير مقبول على الإطلاق! وتنتشر هذه الظاهرة فى المدارس أكثر من أى مكان آخر، وإذا جاءت من الكبار فيكون ضررها أكثر.
وللتنمر أنواع كثيرة.. الإساءة اللفظية أو الخطية مثل استخدام أسماء أو ألقاب من قبيل النكات أو استخدام العنف ــ التحرش الجنسى أو التمييز العنصرى مثلما تعرضت له الفتاة بسؤالها عما إذا كانت مسلمة أم مسيحية، الذى ينم عن تمييز واضح. وعندما يتعرض الإنسان للتنمر يتحول إلى شخص عدوانى ويتعثر فى دراسته ويشعر دائما بالخوف، كما حدث لفتاة طنطا، إلى جانب البكاء المستمر وتغيير أنماط النوم والأكل، كل هذا إضرار بالمجتمع وبالإنسان المصرى.
إن التمييز والتنمر قضيتان يجب أن يشملهما بالرعاية المجلس القومى لحقوق الإنسان، وكذلك المجلس القومى لحقوق المرأة وكل الهيئات القومية الموجودة على أرض مصر، لأن الاستمرار فى هذا شيء خطير ومدمر. ولا يكفى الحديث عن عدم التمييز وأننا كلنا متساوون فى حين يختلف الأمر على أرض الواقع، ففى الممارسة اليومية يحدث هذا التمييز بشكل فج وواضح! لأن الذى يقوم بهذا العمل لم يتعلم منذ الصغر المبادئ الأخلاقية العامة، احترام الآخرين، وعدم التمييز بين البشر.
نريد أن نرى تغييرا حقيقيا فى سلوك الناس على أرض الواقع بدون تزييف فى الحقائق، فمن حق المصريين/ات جميعا أن يتولوا كل الوظائف وعدم حرمان أحد من تولى وظيفة بسبب دينه أو مستواه الاجتماعي؛ غنى أو فقير.
هذا الحدث لفتاة جامعة طنطا يحمل مؤشرات مهمة وينبه للأخطار التى نتعرض لها وسوف نتعرض لها فى المستقبل. ولذلك يجب أن نقف وقفة جادة لتعليم أبنائنا وبناتنا المبادئ الأخلاقية وكذلك الحفاظ على أبناء وطننا فى سلام وطمأنينة حتى يسود العدل والمساواة والحرية لكل المواطنين والمواطنات لنستطيع بناء إنسان جديد.

عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان

جورج إسحق  مسئول الاعلام بالامانة العامة للمدراس الكاثوليكية
التعليقات